30 أكتوبر 2024
ناهض حتّر... أولوية الإدانة
عند قتل أي إنسان خارج إطار الحروب، خصوصاً إن كان عاملاً في حقل عام، صحافي ــ سياسي، يصبح الكلام النقدي عنه ضرباً من المغامرة. أن تقول إن المقتول كان محرِّضاً على قتل شعبٍ بأكمله، وفئات سياسية اجتماعية بأسرها، تصبح تلقائياً بعيون كثيرين مشاركاً في جريمة الاغتيال. وأن تقول، من دون تأتأة وارتباك، أنك ضدّ الاغتيال السياسي من دون تحفُّظ، تصبح فرداً من محوِّلي المقتول إلى شهيد الأمة والرأي والتعبير والمتباكين على صفاتٍ لم يكن المعنيّ يتحلى بها. أمام هذين الواقعين، اللذين لا تريد أن تجد نفسك بينهما، يجدر أن يشعر أي مواطن عروبي ديمقراطي تحرّري لا طائفي، أمام جريمة اغتيال الكاتب والصحافي الأردني، ناهض حتّر، خارج أي إحراج في قول الجملة كاملةً: الاغتيال السياسي مرفوضٌ بالمطلق، ولا يغيّر في الموقف شيئاً أن يكون المستهدف من الاغتيال محرّضاً على القتل، وصاحب مقالات وتصريحات ومواقف طائفية وعنصرية موصوفة، ذلك أن الاغتيال السياسي جريمةٌ يدّعي من ينفذها أن لديه سلطة تعلو سلطة البشر والآلهة والقضاء في قول ما هو مسموحٌ بالتفكير فيه، وقول ما هو محظور. الاغتيال صفعة، لا بل ركلة للدولة وللقضاء ولفكرة المؤسسات في أي بلد. ولأن الاغتيال سلوكٌ تتبناه تاريخياً تياراتٌ عابرة لليمين واليسار، للطائفيين وللعلمانيين، للمتدينين وللملحدين، فإنه سيفٌ قد لا يوفّر أحداً من العاملين في أي حقل عام، خصوصاً في الصحافة والسياسة. الاغتيال وصفةٌ لخفض سقف التعبير والكتابة والإشهار بالرأي، كتابة أو قولاً وسلوكاً، ولنا في الإعلام العربي، وسياسته الحديثة والمعاصرة على الأقل، أمثلة لا تنتهي عن كيف أمكن وأد حالات صحافية وسياسية،، كانت واعدةً في إغناء السجال السياسي الفكري، من خلال التصفية الجسدية التي تسبقها عادة تعبئةٌ تحريضيةٌ، يأتي الاغتيال لاحقاً نتيجة حتمية لها.
لطالما كتب ناهض حتّر وتحدّث باستخفاف عن حيوات البشر: عن السوريين بعد بدء بشار الأسد جرائمه. عمّا كان يحلو له وصفه الجيش الروسي الأحمر الذي أراده امتداداً لحلمه السوفييتي ربما، وعن بطولات مثاله الأعلى، فلاديمير بوتين، في ما كان يسميه بناء "المشرق"، جنباً إلى جنب مع مجرمين مثل الأسد، وهو مفهومٌ، ما ظهر منه على الأقل، لم يكن يعني سوى إطار تفتيتي طائفي، يتخذ من فزاعات حتّر الإسلامية مبرراً له. لطالما كتب حتر مقالاتٍ مقززة عن التخلص من السوريين الفائضين عن الحاجة ممن يموتون غرقاً في رحلة الهرب من جرائم الأسد ونظامه. عن "عبء" الفلسطينيين في الأردن. وفي معظم ما كتب وما قال، تتسرّب نكهاتٌ طائفية تحريضية مريعة. حتى وسائل إعلام لبنانية وأردنية، وعربية عموماً، احتضنت طويلاً كتاباته، الملائمة لخطها التحريري، وجدت نفسها، أخيراً، محرجةً في مواصلة التعامل معه نظراً لفظاعة ما يقوله الراحل.
