نبوغ عبد العزيز الفارسي
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
فقدنا ليلة الأحد، 10 إبريل/ نيسان الجاري، الكاتب والطبيب العُماني عبد العزيز الفارسي عن 48 عاماً، وهو مثال للنبوغ. كانت ليلة رمضانية قاسية، إذ ترك الفقد أثراً صعباً في كلّ من عرفوا الفارسي من قرب وعاشروه، نظراً إلى ما يتميز به من لطف إنساني كبير، ومن إيثار ومحبة للجميع، ساهمت مهنته الطبية الدقيقة (مختص في أورام مرض السرطان) في صقله وتعميقه. كان طَموحاً ولديه طاقة خلاقة، وكان متحفزاً ذا طبيعة منطلقة، اكتسبها من مزاولته الطب، وجعلته مستعجلاً لإنقاذ الآخرين ومساعدتهم، فطبعت فيه طبع الإيماءات السريعة والتحفّز. فقد كان يتعامل مع مرضى يحملون الموت في دواخلهم، الأمر الذي كان له بعد نفسي وروحي وأخلاقي. إلى جانب العمل الإكلينيكي المختبري، فمن أجل الوصول إلى هذا التخصص الدقيق، درس في جامعة كندية، وأقام هناك قرابة سبع سنوات، وتفوّق في دراسته، حتى إنه حصل على عرض كندي للإقامة قابله بالاعتذار. وفي مسيرته المهنية، يعدّ مرجعاً طبياً مهماً لأورام مرض السرطان، فقد اختير عضواً في الاتحاد العالمي لمكافحة السرطان وعضواً في الجمعيتين، الأميركية والأوروبية، لطب السرطان.
أما عبد العزيز الفارسي الكاتب، فهو أول عُماني يحقّق نتيجة ذات بعد عربي، فقد صعدت روايته الأولى "تبكي الأرض يضحك زحل" إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) في دورتها الأولى، ونحن نعرف ماذا تعني دورة أولى لأيّ جائزة ومدى قوة التنافس فيها. ولأنّي أعرف عبد العزيز من قرب، فقد شهدت فيه كذلك قدراته الخاصة، ومنها أنه كان يحفظ قصصه عن ظهر قلب. كذلك لم يكن نشاطه يقف عند حد نشر الكتب التي ترك فيها أكثر من مجموعة قصصية وروايتين، إحداهما مشتركة مع رفيق حياته الكاتب والإعلامي، سليمان المعمري، حملت عنوان "شهادة وفاة كلب".
يستحضر الفارسي في قصصه وروايتيه تفاصيل قريته الساحلية شناص (300 كم عن مسقط) التي ولد ودفن فيها، فكل من يقرأ كتاباته السردية سيرى ذاكرة هذه القرية وتفاصيل شخوصها وبساطتها، وكانت البداية مع مجموعة "جروح منفضة السجائر" (دار الانتشار العربي، بيروت، 2003)، كما يكتشف القارئ في قصصه مدى رهافة حسّ إصغائه لنبض حياة الناس في هذه القرية التي أطلق على ساكنيها "العابرين فوق شظاياهم"، نسبة إلى إحدى مجاميعه القصصية، إلى جانب مقدرته على التنويع في القصص والتقاط مفارقات الحياة ومرحها المضمر. وقد أخلص الفارسي لهذه القرية الهامشية وكائناتها، حين تعمّق في نسيجها وذاكرتها، انطلاقاً من طفولته وحياته فيها. فإلى جانب القصة والرواية، أصدر كتابين بالاشتراك مع سليمان المعمري "قريباً من الشمس... حوارات في القصّة العُمانية" و"ليس بعيداً عن القمر... حوارات في الثقافة العُمانية".
كان خبر رحيل عبد العزيز الفارسي صدمة كبيرة، يصعب الاستيقاظ منها بسهولة، أصابت معظم أصدقائه ومعارفه بالذهول، كما أنّ كل من كان له موقف مع عبد العزيز، الطبيب والإنسان والكاتب، عبّر عنه بطريقته في وسائل التواصل الاجتماعي، فخرجت إلى العلن عبارات العزاء والحزن، معربة عن فقدان شاب عزيز على قلوب الجميع. كان لمواقفه الإنسانية وحبّه الجميع واقترابه من المرضى الجانب الأوفر من حياته. أتذكّر مثلاً حين كان والدي، رحمه الله، طريح فراش الموت، كنت أتواصل مع عبد العزيز فلا أجد منه إلّا كلّ اهتمام. واكتشفت أنّ هذا كان يفعله مع الجميع وبالتساوي.
... إنّها طبيعة الحياة لا تترك لنا عزيزاً. وكما يقول الفنان الهولندي، فان غوخ، في عبارة إيمانية: "الحياة للزرع، أما الحصاد ففي مكان آخر". وقد كانت حياة عبد العزيز زراعة متعدّدة في الحياة، أنتجت نصوصاً ومواقف عديدة وذكريات؛ رحمه الله.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية