نظام الأسد ودبلوماسية الكبتاغون
تثير حالة الهرولة العربية، وخصوصاً السعودية، للتطبيع مع نظام بشار الأسد علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أن الأخير لم يغيّر شيئاً من النهج الذي اتبعه خلال السنوات الـ12 الماضية، والتي أدّت إلى مقاطعته بالأساس من الدول العربية وتجريده من مقعد سورية في جامعة الدول العربية. وقد حمل الاجتماع العربي الذي عقد في عمّان الأسبوع الماضي إجابات قد تفسّر هذا التوجّه من بعض الدول العربية.
كان الاجتماع الذي جمع وزراء خارجية السعودية والأردن والعرق ومصر مع وزير خارجية النظام السوري مخصّصاً بالأساس لبحث عودة سورية إلى الجامعة، ومشاركة رئيس النظام المفترضة في القمّة العربية في الرياض في 19 مايو/ أيار الحالي، غير أن البيان الختامي الطويل الذي صدر بعد الاجتماع لم يتطرّق مباشرة إلى هذه النقطة التي لا تزال تحتاج إلى إجماع عربي غير مؤمّن، ورحّلها إلى اجتماعات لاحقة. إلا أن البيان تحدّث، من ضمن بنوده الكثيرة، عن نقطة أهم قد تكون محوراً أساسياً في التقارب العربي مع نظام بشّار الأسد. فوفقاً للبيان، وافق النظام السوري على بذل جهود إضافية لوقف تهريب المخدّرات من أراضيه إلى الدول العربية، سيما الخليجية، إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة عراقية وأردنية وسورية لضبط الحدود لمنع التهريب.
والمقصود في المخدّرات هنا حبوب مخدّر الكبتاغون الذي بات يدرّ أرباحاً طائلة للنظام السوري وشركائه، وفي مقدمتهم حزب الله، إذ يجري تصنيعه في لبنان وفي الأراضي السورية، قبل أن يُهرّب إلى الدول العربية، خصوصاً السعودية، عبر الأردن، وهو ما تنظر إليه الرياض بأنه مشكلة أساسية في ضوء التحولات الاجتماعية الكثيرة التي تعيشها، والتي تمثل أحد أبرز المعضلات والمعيقات لهذه التحولات.
وبات من المعروف، وفقاً لتقارير غربية، أن نظام الأسد يستخدم ورقة الكبتاغون في إطار مساوماته للتطبيع مع الدول العربية، خصوصاً أنه يمتلك هذه المادّة المخدّرة بشكل شبه حصري. إذ تفيد تقديرات الحكومة البريطانية بأن 80% من إنتاج "الكبتاغون" في العالم يصدُر من سورية، وإن ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصياً على هذه التجارة في الخارج. وبحسب تقرير للسفارة البريطانية في بيروت، صدر غداة إدراج وزارة الخزانة الأميركية ستة أشخاص على قائمة العقوبات بالتنسيق مع السلطات البريطانية، بينهم اثنان من أبناء عمومة بشّار الأسد على خلفية "دورهم في إنتاج الكبتاغون وتهريبه"، فإن هذه التجارة "تعود على النظام السوري بمردود يبلغ 57 مليار دولار سنوياً".
هذه الأرقام الضخمة نسبياً، إضافة إلى تعقد الشبكات المرتبطة بعمليات تصنيع الكبتاغون وتهريبه، تطرح تساؤلاتٍ كثيرة بشأن جدّية النظام السوري في الرضوخ للمطالب العربية بالحد من التهريب. فعلى فرض أن النظام كان جادّاً في الوفاء بتعهداته، وهذا أمر مشكوك فيه، فإن ارتباط شقيق وأبناء عمومة بشار الأسد بهذه التجارة، تجعل ضبطها أمراً في غاية التعقيد، ودونه اعتبارات داخلية وعائلية كثيرة بالنسبة إلى العائلة الرئاسية.
وفقاً لهذه المعطيات، النظام السوري غير مسيطر مطلقاً على هذه التجارة، وإنْ كان يستفيد منها في إطار "دبلوماسية الكبتاغون" التي ينتهجها. وبالتالي، قد لا يكون واقعيا التعويل العربي عموماً، والسعودي خصوصاً، على انعكاس التطبيع مع النظام السوري على وقف وصول شحنات المخدّرات إلى الدول العربية. وحتى إن أظهر النظام جدّيته في هذا الأمر، فإنه سيكون مؤقتاً، فبعد أن يجني ثمار دبلوماسيته، مؤكّد أن الأسد وأقرباءه سيعودون إلى هذه التجارة، خصوصاً أن أي تطبيعٍ من الدول العربية لن يوفّر للنظام وأفراد عائلته ما يجنونه حالياً من الكبتاغون.