مقطع في النزاع اليمني
أعلنت المقاومة الوطنية في الساحل الغربي من اليمن (ساحل تهامة)، بقيادة العميد طارق محمد عبد الله صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح)، عن قيام مكتب سياسي للمقاومة الوطنية، في مقر قيادتها العسكرية في مدينة (ميناء) المخاء المشاطئة للبحر الأحمر. وفي خطابه في حفل إشهارٍ متواضع الحضور، أقيم أول من أمس الخميس (25 مارس/ آذار)، أكَّد العميد طارق، بوصفه رئيسًا للمكتب السياسي، وقائدًا لقوات المقاومة الوطنية، أن هذه الخطوة لا تتعارض مع الشرعية الدستورية، ولا الدستور اليمني، وأن المكتب السياسي ليس بديلًا لأي مكوِّن سياسي، أو للشرعية اليمنية ذاتها، بل هي عامل مساعد للجميع، على طريق استعادة الدولة، ودحر المشروع الكهنوتي (الحوثي) المدعوم من إيران.
تفسيرات مختلفة، ساقها بعضهم، إزاء هذه الخطوة، لكنها لا تُحلِّق بعيدًا عن غايتها النهائية، وهي استباق الأمور للحصول على مكسب سياسي ضمن خريطة المُحاصصة السياسية التي قد تسفر عنها أي عملية سلام، سيَّما أن خطاب طارق صالح تضمَّن الإشارة إلى المبادرة السعودية الجديدة بشأن السلام في اليمن، وأنَّ لمن وصَفهم بالنازحين (أشار إلى نفسه ومن معه) الحق في اختيار من يحكمهم ديمقراطيًا، عبر صناديق الاقتراع؛ في إشارة إلى رفض أيديولوجية الحكم الحوثية القائمة على نظرية الولاية والانتساب العَلَوي الفاطمي، لكنّ المعنى الأوسع لقوله يشمل الاستئثار السلطوي القائم في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، من أشخاص وقوى سياسية بعينها، وفي مقدمتها الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحزب التجمع اليمني للإصلاح؛ وفقًا لما يثيره الإعلام الموالي لطارق صالح وقواته.
تتحمل السلطة الشرعية المسؤولية عن تفريخ القوى العسكرية نظرًا إلى سياسة التهميش التي تُمارَس تجاه مناطق وقوى أشخاص تحت مظلة شرعيتها
مهما تكن خطوة طارق صالح، مدفوعة أو غير مدفوعة، من الإمارات، بوصفها المؤسس والداعم لقواته، فإن السلطة الشرعية، خصوصًا الرئيس عبد ربه منصور هادي، تتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذا التفريخ؛ نظرًا إلى سياسة التهميش التي تُمارَس تجاه بعض المناطق والقوى الأشخاص الواقعين تحت مظلة شرعيته، وتسبُّبها في وجود المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي مدعوم إماراتيًا)، والائتلاف الوطني الجنوبي (متطلِّع إلى خلافة الرئيس هادي)، علاوة على ما تبديه الشرعية من عجز مستمر عن حمل المسؤولية الوطنية في ظرف تاريخي يموج بالصراعات، وتصاعد الهويات المهدّدة لوحدة اليمن، وعقيدته الدينية، وانتمائه العربي.
كانت حسابات التهميش الموجّهة نحو قوات طارق صالح تعتقد أن اتفاقيات استوكهولم عام 2018، المبرمة بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي ستجمِّد هذه القوات إلى أجل غير مسمَّى. وفي كل الأحوال، استفاد خصومه وأنصاره، على السواء، من ذلك كثيرًا؛ فتمثلت استفادة الحوثي بتحييد هذه القوات، وتمكُّنه من التفرغ لجبهات أخرى هامة، مثل مأرب، فيما تمثلت استفادة أطرافٍ في الحكومة الشرعية، بل وقيادة السلطة الشرعية، في وضع طارق صالح وقواته في دائرة التعريض والقدح؛ إذ بات أمام الجميع، بمن في ذلك الحوثي، حارسًا ماجورًا لمصالح القوى الخارجية، في منطقةٍ بحريةٍ شديدة المخاطر على هذه المصالح، مع ما مثَّله ذلك من فائدة، غير مباشرة، للإمارات التي صعد على أكتافها طارق صالح وقواته. وهو الذي لم يُكتب لمحاولاته الخروج من هذه الدائرة، وكان جديدها إرساله قافلة إغاثية إلى مأرب التي تتعرض، منذ منتصف الشهر الماضي (فبراير/ شباط) لأشد وأخطر هجمة حوثية. وفي سياق ذلك، طلب الموافقة على إرسال عددٍ من وحداته العسكرية، للمشاركة في الدفاع عن مأرب، إلا أن وزير الدفاع، الفريق محمد المقدشي، قال إنه سيعرض الطلب على رئيس الجمهورية، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومع ذلك لم يتلق القبول أو الرفض، وإن كان الرفض قد بدا ضمنيًا، من خلال استدعاء وحدات أخرى، بعينها، من القوات المشتركة في الساحل الغربي التي تضم في هيكلها قوات المقاومة الوطنية، وهذا، كما يبدو، دافع آخر للإعلان عن المكتب السياسي لهذه المقاومة. وهو إعلان سيمكِّن كل من ينخرط فيه من التواصل مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة اليمنية، وحمْلها على الاستماع والاستجابة لمطالبه، بوصفه كيانًا سياسيًا صاعدًا، يستند إلى قوة عسكرية منظمة أكثر من غيرها، وضامنة مصالح هذه الأطراف، وبين هؤلاء المنخرطين رئيس المكتب السياسي، طارق صالح، الذي أخفق، ثلاث سنوات، في تحرير مجموعة من أبنائه، وإخوته، وأقاربه، من قبضة الحوثي؛ بسبب تعنُّت الحوثي نفسه، والكيد الذي يواجهه طارق صالح من خصومه في السلطة الشرعية، عند كل نقاش لمسألة أسرى الحرب.
عطفًا على ما سبق، هل يمكن للمكتب السياسي تحطيم عائق استوكهولم (الاتفاقية) للوصول إلى مدينة (ميناء) الحُديدة، خيار ضرورة تمليه المواقف المستقبلية الناشئة، سيّما أن قوات المقاومة الوطنية لا تخضع لقيادة وزارة الدفاع، ولا يعترف قائدها، صراحة، بشرعية الرئيس هادي؟ لا يبدو الأمر كذلك، ما لم تكن كل وحدات القوات المشتركة مع هذا الخيار، وحصول تحول في الموقف السياسي للحكومة؛ فالإقدام، عسكريًا، مغامرة غير مأمونة النتائج، ما لم تكن حاسمة، وسريعة، وضامنة أي استجابات داخلية وخارجية.