نتنياهو ورهانه على ترامب
يبدو أن ارتدادات المناظرة التي عُقدت أخيراً بين الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، وتسبّبت بأزمة للأول، أجّجت حملة يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ضد الإدارة الأميركية الحالية، وتهدف، من بين أمور أخرى، إلى تحميلها وزر فشل إسرائيل في تحقيق انتصار مطلق في حربها ضد قطاع غزّة. وفي ظل هذه الحملة التي واصل مقرّبون من نتنياهو إشعال أوارها في الأيام القليلة الفائتة، بتنا نصادف سمتين متصلتين:
الأولى، اتهام إدارة بايدن بأنها التي تحول دون تحقيق إسرائيل "الانتصار المأمول" في الحرب التي تشنّها على غزّة منذ 7 أكتوبر (2023)، بوضع شروط عليها، وتأخير شحنات أسلحة. وبالاطّلاع على ما يكتبه الأكثر قرباً من نتنياهو، تتراءى أمام أنظارنا شبهاتٌ أخرى تتعلّق بمواقف تلك الإدارة من إيران، فقبل عدة أيام، كتب أحد هؤلاء، وهو المؤرّخ المتخصّص في التاريخ الأميركي، غادي طاوب، أن إدارة بايدن مقتنعة بأن الطريق إلى استتباب الهدوء في الشرق الأوسط تمرّ عبر إلغاء التصعيد والتوصل إلى تسوياتٍ في مقابل إيران. وهي سياسة منهجية بدأت بها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، وما زال يقف في صلبها هدف تقليص تدخّل الولايات المتحدة في المنطقة، من أجل منع الانجرار إلى حروب. وبرأيه، خلافاً للسياسة التي انتهجها ترامب، لا يعزّز ما تقوم به إدارة بايدن قوة حلفاء الولايات المتحدة في مقابل طهران، بل على العكس، يتسبّب بالابتعاد عن حليفاتها، واتخاذ خطواتٍ في اتجاه إيران، من شأنها أن تضفي مكانة جديدة على الولايات المتحدة، وهي مكانة المحكّم الذي لا يحمل أي توجّهات منحازة لهذا الطرف أو ذاك. وبحسب قراءته، أرسلت إدارة بايدن، منذ اليوم الأول لتسلمها دفّة الحكم في البيت الأبيض، إشارات إلى الإيرانيين تفيد بأنها تسعى إلى التوصّل إلى تسويات معهم. وتمثلت أولى خطواتها في إخراج الحوثيين من قائمة المنظمّات الإرهابية ووقف إرسال أسلحة هجومية إلى السعودية، بإمكانها المساعدة في محاربة الحوثيين الذين يهاجمونها من أراضي اليمن. كما فرضت هذه الإدارة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على إسرائيل، وامتنعت من فرض عقوبات اقتصادية على إيران، وقامت بتحرير مبالغ مالية لها تقدّر بنحو مائة مليار دولار. ويصل إلى بيت القصيد حين يصل إلى الخلاصة التالية: كان بمقدور الولايات المتحدة كبح إيران منذ فترة طويلة، ولكنها منذ تولّي بايدن زمام الحكم في البيت الأبيض تفعل العكس تماماً.
السمة الثانية هي المجاهرة علناً بالرهان على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بعد فوزه في الانتخابات القريبة، وعندها سيعود الاثنان إلى ما يوصَف بأنه "العصر الذهبي من علاقاتهما"، والذي ساد خلال فترة رئاسة ترامب.
وبموجب ما كتب محلّل في صحيفة يسرائيل هيوم، هناك من بدأوا بفرك الأيدي فرحاً في إسرائيل، ويتوقّعون انتخاب ترامب رئيساً. ويؤمن هؤلاء بأنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، ستختفي كل مشكلات شحنات السلاح والمشكلات الإنسانية التي تفرضها إدارة بايدن على إسرائيل. بموازاة ذلك، جاء، في تحليلات أخرى، خصوصاً على لسان المحلل العسكري، رون بن يشاي، أنه ينبغي تذكّر أن لدى ترامب تحفّظات كثيرة على نتنياهو، كذلك كان موقف ترامب من الحرب على غزّة متناقضاً، ففي البداية أيّدها، ثم قال إن على إسرائيل إنهاءَها الآن، ثم عاد وأيّد استمرارها وتدمير "حماس". من هنا، المشكلة الكبيرة معه أنه لا يُعرف على أيّ جانب سيستيقظ كل صباح، وما هو القرار الذي سيتّخذه قبل احتساء قهوته. ومن الجهة المقابلة، واضحٌ أن صهره، جاريد كوشنير، سيكون إلى جانب ترامب في البيت الأبيض، وهو صديق إسرائيل الكبير، ومهندس تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، وإظهار القوة الأميركية في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط.