منظومات صواريخ إيرانية تغطي سماء دمشق
لم يكن سحب موسكو منظومة الدفاع الجوي إس - 300 من الجغرافية السورية يعني سحب التغطية عن نظام دمشق فقط، بل سحب الغطاء العسكري عن كامل الوجود الإيراني في سورية، بخاصة بعد افتضاح عجز الدفاعات الجوية لنظام الأسد "المتهالكة" عن وقف الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية المتزايدة في الأشهر الأخيرة، وعندما تتصدّى إيران منفردة لتغطية الانسحاب الروسي الجزئي من سورية لمصلحة الحرب الروسية الأوكرانية، فهذا يتطلب من طهران مزيداً من القوات، ومزيداً من العتاد، ومزيداً من منظومات صاروخية تستطيع تأمين الوجود الإيراني في سورية الذي أصبح هدفاً استراتيجياً للقيادات العسكرية المتعاقبة في تل أبيب. وأمام هذا الواقع، كان حتمياً أن يُتّخذ قرار في قيادات الحرس الثوري الإيراني بنقل منظومات دفاع جوي إلى سورية تستطيع حماية قواعد انتشار البنية التحتية العسكرية ومواقعه التي أصبحت تخضع لقيادة الحرس الثوري الإيراني، ومنها خطوط إنتاج الصواريخ، وورش إطلاق وتشغيل الطيران المسير، إضافة إلى مستودعات ومقرّات قيادة وكلّ عقد الاتصال.
تترافق المستجدات العسكرية الإيرانية مع تولي قيادة سياسية وعسكرية جديدة في إسرائيل، إذ يترأس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يوآف غالانت، وهو جنرال سابق ومن أشد الحلفاء والمقرّبين من نتنياهو، إضافة لرئيس الأركان هارتسي هاليفي الذي وصفه زملاؤه بالمنفلت أو المتهور. وبالتالي، أصبح لإسرائيل قيادة متكاملة ستوافق على الطموحات الزائدة لدى رئيس الوزراء، والتي تؤمن بأن لغة القوة فقط هي اللغة التي تفهمها إيران، ويمكن أن تشكّل عامل ردع لتحركاتها التي تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي أو تمسّه.
أصبح لإسرائيل قيادة متكاملة ستوافق على الطموحات الزائدة لدى رئيس الوزراء، والتي تؤمن بأن لغة القوة فقط هي اللغة التي تفهمها إيران
لكنّ إيران تدرك تماماً أنّ مشكلتها مع الهجمات الجوية الإسرائيلية ليست مشكلة وجود وسائط دفاع جوي في سورية، ولأكثر من سبب، أولها أن وسائط الحرب الإلكترونية الإسرائيلية التي شلّت منظومات صواريخ إس - 300 و400 لقاعدة حميميم، وحجّمت عمل مقرّات القيادة الروسية، ومنظومات اتصالها، وراداراتها لن تعجز عن التعامل مع منظومات إيرانية أقلّ كفاءة من منظومات الروس. والسبب الثاني والأهم أيضاً أن مليشيات إيران في سورية، وبأكثر من تقرير رفعته إلى قياداتها في طهران، اشتكت فيه من خرق استخباراتي كبير، وأن هناك مصادر رفيعة المستوى تسرّب أخبارا عسكرية غاية في الخطورة للموساد الإسرائيلي. وقالت قيادات إيرانية في أحد تقاريرها إنها تبني أهدافاً خداعية وتمويهية وأهدافاً كاذبة في سورية، لكن الضربات الإسرائيلية لا تستهدف إلا الأهداف الحقيقية، ما يؤكّد أن هناك من يقدّم تلك المعلومات، ومن الدوائر القيادية الضيقة للدول الحليفة، وتقصد روسيا وسورية، إضافة إلى حقيقة باتت تعلمها طهران، أن حجم خرق الموساد الإسرائيلي والاستخبارات الغربية في صفوف قواتها ومسؤوليها وصل إلى حد تجنيد نائب وزير الدفاع الإيراني لصالح الاستخبارات البريطانية، وتجنيد أكثر من مسؤول في حزب الله ليكون مصدر معلومات موثقة ومهمة ينقلها إلى إسرائيل، تتضمّن معلومات عن إمكانات أسلحة حزب الله وإيران وقدراتها وتوزع مستودعاتها في سورية ولبنان، وممن جرى كشفهم من شبكات لبنانية العميل محمد شوربا، الذي كان يشغل موقع رئيس فرع في جهاز العمليات الخارجية التابع لحزب الله، وكان عاملاً مهماً في عملية اغتيال القيادي الميداني في حزب الله، عماد مغنية، في دمشق. إضافة إلى العميل "حسين ح" المقرّب من الدائرة الضيقة في قيادة حزب الله. وأخيراً، كشف حزب الله أنّه ألقى القبض على عميل إسرائيلي في صفوفه، وهو مسؤول في وحدة العمليات الخارجية (910) التابعة للحزب، وشبكات كثيرة جرى تجنيدها لصالح الموساد، وإن كانت إيران لا تعلمها، لكنها تشعر بمدى الاختراق في صفوفها نتيجة الضربات الدقيقة التي تتعرّض لها قواتها.
