من صبري نخنوخ إلى عنتيل المحلة
لم أكن أحلم، في يوم من الأيام السوداء، سواد قرن الخرّوب، أن أرى "عنتيل المحلة" يرفع علم مصر بجوار نصبها التذكاري وقبر الجندي المجهول على مرأى من العالم، فماذا يقول سعد الشاذلي وأحمد إسماعيل وكل هؤلاء الآن؟
صحيحٌ أن في الأيام السوداء أيضا يحضر البلطجي نخنوخ سرادقات العزاء بكامل "العدّة والصحبة" لاستعراض القوة (سرادق وفاة شعبان عبد الرحيم)، وصحيحٌ أن الكنيسة الأرثوذكسية باركت زواجه من لبنانية، وقد ارتدى كامل الزي الكهنوتي من البرتقالي إلى الأحمر للفوشيه، وصحيحٌ أنه بدأ العمل، ولكن في هدوء وفي أضيق الحدود، وصحيحٌ أنه أخذ عفوا رئاسيا ممهورا بتوقيع عبد الفتاح السيسي، نظرا لظروفه الصحية، وبعدها تزوّج من حسناء لبنانية، وأذيع القداس أيضا، إلا أن حكاية وقوف عنتيل المحلة رافعا علم مصر بجوار المنصّة جعلتني أقاوم الضحك كمدا، وأتذكّر توفيق عكاشة ومؤتمراته بجوار المنصة، والوجوه نفسها تقريبا تتكرّر مع فواصل الرقص الذكوري هذه المرّة من أرزقية، و"البِشَل" واضحة على أرواحهم وضوح الشمس، ولعلّها فكرة من بنات أفكاره، أقصد عكاشة.
نحن أمام لحظاتٍ منحطّة من تاريخ سوف يدرس انحطاطه في ما بعد في الجامعات، بقصد رصد الفواصل الكوميدية الفاضحة في تاريخ الأنظمة التي تستعين بأي شيءٍ في تثبيت أركانها، حتى وإن كان هو اللاعب ميسي أو نخنوخ أو عنتيل المحلة أو أحمد موسى أو محمد موسى أو أماني الخيّاط .. إلخ.
واضحٌ أننا أمام فاصل كوميدي لا نعرف له نهاية، هل ضاقت الأرض على النظام، فلم يجد سوى "عنتيل المحلة"، وأمامه سماح أنور مثلا، فلماذا نسيها هي ولميس جابر، وتستطيع لميس أن تأتي أيضا وتتكلم، احتراما للعشرة ملايين جنيه من مسلسل رمضان لبعلها، تتكلم في أي حاجة، في تاريخ مصر والقناطر الخيرية التي كان يريد أن يفجّرها سيد قطب. يستطيع النظام أن يأتي بيسرا وليلى علوي أيضا، لو أراد، حتى وإن كانتا في نزلة برد، أو في شرم الشيخ. ويستطيع النظام أيضا أن يرسل مصفحة لسمير صبري، ويكون عن يمينه في المصفحة مفيد فوزي، وعلى يساره علي جمعة في شاله الأخضر وبردته الخضراء وعصاه الخضراء وبلغته الخضراء، ويقول: "اضرب في المليان"، ومفيد يعدد شامات الحُسن في جبين الرئيس السيسي وهالته وصدرته. ولا مانع من تأصيل الشامات وحسنها وبركتها بحديثٍ صحيح، وله سند قوي من فم الشيخ مظهر شاهين، ويعينه أي قِس صديق بأشياء مشابهة من المزامير.
يستطيع النظام أيضا أن يكون فرقة رضا جديدة في يومين، وفرقة متقال جديدة، وحتى "فور إم جديدة"، ويجعلهم جميعا بجوار المنصّة يهتفون للرئيس وجماله وإنجازاته، وحب المائة مليون له، وعشق طلّته عشقا لا يوصف ولم يوصف في أي كتابٍ من كتب العشق والوَلَه، وذلك كله بمناسبة نصر 6 أكتوبر في يوم 2 أكتوبر، أو حتى 2 أغسطس، أو حتى 2 إبريل، لا تفرق كثيرا، طالما المحبة جمّاعة للناس.
كان يمكن للنظام أن يعلن عن محبة المائة مليون للرئيس في سفح الهرم، وتحضره وتغني فيه فيروز أيضا مع حسين الجسمي وحكيم وإيهاب توفيق، وتخرج الحفل ساندرا نشأت، حسبة لله والوطن والفن، وليس لأي شيء آخر.
كان يمكن للنظام أن يفعل أشياء مهولة في الاحتفال، كأن يشقّ حاو من السبتية مصارينه بالخنصر، ويخرج قلبه على سن الخنصر، فيرى الناس صورة الرئيس السيسي بكل وضوح، وتنزل دمعة رقراقة من عين المخرجة ساندرا نشأت، وهي خلف الكاميرا، تقرّب صورة الرئيس لأعين المشاهدين من داخل قلب الحاوي، ولا تجد، هي الأخرى، من شدّة التأثر، أي مجال سوى البكاء تاركة الكاميرا لباقي المساعدين.
كان يمكن للنظام أن يقيم احتفالا اسطوريا حتى في التفريعة الجديدة، والأتوبيسات والوجبات يقوم بها رجال الأعمال والأثرياء. وتأتي عفاف شعيب بالكباب والرِّيَش، وتأتي سهير البابلي بشراب قديم من شرابات حسني مبارك، وتقبّله في الحفل حزنا على الإنجارات التي أهدرتها ثورة يناير. أما أن يتحكّم الغباء في عقول المتحكّمين في الاحتفالية، فيأتي "عنتيل المحلة" أو "يحضر رسميا إلى الحفل"، ويحمل علما بجوار قبر الجندي المجهول، فتلك إهانةٌ للشعب كله، إن لم تكن مقصودة، وهذا ما أتمناه، سوف تُضاف إلى أطنان الغباء التي سبقتها.