من ألمانيا... هنا نهذي
أصيب العالم بالدهشة عندما تابع أخبار "محاولة الانقلاب" في ألمانيا، لأن المفترض أن الانقلابات مقتصرة على دول العالم الثالث. ولكن أداء الإعلام الألماني خلال الأشهر الماضية، وما نشره عن بطولة كأس العالم قطر 2022، أثار شكوكا كثيرة بشأن مصداقيته، حتى أنه لم يختلف، في أحيان كثيرة، عن وسائل الإعلام في دول العالم الثالث فعلا، فبغض النظر عن الانتقادات والهجوم المعتاد على دولة قطر، وتجاهل تغطية أحداث بارزة في المونديال، نشر موقع قناة دويتشه فيله الألمانية أن المنظمين يرشّون الطلاء على أرضية الملاعب لتغطية الشوائب فيها! والأنكى أن "التقرير" الذي نشره الموقع استند إلى صحيفة ديلي ميل البريطانية، منعدمة المصداقية، والمعروفة بأخبارها الكاذبة والفضائحية. كما زعم التقرير أن لاعبين مشاركين في المونديال اشتكوا من الأمر، من دون أن تذكر اسم واحد من هؤلاء اللاعبين المزعومين، كما لم تنشر أي ردود من اللجنة المنظمة أو أي طرف آخر، والنتيجة كانت مادة لا يتوفر فيها الحد الأدنى من المعايير الصحافية المهنية.
أما قناة "فيلت" فتقمّصت دور وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري في ترويج نظريات المؤامرة والخرافات والدجل والشعوذة، عندما شبهت لاعبين من المنتخب المغربي لكرة القدم بمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فقط لأنهم التقطوا صورا وهم يرفعون إصبع السبابة، واصفة تلك الإشارة بأنها "مثيرة للغضب والاستفزاز". وهو ما يذكّر بشدة بأداء قناة فضائية تابعة للنظام السوري، اتهمت النجم الأرجنتيني (وبطل العالم)، ليونيل ميسّي، بأنه جزء من مؤامرة لتهريب السلاح إلى المعارضة السورية المسلحة، وأن ميسّي متورّط في مخطط مع لاعبي فريق برشلونة الإسباني، يتضمّن تمرير الكرة (التي تمثل شحنة السلاح المفترضة) من لبنان إلى سورية، في رسالة مشفرة موجهة إلى مسلحي المعارضة.
رفع علم فلسطين استفزّ الإعلام الألماني، رغم أن لا علاقة لهذا الأمر بهم من قريب أو من بعيد
تذكّرنا هذه التغطية البلهاء بتقرير "فضيحة" نشره موقع بي بي سي عربي، زعم أن قطر تدفع أموالا لإحضار مشجعين "مزيفين" لملء المدرّجات، وهو ما يتشابه مع مادّة نشرتها الفضائية نفسها التابعة للنظام السوري، زعمت فيها أن مخرجين سينمائيين فرنسيين وأميركيين أنشأوا "نماذج لساحات بمدن سورية" لتمكين قناة الجزيرة من تصوير احتجاجات مزيفة مناهضة للنظام.
أمر آخر استفزّ الإعلام الألماني، هو رفع علم فلسطين، رغم أن لا علاقة لهذا الأمر بهم من قريب أو من بعيد، فقد نشرت صحيفة مقالًا اعتبر أن التضامن مع فلسطين ورفع علمها في المونديال "أمر مزعج"، وأنه "معاداة للسامية".
وأخيرا، وصل الهذيان الألماني إلى ذروته مع لقطة ارتداء ميسّي البشت العربي قبل رفعه كأس العالم، فقد رأى المشاهدون النجم الأرجنتيني ضاحكا ومسرورا في تلك الأثناء، لكن وسائل إعلام ألمانية، وأخرى غربية، دخلتا في نوبة من الإنكار، زاعمة أن ميسّي "لم يكن سعيدا" بهذه اللفتة، عكس ما أظهرته الكاميرات أمام العالم أجمع، وكأنهم دخلوا في عقل ميسّي وقلبه، وتأكدوا من حقيقة مشاعره.
هذه مجرّد بعض الأمثلة للمساخر التي حفل بها الإعلام الألماني، والتي كانت تتكرّر يوميا، وهو أداء يذكرنا بمستوى تصريح المدير الفني لمنتخب الماكينات، عندما قال إنه لن يحتفل في قطر إذا فاز بكأس العالم، فإذا به يخرج من الدور الأول.