ماذا يعني إلغاء قانون الطوارئ في مصر؟
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، إلغاء قانون الطوارئ، وهذه هي المرّة الأولي منذ 2017 التي يجري فيها إلغاء القانون، علما أن كل الفترات التي تم تجديد القانون فيها كان فيها مخالفة واضحة للدستور المصري الذي يسمح بفرض حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، وبتجديدها ثلاثة أشهر أخرى، لتصبح المدة الإجمالية ستة أشهر فقط، لكن الرئيس المصري اعتاد ترك فاصل زمني بعد تلك المدّة، قد يكون يوما أو عدة أيام، ثم يفرض حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، ثم تجديدها ثلاثة أشهر أخرى، وذلك منذ فرضت في جميع أنحاء مصر في إبريل/ نيسان من عام 2017، بعد هجمات استهدفت بعض الكنائس، قتل على أثرها عشراتٌ من المصريين الأقباط. كما أن رئيس مجلس الوزراء دأب، منذ 2017، بموجب السلطة الموكلة إليه من رئيس الجمهورية، على إصدار قراراتٍ تنفيذيةٍ تتضمّن الجرائم التي تختصّ محاكم أمن الدولة طوارئ بالفصل فيها. وهي القرارات التي أصبحت تصدُر بشكل روتيني واعتيادي، بمجرّد إعلان حالة الطوارئ، أو مدّها، بموجب قراراتٍ رئاسية كل ثلاثة أشهر. فعلى سبيل المثال، في يناير/ كانون الثاني 2019، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بإحالة جرائم إلى محاكم أمن الدولة الطوارئ، منها، على سبيل المثال، الجرائم المنصوص عليها في قوانين التجمهر، تعطيل المواصلات، البلطجة، التظاهر، والإرهاب ... إلخ، و في يوليو/ تموز 2020، تم توسيع اختصاص محاكم أمن الدولة طوارئ، ليشمل الجرائم المتعلقة بمخالفات البناء بأنواعها كافة، وجرائم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها، وهي الجرائم التي حرصت الحكومة على التصدّي لها في إطار خطة الدولة لمواجهة ظاهرتي البناء غير المنظّم، والاعتداء على الأراضي الزراعية. وهو ما يعني أن لدى السلطة التنفيذية السلطة المطلقة وأنها قادرة على إضافة أو حذف أي من الجرائم التي تختص محاكم الطوارئ بالفصل فيها، وذلك بمجرّد إصدار قراراتٍ تنفيذيةٍ تحمل هذا المعنى.
على أنها هذه ليست المرّة الأولى التي يتم إلغاء قانون الطوارئ في مصر كما يروّج بعضهم، فقد تم فرض القانون بعد حريق القاهرة، وليس بسبب الانقلاب العسكري الذي حدث في 1952، كما أنه تم وقف العمل به في عهد جمال عبد الناصر من 1964 إلى يونيو/ حزيران 1967، وتم وقف العمل به في عهد أنور السادات من 1980 حتي اغتياله في 1981، واستمرّ العمل بالقانون 30 عاما هي مدة حكم حسني مبارك، ثم تم وقف العمل بالقانون بعد الانتفاضة الثورية في 2011، ثم أعيد العمل به في عهد عدلي منصور بعد انقلاب 2013، وتم العمل به كل تلك المدة حتى القرار الذي أصدره السيسي من أيام بوقف العمل به.
