محورية المصطلح في الصراع مع العدو الصهيوني
تعدّ المفاهيم والمصطلحات مفاتيح للعلوم، وتمثل المبادئ الأساسية والأصول المعرفية التي لا يمكن الاستغناء عن دورها في تحديد المعاني والمدلولات، وضبط العمليات الفكرية والمنهجية من حيث التحليل والتفسير.
كما تدل صناعة المصطلحات العلمية على نضج المجتمعات وتطوّرها، إلا أن الإفراط في سكّ المصطلحات في أي جماعة أو تشكيل يعدّ أحد مظاهر الأزمة الداخلية فيه، فضلاً عن أن استغلالها لأغراض تحيزية أو مسيئة إلى بعض المقومات الكبرى، مثل: التلاعب بالمصطلحات الثابتة في الأديان، والعبث بالمفاهيم العرقية يقتضي التفطن والتصدي لها بتفكيكها، وإنتاج مصطلحاتٍ بديلةٍ مضادّةٍ تفاديا للسقوط في الغزو الفكري، وسيظهر قريباً أن هذا ما كرّست له الصهيونية طاقاتها وجهودها.
تأتي أهمية العناية بمعاني المصطلحات في الصراع مع العدو الصهيوني من دورها الكبير، وتأثيرها العميق على العقول
أشار عبد الوهاب المسيري، في نهاية كتابه "في الخطاب والمصطلح الصهيوني"، إلى تغير المصطلحات الصهيونية خصوصا، وإعادة سكّها بشكل متعمَّد ومتكرِّر ومنتظِم، كلما تصدّى لها بالتفكيك، هو أو غيره من المهتمين والمختصين الغيورين على الدين والقضية الفلسطينية، بل عدَّ تكاثر مصطلحات الصراع مع العدو الصهيوني مفرطاً، إلى درجة كشفه عن الأزمة البنيوية للصهيونية، وتوتر العلاقة بين حركة الاستيطان الصهيوني العالمية وبقية يهود العالم. ويكفي الحديث عن بعض المصطلحات المفتاحية الرئيسة في هذه المطالعة، أهمها: "صهيونية" و"يهودية"، و"إسرائيل" وأخيرا "تطبيع".
تأتي أهمية العناية بمعاني المصطلحات في الصراع مع العدو الصهيوني أولاً من دورها الكبير، وتأثيرها العميق على العقول، وإقناعها بمغالطاتٍ وتحريفاتٍ كثيرة. كما تتأكّد ضرورة هذه العناية ثانياً جرّاء ما أثاره التطبيع الإماراتي - الصهيوني أخيرا من موجات غضب عارمة في العالم، إلى جانب استمرار الصهيونية في ترويج ما يخدم أغراضها وأهدافها من مصطلحات، وتكريسها بغض النظر عن معانيها الحقيقية. ولذلك، الحاجة ماسّة إلى مواجهة كل المصطلحات التي تم تشويهها وتحريف معناها، وذلك بإثبات المعنى الحقيقي لكل منها، انطلاقاً من الأصول اللغوية والسياقات الممكنة والتطورات التاريخية المعتمدة، والأهم من ذلك الإتيان بالمصطلحات البديلة الأكثر تفسيريةً وإبانة للظواهر. وهو ما دفع المسيري إلى التفصيل في الخطاب التفسيري في علاقته بالصراع مع العدو الصهيوني، وذلك من حيث مختلف أشكاله. وقد عرّج المسيري على "الخطاب النفسي"، وانتقد استعماله في التحليل والمعالجة المتعلقة بالظواهر السياسية والاجتماعية لهذا الصراع، كما تحدّث عن "الخطاب النصوصي" الذي يعتمد، في تفسيره سلوكيات اليهود والصهيونية، على ما ورد في العهد القديم والتلمود، ويرفض تفسيره في ضوء القراءة الواقعية وما تحمله من تفاصيل وجوانب مهمة، على مستوى النتائج والمخرجات، كما أجلى معنى "الخطاب الموضوعي المتلقي"، باعتباره أحد أكثر المناهج التفسيرية استعمالاً وشيوعاً، يُعتَمَد فيه على مراكمة المعلومات والحقائق وتصنيفها أو نظمها من دون اعتبار للأولوية والأهمية والقدرة التفسيرية التي تتصف بها عناصرها.