هذا كله وأكثر، حتى صار اسم ناهض حتر مرادفاً للتحريض والعنصرية. وبكبسة زرّ، أو بالأحرى بسبع كبسات لرشاش آلي، انتقل النقاش إلى مكان آخر تماماً: قتلوا ناهض حتر في مشهدٍ يختصر كل أسباب الإدانة للاغتيال: أمام قصر العدل، حيث كان يفترض أن يخضع لجلسة محاكمة على خلفية قضية تتعلق بحرية الرأي أساساً، وهي ربما تكون القضية الوحيدة المتعلقة بحتّر التي يجب ألا تشملها أية محاكمة، وهي أنه أعاد نشر رسم كاريكاتوري (بائس للغاية بالمعايير الفنية وبالمضمون التعميمي النمطي لصورة الإسلامي)، وصفه كثيرون بأنه مسيء للذات الإلهية، أي إننا أمام مشهدٍ معقدٍ تصبح معه التفاصيل غير مهمةٍ أمام إدانة الاغتيال: هل قتله إسلامي متشدّد بسبب الكاريكاتور التافه إياه؟ أم طرف آخر على خلفية المضمون التحريضي العنصري لكتاباته ومواقفه المعلنة؟ في كلا الحالتين، يبقى القتل قتلاً، والجريمة جريمةً، مدانة بلا تردُّد، ومن دون أن يتحوّل المقتول إلى شهيدٍ حوّله، زوراً، إرهابيون مجرمون، بعلم منهم أو بجهلهم المطلق، صاحب بطولاتٍ متخيلة في القيم الوطنية والعروبية والصحافية والديمقراطية والتحررية.
من قتل ناهض حتّر قدّم لأمثاله وأتباعه خدماتٍ جمّة، ويهيّئ الأرضية لولادة ظواهر "حتّرية"، تسجل نقاطاً سوداء في سجل محاولات بناء عالم عربي ديمقراطي حرّ تنوعي غير طائفي.
لطالما كتب ناهض حتّر وتحدّث باستخفاف عن حيوات البشر: عن السوريين بعد بدء بشار الأسد جرائمه. عمّا كان يحلو له وصفه الجيش الروسي الأحمر الذي أراده امتداداً لحلمه السوفييتي ربما، وعن بطولات مثاله الأعلى، فلاديمير بوتين، في ما كان يسميه بناء "المشرق"، جنباً إلى جنب مع مجرمين مثل الأسد، وهو مفهومٌ، ما ظهر منه على الأقل، لم يكن يعني سوى إطار تفتيتي طائفي، يتخذ من فزاعات حتّر الإسلامية مبرراً له. لطالما كتب حتر مقالاتٍ مقززة عن التخلص من السوريين الفائضين عن الحاجة ممن يموتون غرقاً في رحلة الهرب من جرائم الأسد ونظامه. عن "عبء" الفلسطينيين في الأردن. وفي معظم ما كتب وما قال، تتسرّب نكهاتٌ طائفية تحريضية مريعة. حتى وسائل إعلام لبنانية وأردنية، وعربية عموماً، احتضنت طويلاً كتاباته، الملائمة لخطها التحريري، وجدت نفسها، أخيراً، محرجةً في مواصلة التعامل معه نظراً لفظاعة ما يقوله الراحل.
هذا كله وأكثر، حتى صار اسم ناهض حتر مرادفاً للتحريض والعنصرية. وبكبسة زرّ، أو بالأحرى بسبع كبسات لرشاش آلي، انتقل النقاش إلى مكان آخر تماماً: قتلوا ناهض حتر في مشهدٍ يختصر كل أسباب الإدانة للاغتيال: أمام قصر العدل، حيث كان يفترض أن يخضع لجلسة محاكمة على خلفية قضية تتعلق بحرية الرأي أساساً، وهي ربما تكون القضية الوحيدة المتعلقة بحتّر التي يجب ألا تشملها أية محاكمة، وهي أنه أعاد نشر رسم كاريكاتوري (بائس للغاية بالمعايير الفنية وبالمضمون التعميمي النمطي لصورة الإسلامي)، وصفه كثيرون بأنه مسيء للذات الإلهية، أي إننا أمام مشهدٍ معقدٍ تصبح معه التفاصيل غير مهمةٍ أمام إدانة الاغتيال: هل قتله إسلامي متشدّد بسبب الكاريكاتور التافه إياه؟ أم طرف آخر على خلفية المضمون التحريضي العنصري لكتاباته ومواقفه المعلنة؟ في كلا الحالتين، يبقى القتل قتلاً، والجريمة جريمةً، مدانة بلا تردُّد، ومن دون أن يتحوّل المقتول إلى شهيدٍ حوّله، زوراً، إرهابيون مجرمون، بعلم منهم أو بجهلهم المطلق، صاحب بطولاتٍ متخيلة في القيم الوطنية والعروبية والصحافية والديمقراطية والتحررية.
من قتل ناهض حتّر قدّم لأمثاله وأتباعه خدماتٍ جمّة، ويهيّئ الأرضية لولادة ظواهر "حتّرية"، تسجل نقاطاً سوداء في سجل محاولات بناء عالم عربي ديمقراطي حرّ تنوعي غير طائفي.