نتنياهو منبوذاً والأسد في أفضل أحواله
يتلقّى نتنياهو الرسالة الخشنة تلو الأخرى من الرئيس الأميركي. ويتظاهر ضده في شوارع تل أبيب عشرات الآلاف. زوجتُه تُحاصَر في صالون نسائي بينما يهتف المتظاهرون "البلد تحترق وسارة تقصّ شعرها". يزوره وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ويجري مباحثات معه في المطار بسبب مخاوف أمنية، أما هو فيزور برلين ولندن، فيجد المتظاهرين في استقباله، وفي واشنطن غير مرحّب به حالياً لزمن قد يطول. تُظهره الصور ممتقع الوجه، بنظراتٍ تائهة وغاضبة، وهو يصعد درجات مبنى رئاسة الوزراء، فالرجل مُحاصَر من المعارضة الموحّدة ضده ومن حلفائه في الائتلاف الحكومي، وتحديداً بن غفير وسموتريتش، وكلاهما يجرّه مع المجتمع الإسرائيلي إلى ثقب اليمين الأسود، وهو عاجزٌ عن تمزيق المعارضة أو حتى كبح حلفائه الذين يتنازل لهم كل مرّة، بحيث أصبحوا هم من يقوده والحكومة الإسرائيلية معاً.
تُستحضَر في المناسبة مقولة الروائي الإسرائيلي، عاموس عوز، وهو الأكثر شهرة، تقول إن "اليهود سيحرقون العالم لكن إذا جمعتهم معاً في مكان يمزّقون أنفسهم". تبدو المقولة نبوءة قيامية، فإسرائيل تواجه خطر النهاية والحرب الأهلية كما سبق وحذّر رئيس الدولة إسحق هيرتزوغ ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، وذلك كله بسبب رجل واحد، هو نتنياهو الذي يقول معارضوه إن شؤون الإسرائيليين كانت تُدار من زوجته ونجله يئير في السابق، وأصبحت تدار حالياً من بن غفير وسموتريتش ... متى ينهار نتنياهو ويغادر الساحة السياسية؟ ذلك رهنٌ بانفجار جديد للأزمة التي أطفأ فتيلها المشتعل، مؤقتاً، البيت الأبيض بالطبع.
نتنياهو في أسوأ أوضاعه. وللمفارقة، لا ينطبق هذا على زعيم آخر في المنطقة نفسها، يعيش أفضل أحواله في الأسابيع الأخيرة الماضية، وهو بشّار الأسد، الذي فشلت الثورة والمعارضة السوريتان وضغوط الإقليم والغرب طيلة 12 سنة في إطاحته. فخلال شهرين أو أقل، سافر الأسد واستُقبل في عدة دول، والتقى في دمشق ببرلمانيين ووزراء خارجية عرب، وجرى الاتفاق على إعادة فتح سفارات بعض الدول في بلاده. وثمّة من يؤكد، استناداً إلى تقرير لوكالة رويترز، أن السعودية لن تعيد العلاقات مع نظامه وحسب، بل وستوجّه إليه الدعوة لحضور القمّة العربية التي تستضيفها الشهر المقبل (مايو/ أيار)، فما الذي يحدُث في المنطقة حقاً، بحيث تنقلب الأمور على هذا النحو، فيصبح نتنياهو منبوذاً والأسد مرحّباً به؟
في الإجابات المفترضة، هناك إيران وأوكرانيا. وتذهب فرضياتٌ إلى أن طهران، بتوقيعها مع الرياض اتفاقاً لإعادة العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية، نجحت في تحييد دول الخليج، وتحديداً السعودية، في لعبة الاصطفافات الدولية والإقليمية ضدها، فلا تحالف عسكرياً أو ما كان يسمّى "الناتو العربي" سيكون موجوداً، أو يجرى تشكيله ضدها، فيما لو قرّرت تل أبيب شنّ حربٍ عليها. يحدُث هذا فيما يراهن بعضهم في المنطقة على فكرة أو وهم "تحييد إيران" في المقابل، وتقليص نفوذها في الجوار، وعلى إمكانية إبعاد الأسد عن طهران بالاقتراب منه وإعادة تأهيله.
هناك أوكرانيا أيضاً، فالأميركيون لا يريدون نفوذاً روسياً أكبر في سورية، فالمطلوب محاصرة بوتين في كل مكان، ما يفسّر توالي الضربات الأميركية والإسرائيلية لمواقع يُعتقد أنها تابعة لإيران وحزب الله هناك، ما يعني إخلاء الساحة السورية من الوجود العسكري الإيراني، أو على الأقل إضعافه، ويجرى هذا في موازاة غضّ واشنطن النظر عن فتح حلفائها في المنطقة قنواتٍ مع الأسد وإعادة تأهيله، على أمل إعادة الشرق الأوسط إلى "الحضن الأميركي" بخطوات متدرّجة، تقوم على إعادة تفكيك بعض العداوات البينية فيه وتشكيلها من جديد، خصوصا أن الحرب الأوكرانية قد تمتدّ سنوات، ما يتطلب الحرص على محاصرة النفوذين، الروسي ولاحقاً الصيني، في بعض المناطق الحيوية، ومنها منطقتنا.
إذا صحّت مقاربة كهذه، فإنها قد تفسّر هذه الهرولة تجاه دمشق والنفور من نتنياهو الذي يشعل حروباً داخلية ذات طابع تفكيكي، ليس هذا وقتها، تحول دون الاصطفاف الكامل خلف الأميركيين بشأن روسيا، فالرجل كسابقه نفتالي بينت لا يريد أن يخسر بوتين في معركةٍ لا ناقة ولا جمل له فيها.