لا تخفى الاختزالية والاجتزاء في كل نوعٍ من أنواع الخطاب التفسيري المتحدث عنها آنفاً، ولذلك نجد المسيري قد أشار إلى "الخطاب التفسيري المركّب" باعتباره أكثر الخطابات التفسيرية رصانةً ونضجاً لتمكينه من إدراك الواقع أو الظاهرة كوحدة كلية لا كحقائق جزئية متناثرة.. (في الخطاب والمصطلح الصهيوني، دراسة نظرية وتطبيقية، عبد الوهاب المسيري، القاهرة، دار الشروق، 2003، طبعة 1، ص 15-17).
مفهوم الصهيونية
تطور مصطلح الصهيونية على مر العقود، ما جعل تحديد ماهيته بشكل دقيقٍ وموحدٍ أمراً عسيراً، خصوصا حينما يرتبط بغيره من المصطلحات المحدّدة والموجهة لمعناه، مثل "الصهيونية الدبلوماسية"، و"الصهيونية السياسية"، و"الصهيونية العامة"، و"الصهيونية العمالية"، و"الصهيونية المسيحية"، و"صهيونية الأغيار"، و"الصهيونية الإقليمية" و"الصهيونية التصحيحية" و"الصهيونية التوفيقية"، و"الصهيونية الدينية" و"الصهيونية العلمانية" و"الصهيونية الثقافية"... وكثير غيرها. ولكن العودة إلى التفسير الديني تعين على تلمُّس بعض الخصائص الثابتة للمعنى، والتي اتخذت مسارين: حافظ أحدهما، نوعا ما، على أصل معنى الصهيونية في التراث الديني اليهودي الذي يعود إلى جبل صهيون والقدس، فظل يؤمن بحتمية العودة إلى هذا الجبل في فلسطين على يد الرب في الوقت وبالطريقة اللذَين يحددهما. والآخر لم يجد حرجا في تحريف أصل المعنى، حسبما يتوافق والاعتبارات المادّية والسياسية القائمة لديه، فنتج عن ذلك ظهور الصهيونية الأوروبية أو المسيحية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً مختاراً، وطنُه المقدَّس في فلسطين، ولذا وجب تهجيره إليه، كما ظهرت "صهيونية غير اليهود" أو "صهيونية الأغيار" الداعية إلى توطين اليهود في فلسطين، باعتبارهم شعباً عضوياً منبوذاً، تربطه علاقةٌ عضويةٌ بها استناداً لأسباب تاريخية وسياسية بل "علمية". ثم ظهرت كذلك "الصهيونية السياسية" التي انطلق مفهومها من شعار "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، وغيرها من المصطلحات مما يتعذر إحصاؤه، فضلاً عن الخوض فيه.
الصهيونية هي الحركة التي تدعو (وتعمل على) تهجير الجماعات اليهودية إلى فلسطين، وتوطينهم فيها من خلال المنظمة الصهيونية العالمية الأم التي تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود
وبالجملة، الصهيونية هي الحركة التي تدعو (وتعمل على) تهجير الجماعات اليهودية إلى فلسطين، وتوطينهم فيها من خلال المنظمة الصهيونية العالمية الأم التي تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود، والتي لها علاقات وثيقة، وتنسيق منتظم ومحكم مع عدد من المؤسسات والجمعيات والمراكز والبنوك التي انبثقت عنها، مثل "كيرين كايميت" (إحدى أقدم مؤسسات المنظمة الصهيونية العالمية وذراعها المالي لشراء الأراضي في فلسطين)، و"كيرين هايسود" (الإدارة المالية الرئيسية للمنظمة الصيهونية العالمية، أنشئت في العام 1920)، و"جمعية الشبيبة اليهودية"، و"منظمة إعادة التأهيل والعمل" (منظمة يهودية تأسست في 1889 في روسيا القيصرية)، وكثير غيرها. والصهيوني هو كل يهودي يؤمن بفكرة التهجير والاستيطان ويدعمها من قريب أو بعيد، وهذا يحيل إلى التساؤل حول مفهوم اليهودية، ومن هو اليهودي؟
مفهوم اليهودية
عرفت "اليهودية" في الإسلام باعتبارها ديانة العبرانيين المتحدرين من إبراهيم عليه السلام، وهم الأسباط من سلالة بني إسرائيل الذين اصطفى الله تعالى لهم موسى عليه السلام نبياً هادياً بالتوراة. وقد اختُلِف في سبب تسميتها بهذا الاسم بين ما يعود إلى الأصل اللغوي، وما يعود إلى أصل النسب إلى يهوذا، أحد أبناء يعقوب، ويُعتقد أنه جرى تعميمها على الشعب من باب التغليب. واليهودي في الإسلام هو معتنق الديانة اليهودية، بغض النظر عن عرقه أو موقعه الجغرافي. ولكن بالنظر إلى اليهودية واليهودي بعيداً عن دائرة الإسلام والمسلمين، نبتعد عن التعريف الديني الشرعي لا محالة، ويرمي بنا هذا النظر إلى تعريفات متغيرة عبر التاريخ، بل وتسميات مختلفة.