أكدت معلومات نقلتها مصادر أنّ إيران بصدد نقل منظومات دفاع جوي من طراز "باور 373" التي تملك صواريخ من نوع "صياد - 4" التي تمنحها أمدية جوية تصل إلى 300 كم ضد الطائرات المهاجمة، وحتى مواجهة طائرات الجيل الخامس، وفق تصريحات لـقائد قوة الدفاع الجوي في الجيش الإيراني، العميد علي رضا صباحي فرد، الذي أكد فيها العمل على زيادة مدى الاستخدام قريباً إلى 400 كم، أنّ "هناك 3500 قاعدة للدفاع الجوي تواصل مهامها في إيران" وسيتم نقل قسم منها إلى سورية لتنتشر في ثلاثة مواقع على الأقل جنوب دمشق وجنوب غربها، وقرب مطار دمشق الدولي. ويعكس التركيز على نصب قواعد الدفاع الجوي الإيرانية التي ستنقل إلى تلك المواقع تماماً نقاط ثقل الانتشار العسكري الإيراني في سورية، فمطار دمشق يأتي في مقدمة المواقع التي سيطرت عليها إيران، بخاصة بعد بناء مقرّ القيادة المشترك الذي أطلقت عليه اسم "المقر الزجاجي". ومن ثم سيطرتها على مقرّات قيادة الفيلق الأول والفرقتين، الأولى والسابعة، ومستودعاتها في منطقة الكسوة. يضاف إلى تلك المواقع مقر قيادة "الشيباني" الواقع على أوتوستراد دمشق - بيروت، وكلّ العقارات التي وضعت إيران اليد عليها في محيط بلدة السيدة زينب (بات يطلق عليها اسم الضاحية الجنوبية لدمشق على غرار الضاحية الجنوبية في بيروت)، والتي حوّلتها إيران إلى مستودعات، ومراكز تخزين وتجميع للأسلحة والأعتدة القادمة من طهران إلى مطار دمشق، ثم يتم استكمال نقلها إلى مواقع أخرى.
حمل 2022 معه 34 هجوماً جوياً إسرائيلياً، طاول معظمها مواقع لإيران وحزب الله، ودمّر منظومات دفاع جوي سورية
حمل عام 2022 معه 34 هجوماً جوياً إسرائيلياً، طاول معظمها مواقع لإيران وحزب الله، ودمّرت منظومات دفاع جوي سورية، حاولت التصدّي للهجمات، وبعد الاتفاق المعلن أخيراً بين وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، غانتس، وقائد القيادة المركزية الأميركية بالشرق الأوسط على تغيير استراتيجية التعامل مع إيران من سياسة جزّ العشب أو ضرب فائض القوة إلى سياسة ضرب جذور التموضع الإيراني في سورية، عاد قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل إريك كوريلا، ليؤكّد تلك الاستراتيجية الجديدة بقوله: "إيران تظلّ العنصر الأساسي لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. نحن ملتزمون بالتصدّي لسلوك إيران الخبيث، ويؤيده بذلك وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، الذي تفاخر رسمياً بتأسيس "تحالف للدفاع الجوي المشترك في الشرق الأوسط" لمواجهة ما تصفها تل أبيب وحلفاؤها بالتهديدات الإيرانية، لتصل التصريحات إلى نتنياهو المتعطش لقصف مفاعلات إيران وقصّ جذور انتشارها في سورية بقوله: الصراع الرئيسي "كان ولا يزال مع إيران" وهي مسؤولة عن 90% من مشكلات الشرق الأوسط.
يصطدم كلّ ما سبق مع إصرار إيران على نقل عتادها وجنودها ومنظوماتها إلى سورية، لجعلها خط الدفاع الأول عن طهران، وجعل سورية ساحة صراع مع إسرائيل، ومع قيادة عسكرية إسرائيلية جديدة تتفق بأبجدياتها على أنّ المواجهة مع إيران حتمية، ولا مجال للتراخي أو التراجع فيها، تكون المنطقة أمام حالة تصعيد عسكري، وانتظار لانفجار قادم قد تكتوي منه كامل دول المنطقة، وليس أطراف الحرب فقط، وسيدفع الشعب السوري المزيد من فواتير الدم، نتيجة تغلغل مليشيات إيران وحزب الله، وكلّ من يعمل بالأجندة الإيرانية في معظم القواعد الجوية والبرّية والثكنات، وحتى مربعات الجمارك ونقاط الهجانة وحرس الحدود السورية التي أصبحت معظمها نقاطاً تشاركية بين جيش الأسد والحرس الثوري الإيراني وحزب الله.