ماكرون وشولتز وهدية النصر لبوتين
الهدية التي تلقاها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الاثنين الماضي، في ذكرى احتفال النصر على النازية، كانت من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، اللذين اتفقا على عدم تأهل أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي. وفجّر ماكرون المفاجأة في مؤتمر صحافي مشترك مع شولتز، حينما أعلن أنه "لا يمكن لأوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي .. يتطلب ذلك إجراءات طويلة قد تدوم سنوات". وقد قطع بذلك الطريق على كييف التي باتت مقتنعةً بأن مسألة عضويتها في الاتحاد الأوروبي شبه محسومة، بعد أن تلقّت خلال الشهر الأخير تطميناتٍ ووعودا من مسؤولين على رأس الهرم الأوروبي، منهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، والمفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل.
وعدا عن أن الإعلان صدر عن ماكرون، الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وبالاتفاق مع شولتز، فإنه يعني من الناحية العملية "فيتو" فرنسيا ألمانيا على طلب العضوية الأوكراني. وبذلك ضاعت الفرصة الثانية والأخيرة على أوكرانيا، بعد سدّ الطريق أمامها للانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي (الناتو). وجاء هذا الموقف ليؤكّد صدق المخاوف من الموقف الفرنسي الألماني المتردّد منذ بداية عدوان روسيا على أوكرانيا. ومعروفٌ أن ماكرون كان ينتظر الانتخابات الرئاسية كي يكشف عن موقفه الفعلي، في حين أن شولتز لم يجرُؤ على إعلان موقفه رسميا بسبب ضغوط خارجية وداخلية، أميركية ومن المعارضة داخل الحكومة، ما اضطرّه إلى اتخاذ خطوات دعمٍ لأوكرانيا لم تكن في حسابه حتى بعد مرور أسبوعين على الغزو الروسي. ولافتٌ أن لهجة المؤتمر الصحافي المشترك بين ماكرون وشولتز كانت هادئة جدا، على خلاف ما هو عليه خطاب واشنطن ولندن. ودعا ماكرون إلى عدم توسيع الحرب، وضرورة بدء مفاوضات روسية أوكرانية. وكان قد دعا قبل ذلك إلى خروجٍ مشرّف لبوتين، الذي كان قد وصفه بـ "الكاذب"، لكنه رفض وصف الرئيس الأميركي جو بايدن له بـ "الجزار"
لم تكن مواقف دول الاتحاد الأوروبي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ذات نبرةٍ واحدةٍ تجاه حدث، يعد الأخطر في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وظهرت الكتلة المكونة من 27 عضوًا بطيئة وخجولة في اتخاذ موقفٍ موحد، وطفت على السطح الانقسامات بينها. وحتى عشية الغزو، ومع حشد القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، تباينت مواقف الدول الأعضاء بشأن التهديد الصادر عن موسكو، والعقوبات التي قد يجري اتخاذها ضد روسيا، ومقدار المساعدات العسكرية التي يجب تقديمها لأوكرانيا. ولو أن الحكومات الأوروبية اتفقت، وتمكّنت من الاستجابة مسبقًا، فربما أثر ذلك على حسابات الكرملين، على الرغم من أن ثني موسكو عن قرار الحرب كان أمرا بعيد المنال، وزار كل من ماكرون وشولتز بوتين في موسكو، ولم يفلحا في شيء.
العقوبات الاقتصادية والمالية والتجارية بعيدة المدى، التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، هي الأشد ضد طرفٍ خارجيٍّ على الإطلاق، رغم أنها تعبر عن موقف الحدّ الأقصى لهذه الكتلة. وفاجأت سرعة الرد والإجراءات حتى بعض صانعي القرار الأوروبيين. وللأمانة، كان غزو موسكو واسع النطاق لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي بمثابة صدمة للعواصم الغربية، إلى درجة أنهم لم يكتفوا بالتهديدات التي أصدروها مسبقًا، بل ذهبوا إلى أبعد مما توقعه كثيرون في رفع كلفة الحرب التي تتحمّلها روسيا. وفي نهاية المطاف، فإن المتضرر الأساسي حتى اليوم هو أوروبا واقتصادها، وهي تتحمّل فاتورة آثار الحرب أكثر من روسيا وأميركا والصين، ويعبر عن ذلك التدهور الكبير في وضع العملة الأوروبية، وارتفاع فواتير الطاقة والمعيشة، هذا بالإضافة إلى الهزّة التي ضربت الاتحاد الأوروبي سياسيا وأمنيا.