لا علاقة لليهودي بالمبادئ التي تؤمن بها الصهيونية، حيث يرفض فكرة "الهجرة إلى الوطن القومي"
كانت اليهودية ذات دلالة جغرافية تاريخية ضيقة في بادئ الأمر، تشير إلى المملكة الجنوبية (يهودا)، ثم اتسعت لتشمل المملكة الشمالية (يسرائيل)، ثم تحرّرت من القيود الزمانية والمكانية والعرقية ...، ويرافق كل انتقال تعريف وتصنيف مختلف عن سابقه. وإطلالة على التراث الديني اليهودي تحيل على تعريف ديني - عرقي مزدوج، يصف اليهودي بأنه "المولود من أم يهودية أو من تهوَّد" (عبد الوهاب المسيري، في الخطاب والمصطلح الصهيوني، ص 162). وهذا يضعنا أمام إشكال الاختيار بين اليهودي الذي يتوفر فيه شرط العرقية أم الذي يتوفر فيه شرط العقيدة؟
وفي العالم الغربي، ارتبطت اليهودية لدى الرومان بالفرد الإثنوس؛ أي اليهود بغض النظر عن العقيدة التي لم يكن لها كبير الأثر على هذا التصنيف. وفي القرن الحادي عشر الميلادي، ارتبط معناها بالتجارة والانتماء للجماعة اليهودية. وما بعد القرن الحادي عشر الميلادي، ارتبط مفهومها بالربا والبخل وعبدة المال والخسّة والدناءة ...، وكان ذلك سبباً في إسقاط مصطلح "يهودي" واستبداله بمصطلحات أخرى، مثل: عبراني وإسرائيلي وموسوي، حتى أصبحت كلها مترادفة، وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي.
بعد هذه اللمحة الخاطفة بشأن جانب من تطور مصطلح اليهودية، يبدو جليا أن الفرق بينه وبين الصهيونية عميق، وأنهما مختلفان جوهرياً؛ إذ لا علاقة لليهودي بالمبادئ التي تؤمن بها الصهيونية، حيث يرفض فكرة "الهجرة إلى الوطن القومي"، على الرغم من أنها الأساس الذي تقوم عليه المنظمة الصهيونية العالمية، والسبب الرئيس وراء نشوئها وتطورها واستمرارها. وبناء عليه، ليس كل يهودي صهيونيا، وليس كل صهيوني يهوديا.
مفهوم إسرائيل
ورد من الأسماء البديلة لليهودي آنفاً، اسم "إسرائيلي"، وإسرائيل كلمة عبرية تتألف من مقطعين، "إسرا/ إيل". ورد في تفسير القرطبي أن "إسرا" تعني عبد، و"إيل" تعني الله أو الإله (الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن فرح الأنصاري شمس الدين القرطبي، السعودية، دار عالم الكتب، 2003، تحقيق هشام سمير البخاري، ج 1، ص 331). وهو اسم أطلق على يعقوب عليه السلام، واشتقّ منه ما يعرف بالإسرائيليين وبنو إسرائيل وهم سلالته المتحدرة منه نسباً وقرابة، وأصبح هذا الاسم علَماً عليهم منذ خروجهم من مصر، كما أطلق في دلالته الجغرافية على مملكة الشمال التي أقامها الأسباط من نسل يعقوب (من اليهودية إلى الصهيونية.. الفكر الديني اليهودي في خدمة المشروع السياسي الصهيوني، أسعد السحمراني، دار النفائس، بيروت، 2000، طبعة 2، ص 23).
