04 نوفمبر 2024
ميريل ستريب تهزم ترامب
إذا كان دونالد ترامب لا يستطيع تقديم شريحة ستيك تُؤكل، كيف سيقدر على أن يحكم أميركا؟.
السؤال وجيهٌ جداً. كتبته الصحافية تينا نغوين في "فانيتي فير"، المجلة التي تعمل فيها، بعد أن أكلت، أخيراً، شريحة لحم ستيك رديئة في مطعم ترامب في برج ترامب في نيويورك. وأن تقرأ شيئاً كهذا عن رئيس أميركا المرتقب، فذلك يعزّز سؤالاً آخر، وجيهاً أيضاً: هل صودف خبرٌ جيدٌ يتعلق بهذا الشخص، منذ ترشّح في انتخابات الرئاسة، أو أقلّه منذ ظفر فيها قبل شهرين، وها نحن نطالع المثير عن "تدخل" روسي إلكتروني واستخباري ساعد في نجاحه فيها على منافسته هيلاري كلينتون. أليس من شيءٍ طيب الذّكر عن هذا الرئيس؟ ثمّة نذرٌ سيئةٌ يجهر بها أميركيون عديدون، نجومٌ فنانون وساسة ومثقفون يحذّرون من تبعات أدائه السيئ المتوقع، من عنصريّته ويمينيّته الشعبوية مثلاً. والأرجح أن هذا السوء سيخصّنا، نحن العرب، منه الكثير، وسيتوازى مع هزلٍ وركاكةٍ وفيريْن، ومقادير باهظة من الكاريكاتورية، ربما مع شيء يماثل قذّافية رئيس الجماهيرية القتيل. أما إذا تابع دونالد ترامب مواظبته على التغريد في "تويتر"، معلقاً على كل هجاءٍ له، أو يصدّ كلّ منقصةٍ تشيعُ ضده، فإن أرطالاً من أسباب التسلية سيضيّع فيها ترامب بعض وقتنا ونحن نتابع تغريداته، وهو الذي لا يحفل بمهابة موقعه رئيس أقوى دولة في العالم، عندما يردّ على تلك الصحافية، فيعيّرها، بعد نشر قصة شريحة الستيك السيئة، بتدنّي توزيع مجلتها، غير أنه، في قلة عقله هذه، أفاد مجلة النجوم والمشاهير، من حيث لا يتوقّع، فقد تضاعف توزيعها، وزاد زوّار موقعها.
ظنّ رئيس أميركا أنه تمكّن من النجمة، ميريل ستريب، عندما قصد التبخيس منها، في تغريدته عنها إنها ممثلةٌ مبالغٌ في تقديرها، ردّا منه على الدرس الثمين القيمة الذي بادرت إليه في حفل توزيع جوائز "الكرة الذهبية"، لحظة تكريمها على أعمالها. قالت الكثير المهم، والأهم أنها ازدرت رئيس بلدها المقبل، بإهمال اسمه، بينما لم تتحدّث عن أحدٍ غيره. نسينا سخرية دونالد ترامب التافهة، في أثناء الحملة الانتخابية، من صحافي في "نيويورك تايمز"، ذي إعاقة جسدية، كان يعارضه. قلّد حركات ذراعي الصحافي بتشنجٍّ مفتعل، وتكلم بنبرة صوته، بشكل هازئ. مرّت جريرة ترامب تلك في حينه، علّقت عليها الصحيفة العتيدة وبعض أنصار هيلاري، ثم تتالت وقائع أخرى أزاحتها عن اهتمامٍ أكثر، غير أن ميريل ستريب ما زالت "لا تستطيع التخلص من أثر ما أقدم عليه المرشح الرئاسي إلى الآن"، على ما قالت في مرافعةٍ أخلاقيةٍ عالية، في حفل الأضواء والنجوم، وأمام العالم كله. قالت إن قلبها كُسر، من فرط الإهانة التي مارسها شخصٌ مثيرٌ للمخاوف، عنصريٌّ ضيق الأفق، ليس مؤهلاً للرئاسة، على ما رمت ترامب بوضوح، من دون أن يحظى منها بنطق اسمه. أعطته درساً عن ميزة التنوع في هوليود وأميركا، وقالت إنها، كمواطنة أميركية، قلقة، وسألت: ماذا سيحدث لو أصبحت أميركا بلدا طارداً للغرباء؟
أعيتْه الحيلة، رئيس القوة الأعظم في الكون، أمام درس ميريل ستريب الغليظ، فلم يجد للتعريض بها سوى التذكير بأنها من مؤيدي هيلاري كلينتون المهزومين. وفي هذا الكلام الذي يشابه كلام أي ديكتاتور عالمثالثي صغير ما يأخذك إلى تحسّبٍ مشروعٍ مما قد تضجّ به أميركا من بلاهات رئيسها الجديد، وهو الذي تُورّطه عدم معرفته الفروسية النبيلة في تقسيمه الأميركيين إلى فسطاطين، مهزومين من جماعة هيلاري ومنتصرين من جماعته. تُرى، هل شاهدت إلهام شاهين أو سلاف فواخرجي نجمة الأوسكارات والجزائز الأشهر، ميريل ستريب، وهي تقول ما قالت؟ ليس هذا موضوعنا، فالمقامُ هنا لا يتعلق بالمذكورتيْن، المصريّة السيسية والسورية الأسدية، وإنما بالذي قد تصير عليه رئاسة أميركا، عندما يُزاولها دونالد ترامب الذي لا يقدّم مطعمه في نيويورك شرائح لحم ستيك طيّبة، والذي انتصرت عليه ميريل ستريب، في حلبة الأخلاق. وكان في وسعه، لو يحوز شيئاً من الخيال، أن يستوحي اسم رواية رشيد الضعيف "تصطفل ميريل ستريب"، البالغ اللبنانيّة في عاميته، لكنه آثر تغريداً خائباً بائساً.