يستمر النظام في تعطيل العمل بقانون الإجراءات الجنائية، ويمارس مناورة جديدة من أجل كسب الوقت مع الإدارة الأميركية
ولكن المتأمل للمشهد يرى أن المحصّلة النهائية لهذا التعطيل الذي قام به السيسي، وإلغاء العمل بقانون الطوارئ، صفرية، وهو ليس أكثر من مناورةٍ يقوم بها النظام لتجنّب الانتقادات الغربية والأميركية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، كما أنه جاء مباشرةً بعد الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلن عنها النظام قبل فترة، والتي لا قيمة لها في الواقع، ولم يكن الهدف الأساسي منها سوى الإفراج عن الجزء الذي تم تعليقه من المعونة الأميركية لمصر. يهدف النظام السياسي المصري إلي استخدام الوقت، من أجل تمرير فترة الرئيس الأميركي، بايدن، حتى لا يتعرّض النظام لضغوط كثيرة، فالوضع الاقتصادي المصري يمرّ بأزمة كبيرة، كما أن النمو السكاني يضغط أكثر علي الوضع الاقتصادي المترهّل، والذي أثقلته سياسة النظام بالقروض. وبالتالي، النظام في حاجةٍ إلى الأموال، فالخليجيون الذين دعموه من قبل لن يقدّموا له شيئا، كما أن الأميركيين لن يقدّموا له شيئا بدون شروط واضحة تتعلق بتحسين الوضع الخاص بحقوق الإنسان. لذا يحاول النظام كل مرة أن يقدم مناورة جديدة لإيصال رسالة مفادها أننا نعمل علي تحسين حقوق الإنسان وبالتالي نستحق الدعم المالي. لكن عند النظر لإلغاء العمل بقانون الطوارئ، نجد أن السيسي والذين معه في السلطة ليسوا في حاجةٍ لهذا القانون، فكل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس من دون التقيد بقانون الإجراءات الواردة في قانون الطوارئ قد تم نقلها إلى قوانين أخرى سارية، ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ، مثل قانون مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية. وبالتالي لا يزال لدى السلطة التنفيذية السند التشريعي لعدم الالتزام بقانون الإجراءات الجنائية الطبيعي. وبالتالي، هذا لن يؤثر على النظام واستقراره اللحظي الذي يتمتع به، فهو غير محتاج هذا القانون، فعلى عكس مبارك، يحكم عبد الفتاح السيسي نظامًا سياسيًا تتّحد فيه مؤسسات الدولة، ولا سيما القضاء والشرطة، في دعم النظام العسكري، باعتباره السبيل الوحيد للحفاظ على مصالحهم واستقلاليتهم عن المجتمع، كما أن النظام لا يشعر بأي تهديدٍ لإيقاف العمل بهذا القانون، فالبدائل الأخرى في قانوني الإرهاب والكيانات الإرهابية موجودة، إلى جانب أن بقاء الجيش والنظام أصبح أكثر ترابطاً عما كان عليه من قبل، ووجود رجال الجيش والشرطة في البرلمان يمنع ظهور أي تهديدٍ سياسي للنظام، أو معارضة ولو كانت شكلية. فالنظام اعتاد على تدمير أسس الحياة السياسية، وبالتالي أصبح من الصعب وجود معارضة منظّمة من الممكن أن تقف فيه سبيله، وغياب هذه المعارضة المنظّمة جعله يتّخذ القرارات الكبرى منفردا، مثل استيراد الغاز من إسرائيل، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وغيرهما من قراراتٍ لم يكن ممكنا أن يتم تمريرها، لو وجدت معارضة منظمة وفاعلة.
تتضمن أحكام قانون الطوارئ صلاحيات رئاسية كثيرة من شأنها تقييد أغلب الحقوق الأساسية للمواطنين
تتضمن أحكام قانون الطوارئ صلاحيات رئاسية كثيرة من شأنها تقييد أغلب الحقوق الأساسية للمواطنين، إلا أن التطبيق الفعلي لتلك الأحكام دائمًا ما كان مرتبطًا بظروفٍ استثنائيةٍ تبرّر اتخاذ تدابير من شأنها المساس بحقوق الأفراد، كفرض حظر التجوال ووضع قيود على السفر.. إلخ من القيود المقيّدة للحريات الأساسية. ولكن، ومما لا شكّ فيه، يبقى استمرار محاكمة آلاف المتهمين سنويًا أمام محاكم أمن الدولة طوارئ، والتي تعد محاكم استثنائية، هو الأثر العملي الأبرز والملموس للتطبيق المستمر لحالة الطوارئ في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، فقد استخدم النظام قانون الطوارئ في تصفية خصومه السياسيين، إما بحبسهم وإحالتهم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ التي نشأت بموجب هذا القانون، وقد نظّم عدة انتخابات برلمانية تحت هذا القانون، وكذلك عدّل الدستور تحت مظلة القانون نفسه، وأنشأ، بجوار القانون نفسه، ترسانة من القوانين القمعية الأخرى والاستثنائية التي استطاع من خلالها إحكام قبضته القمعية، وتفكيك الكتل السياسية التي قد تشكّل خطرا عليه، أو منع أي خطر مستقبلي قد يهدّد وجوده. وتبقى الحقيقة الواحدة أن النظام، بإلغائه العمل بقانون الطوارئ، مع الاحتفاظ بقانون الإرهاب والكيانات الإرهابية، يستمر في تعطيل العمل بقانون الإجراءات الجنائية، ويمارس مناورة جديدة من أجل كسب مزيد من الوقت مع الإدارة الأميركية الحالية.