عاشت الصهيونية – اليهودية، منذ نشأتها وعلى مر التاريخ، تخبّطاً كبيراً، وعانت من أزمة شديدة على مستوى الهوية
وعموماً، لا تنطبق تلك الجماعة التي تؤمن بالتوراة من بني إسرائيل في منظور الإسلام على اليهود الإسرائيليين اليوم، والتعريج على معناها خارج دائرة الإسلام يحيل إلى تطور معناها عبر التاريخ، حيث يشار إليها في العهد الجديد، وعند المسيحيين بصفة عامة، أنها الكنيسة المسيحية المثلى أو جماعة المؤمنين الحقيقيين بالمعنى الديني، وهم يمثلون جميع الشعوب وكل الأجناس (بنو إسرائيل التاريخ منذ عصر إبراهيم وحتى عصر موسى عليهما السلام، محمد بيومي مهران، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1999، ج 1، ص 37). وتشير في دلالتها السياسية إلى أن الإسرائيلي هو مواطن الدولة الصهيونية، والإسرائيليون هم أعضاء التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين (في الخطاب والمصطلح الصهيوني، ص 161).
عاشت الصهيونية – اليهودية، منذ نشأتها وعلى مر التاريخ، تخبّطاً كبيراً، وعانت من أزمة شديدة على مستوى الهوية، ما جعل الحسم في شأن واقع إسرائيل وتصنيفها باعتبارها دولة صهيونية أو يهودية، والتعامل معها على هذا الأساس أو ذاك، أمراً مستعصياً غير ممكن الحدوث؛ لأن أزمة الهوية الطويلة تلك تقف عائقاً أمام أي استقرار ديني، أو تحديد عرقي، أو موقف سياسي، أو موقع جغرافي معين، فالصهيونية كيان مختل مضطرب، يفتقر لمعايير الاستقرار والتوازن، ويسعى، بكل السبل، إلى الخروج من الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه، فتوجهه إلى التطبيع مع العالم العربي مبرّر، حيث يريد أن يصبح دولة عادية ومقبولة، ولا يبقى نشازا منبوذا في حالٍ من الضعف، لعدم ارتباطه مع غيره على مستوى اللغة أو الدين أو العرق. وأزمة الهوية التي يعيشها الكيان الصهيوني مزدوجة، على الصعيدين الداخلي المحلي والخارجي الإقليمي؛ ذلك لأن علاقاته الداخلية والخارجية غير مستقرة.
مفهوم التطبيع
ولنأخذ على سبيل المثال مصطلح "التطبيع"، الذي ظهر أول مرة للإشارة إلى تطبيع يهود المنفى (يهود العالم كله ما عدا فلسطين)، أي إعادة صياغتهم بحيث يصبحون شعباً مثل كل الشعوب، بعدما كانت تنظر إليهم الحركة الصهيونية شخصياتٍ طفيليةٍ شاذّة منغمسة في أعمال هامشية، مثل الربا. ولكنهم توقفوا عن نعت اليهود بهذه الأوصاف، لحاجة الدولة الصهيونية لدعم اليهود واستعمالهم لتحقيق أهدافها، ومن خلال هذا النموذج يظهر جانبٌ من الاختلال.
الوصف الحقيقي لإسرائيل أنها دولة استيطانية إحلالية، تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً يعيش في الغرب ولا ينتمي إليه، ولذلك ينبغي نقله وتوطينه في فلسطين التي يجب أن تفرغ ممن قد يتصادف وجودهم فيها من البشر
أما ما يمكن أن يدل على الاهتزاز والتنافر الخارجي بين إسرائيل وغيرها من الدول والمجتمعات، فبعض المقتطفات مما ورد لدى اليهود عن المسيحية، حيث يؤمنون أنه: "يسمح لليهودي أن يكذب ويشهد زوراً للإيقاع بالمسيحي، فاسم الرب لا يدنس ولا يحذف به، حين نكذب على المسيحيين"، وأنه "على اليهود السعي الدائم إلى غش المسيحيين"، وأن "من يفعل خيرا للمسيحيين، فلن يقوم من قبره قط". وفي المقابل تنظر المسيحية إلى اليهود باعتبارهم: "خطرا على جميع شعوب العالم، وخاصة على الشعوب المسيحية" (الصهيونية المسيحية، ص 11).
