نداء إلى السوريين الأحرار
كان بهيجاً، ومفاجئاً، ويبعث على التفاؤل، مشهد ملايين السوريين في مظاهراتهم التي عمّت مناطق عديدة، في الشمال والجنوب، وهم يهتفون للحرية وللوحدة الوطنية في سورية المستقبل، بعد عشرة أعوام من الصمود الأسطوري، على ما فيها من معاناة، وآلام، وتضحيات، وبطولات. بيد أن تلك المظاهرات العارمة تؤكّد، أيضا، أن شعبنا يعيش على الأمل، وأن روح الوطنية السورية ما زالت متقدة في قلبه، على الرغم من كل ما مر به من أهوال، وأنه أحوج ما يكون إلى قوى حية تمثله، وتعبر عنه، وتدير كفاحه لتحقيق حقوقه.
هذه الظاهرة الوطنية عند شعبنا، وعبّر فيها عن نفسه، تحتاج منا إلى موقف مسؤول، وموحّد، يتفق معها، ويواكبها، فيما أعتقد، أو أحلم، به كرسالة إلى العالم، تفيد بأن زمن الاستبداد السوري ولّى إلى غير رجعة، وأن سورية الأسد ولّت إلى الأبد، وأن لا أحد يستطيع إنقاذ هذا النظام، مهما كانت قدراته، وأن محاولة روسيا (أو إيران) ذلك لن تُفضي إلى شيء، فهي بمثابة قبض ريح، لأن سورية لا يمكن أن تكون إلا لشعبها، ولمن يرى فيهم ضيوفا بشروطه المنفتحة على العالم، وفق قيم الحرية والكرامة والعدالة.
خرجت تلك المظاهرات لتجدّد الأمل، على الرغم من الألم، في لحظةٍ تتراكم خلالها عوامل إيجابية لصالحنا، وسلبية لصالح عدونا النظام الأسدي الذي يبدو أنه يجابه مأزقا، لا مخرج له، أو لنظامه منه. ما يضعنا، أيضا، إزاء مسؤولياتنا، وضمنها أننا في أمسّ الحاجة إلى لقاء سياسي، لقاء وطني جامع، نقطع بواسطته مع خلافاتنا التي استهلكتنا واستنزفتنا وبدّدت تضحياتنا. مطلوبٌ أن نقف صفا واحدا لمواجهة هذا الخراب، وهذا التخريب، في أوضاعنا، أولاً كي نكون على مستوى تضحيات شعبنا وآماله. وثانيا، كي نكون عند مستوى مسؤولياتنا الوطنية. وثالثا، كي نقنع العالم بعدالة قضيتنا، وبجدارتنا في تحمّل المسؤولية، كي يأخذنا على محمل الجدّ، أي يجب أن نقنع أنفسنا وشعبنا والعالم بأننا جديرون بتلك المسؤولية الوطنية. فهل من مبادر لطي تلك الصفحة، على قاعدة المراجعة النقدية المسؤولة، وعلى قاعدة الاستقلالية، وعلى قاعدة المسؤولية الوطنية، وعلى قاعدة الولاء للشعب السوري وحقوقه الوطنية؟ هل من مبادرٍ إلى ذلك كله؟ أو ألم يحن الوقت لخطوة في هذا الاتجاه نؤسس عليها؟
على الصعيد الدولي، تتحرّك دول أوروبية عديدة، وتتحرّك الولايات المتحدة، بكونغرسها (مجلسي النواب والشيوخ) وبإدارتها، نحو تدعيم جهدنا وكفاحنا للتحرّر من نظام الأسد، فهل يعقل ألا نتحرّك نحن نحو قضيتنا، من خارج صندوق خلافاتنا الحزبية والفئوية والشخصية، التي سدّت دربنا نحو حريتنا من ضمن عوامل كثيرة نعرفها جميعنا؟
مفهومٌ أننا جميعا نتحمّل المسؤولية، أشخاصا وكيانات، بهذه الدرجة أو تلك، وضمن ذلك شيوع أوهام ومراهنات ثبت، منذ البداية، عقمها، ومخاطرها على شعبنا وقضيتنا وثورتنا، كما يأتي سوء التخطيط، وغياب التفكير الجماعي، والنزعة نحو الاستئثار، وغلبة المصالح الشخصية، والارتهان لهذه الدولة أو تلك. وقد أسهمت كل تلك الأمور في حرف ثورتنا، أو إزاحتها عن مسارها الصحيح، أو الصائب، إلى الدرجة التي استطاع فيها النظام أن يكسب الجولة تلو الجولة، سياسيا وعسكريا وعلى الصعيد الدولي، فكانت النتيجة ما نعرف ونرى.
بصراحة، لن يؤدّي ما يحصل إلى إسقاط الإسلاميين وحدهم، ولا الديمقراطيين وحدهم ولا القوميين وحدهم، ولا اليساريين وحدهم. جميع تلك التيارات ستسقط في معركة المسؤولية الوطنية، إذا لم نتدارك ما يحصل. وأقصد هنا تحديدا تلك التيارات، بغض النظر عن خلفيتها الفكرية، أي تلك التي ترى في سورية وطنا لها، وأن السوريين جميعا مواطنون أحرار ومتساوون، والمستقلة عن أي نظام في الإقليم، أي تلك القوى التي تمثل (وتتمثل) شعب سورية وقضيته وحقوقه، قبل، وفوق أي أحد آخر.
لن يُسقِط الإسلاميون وحدهم، أو اليساريون أو القوميون، الديمقراطيون، وحدهم، نظاما وحشيا تدعمه قوة إقليمية، وأخرى دولية متوحشة مثله، وأكثر. ولن يسقُط ما لم تقتنع الدولتان المعنيتان بأننا نمتلك من القوة ما يصدّ محاولاتهما فرض إرادتهما علينا، فهل تكون مراجعتنا أحوالنا التي تتجاوز حزبيتنا، ومصالحنا الضيقة، خطوتنا التالية على درب التمهيد للنهوض وتاليا للانتصار المأمول؟
باختصار، من غير المعقول أن نستمر في التمسّك بمصادر إضعاف ثورتنا وقضيتنا وشعبنا. ومن غير المعقول أن نستمر على ذلك المسار، التفتيتي، والارتجالي، والمرتهن للخارج، والذي خدم النظام أكثر مما أسهم في زعزعته.
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا، تعالوا نجدّد العهد لشعبنا .. تعالوا إلى مراجعة نقدية، نوضح فيها، بصراحةٍ وبمسؤولية وبشفافية، أين أخطأنا وأين أصبنا، وكيف يجب أن نعيد بناء أحوالنا.. هذا ما يريده شعبنا.. فلنكن على قدر تلك الإرادة.