04 نوفمبر 2024
من أجل تيسير النجار
يكتمل غداً (13 ديسمبر) عامٌ على احتجاز جهةٍ أمنيةٍ إماراتيةٍ الصحافي الأردني الزميل، تيسير النجار، في مطار أبوظبي، بينما كان يهمّ بالسفر إلى عمّان. ومع تكتّم الأجهزة المعنيّة في دولة الإمارات بشأنه في مكان احتجازه، شاع أنه تم التحقيق معه (في ماذا؟)، عشرة شهور. وكتب، قبل أيام، مدوّنٌ عُمانيٌّ كان محتجزاً في الإمارات، وأُفرج عنه أخيراً، إن تيسير النجار مودعٌ في العنبر 9 في سجن الوثبة (40 كيلومتراً جنوب شرق أبوظبي)، وإنه "سجين شكوى كيْدية"، وليس في قضيةٍ أمنيةٍ أو سياسيةٍ، وإنه يؤكّد أنه أبداً ليس عدواً للإمارات. وعندما تعتصم سلطات أبوظبي بالصمت بشأن مسألة الزميل، طوال عام، ولا تستجيب لمناشداتٍ ومطالباتٍ غير قليلة بأن توضح وضع هذا المواطن الأردني، ولا تقدّمه إلى محاكمةٍ، فذلك يبرّر الاستهجان الحادث، والذي يتّسع في الأردن، في أوساط المشتغلين بالإعلام والصحافة، بشأن هذا السلوك، بعد احتجاز تيسير النجار بالكيفيّة التي تمّ بها، ومن دون إبلاغ أي جهةٍ تخصّه، ومن دون صدور أي أوامر من جهاتٍ قضائيةٍ، ومن دون توفر إشرافٍ قضائي على مسار التحقيق والتوقيف، ما يجعل هذا الاحتجاز يوصف، بحسب الحقوقيين، "اختفاءً قسرياً"، الأمر الذي لا نستحسن أن تُرمى بممارسته دولة الإمارات التي يعرفها عموم العرب دولة عدالةٍ وتسامح، ودولة محبّةٍ وسعادة.
ليس المقام هنا إعطاء دروسٍ للمسؤولين في دولة الإمارات التي نحبّ، بل هو التأكيد على حقها في تطبيق القوانين المعمول فيها مع المقيمين في أراضيها، إذا ما ارتكب أيٌّ منهم ما يُخالف هذه القوانين. المقام هو أيضاً التمنّي على أهل القرار أن يُبادروا إلى طيّ هذا الملف المقلق، بحق زميلٍ، لم تبلغنا دولة الإمارات نفسها، طوال عام، بما ارتكب، ولم تتم محاكمتُه على شيء. الأمر الذي يسوّغ شيوع القول إن حكومة أبوظبي تستغلّ عدم قدرة الحكومة الأردنية في التأثير عليها بشأن هذا المواطن الأردني، فلا تولي السلطات الإماراتية المختصّة الأمر الأولوية الواجبة، ما كان سيصير مختلفاً لو كان تيسير النجار يحوز جنسيةً أميركية أو أوروبية. وفي الوسع أن يُقال، بالتوازي مع هذه الصراحة التي يُؤمل ألا تُغضب أحداً، إن النجار، بالنسبة للحكومة الأردنية، محتجزٌ في الإمارات، وليس في لبنان أو السودان أو تونس (أمثلةً)، وهو إلى هذا الأمر ليس من أبناء الذوات والعائلات ذات النفوذ والوجاهة في بلاده.
نبقّ البحصة هنا، ما أمكن وإلى حدٍّ ما، صدوراً عن أملٍ باقٍ لدينا بأن يكون كافياً مضيُّ عامٍ على احتجاز مواطن عربي في بلد عربي يقيم فيه، من دون إشهار تهمةٍ له، ومن دون محاكمته، ومع اليقين أنه لم يرتكب، لا سمح الله، ما يهدّد أمناً أو يروّع أحداً. وتتضاعف أسباب التضامن، هنا، مع الزميل (والصديق) تيسير النجار، لأنه من عائلتنا، نحن الكتاب والصحافيين، ومن عائلتنا، نحن المسكونين بالإعجاب بدولة الإمارات وبالتقدّم الظاهر فيها، وبشمائل مسؤوليها وشعبها الكريمة والسمحة. ولا تنكتب هذه السطور، في هذا المنبر العربي، لإشهار العتب على الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب، والهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، ومجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، وقبلهم وبعدهم الحكومة الأردنية نفسها، لأن تحرّكاتهم من أجل الإفراج عن تيسير النجار كانت باردةً وفي مستوىً أقلّ من المطلوب، وإنما تنكتب، عساها تُساهم في إنقاذ زميلنا، فيعود إلى أسرته التي تغالبُ محنةً قاسيةً، وكذلك من أجل أن تدرك سلطات الإمارات أننا لا نحبّ أن تخصم هذه القضية أيّ مقدارٍ من الرصيد الطيب الذي راكمته أبوظبي ودبي، وسائر شقيقاتهما في دولة الإمارات المتحدة، من سمعةٍ طيبة بين عموم العرب.
لم تترك أسرة الزميل تيسير النجار وزوجته وأصدقاؤه سبيلاً من أجل إنقاذه إلا وسلكوه، وإذ صارت قضيته، أخيراً، موضوع أسئلة نوابٍ في البرلمان الأردني للحكومة، فإن المشتهى أن نرى تيسير بين أطفاله قريباً، وهو الذي يفيض إعجاباً بالإمارات، كما كتب ذلك غير مرّةٍ، والمأمول أن تُقرأ السطور السابقة بعينٍ ترى كاتبها حريصاً على حقوق مواطن عربي محتجز منذ اثني عشر شهراً، بسبب جريمةٍ لم يقترفها، وحريصاً، في الوقت نفسه، على أمن الإمارات وأمان أهلها.