وبالعودة إلى مصطلح التطبيع من الناحية اللغوية، يراد بكلمة "طبّع"، في معجم اللغة العربية المعاصرة، جعل الأمور طبيعية. ويراد بالتطبيع (Normalization) وفق قاموس أكسفورد جعل الشيء مناسبًا للظروف وأنماط الفعل الطبيعية، وطبّع الشيء (Normalize) إذا جعله طبيعيًا، عاديًا، من خلال تكييفه مع الشروط الطبيعية. بعبارة أخرى، التطبيع هو "تغيير ظاهرة ما بحيث تتفق في بنيتها وشكلها واتجاهها مع ما يعده البعض (طبيعيا)". (في الخطاب والمصطلح الصهيوني، ص 31). وقد عاد مصطلح التطبيع أواخر السبعينيات إلى الساحة، واستعمل هذه المرّة بمعناه اللغوي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد في سبتمبر/ أيلول 1978، نصت بنود الاتفاق على التطبيع بين البلدين ودخل حيز التنفيذ بالفعل:
"The normalization of relations between Israel and Egypt went into effect in January 1980. Ambassadors were exchanged in February. The boycott laws were repealed by Egypt's parliament the same month, and some trade began to develop, albeit less than Israel had hoped for. In March 1980 regular airline flights were inaugurated. Egypt also began supplying Israel with crude oil…" (1978 in Egypt : Camp David Accords, Egyption Raid on Larnaca International Airport, published by Books LLC, Memphis, Tennessee USA in 2010, P 6).
وتم تطبيق المفهوم على العلاقات الإسرائيلية - المصرية؛ إذ طالبت الدولة الصهيونية بتطبيع العلاقات بين البلدين، أي جعلها علاقات طبيعية عادية، مثل التي تنشأ بين أي بلدين، وقد قاوم الشعب المصري هذا التطبيع.
الوصف الحقيقي لإسرائيل أنها دولة استيطانية إحلالية، تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً يعيش في الغرب ولا ينتمي إليه، ولذلك ينبغي نقله وتوطينه في أرض أجداده في فلسطين التي يجب أن تفرغ ممن قد يتصادف وجودهم فيها من البشر. ولا يخفى أن بنية كهذه هي شاذّة ومختلة وغير طبيعية، بسبب طردها الشعب الفلسطيني أو إبادته، بغرض نقل اليهود من أوطانهم وتوطينهم في الأرض التي اختاروها أن تكون بلدهم القومي!
من هذا المنطلق، وبهذه الدوافع، جاءت فكرة العمل على التطبيع مع دول العالم العربي التي تتوفر على مقومات السيادة ومعاييرها التي تمنح هذه الدول الشرعية، كما تتوفر على شروط الاتّزان التي تجعلها طبيعية وعادية. إلا أن الأمر الجلل ليس هو تخطيط إسرائيل للتطبيع وحسب، بل إطلاقها صنوفا وأشكالا متعددة من التطبيع، يلتبس ويستغلِق أغلبها على الناس، منها: التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والسياحي والمعرفي الفكري.
أي انفتاحٍ على التطبيع يعدُّ بمثابة انسلاخ عن الدين والهوية
ومن هنا جاءت الدعوة إلى عدم الاكتفاء والتركيز على توجيه الحكام وتحذيرهم من مغبة الوقوع في التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، بل ينبغي التركيز كذلك على الأحزاب السياسية، والجمعيات والمنظمات الحقوقية، والنخب المثقفة التي غُزيت عقولها وتأثرت بما تروّجه الصهيونية من مغالطات، وانخدعت بما تلاعبت به وطمست معانيه الحقيقية من مصطلحات.
الموقف الإسلامي من التطبيع الصهيوني - العربي، ومن قبول إقامة اتفاقاتٍ ثنائية، تحت مسمّى إحلال السلام وغيرها من العبارات الجذّابة اللامعة، هو صريحٌ بالرفض والاستنكار والإعراض، وأي انفتاحٍ على هذا التطبيع يعدُّ بمثابة انسلاخ عن الدين والهوية، وإعلانٍ لخيانة الله ورسوله والمسلمين كافة، وهو الموقف الذي أعلنه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيانه المشترك الموقع من مائتي عضو من علماء الأمة العربية والإسلامية.