نعم، أميركا والغرب أفضل من روسيا
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
تتعاطف مع الضحايا في أوكرانيا، فيقال لك: وماذا عن الضحايا في العراق وأفغانستان و.. ؟ وكأنك كنت تصفق لهم عندما احتلوا العراق وأفغانستان. ومع ذلك، لا يمكن المقارنة بين البلدين، لا من حيث السياسة الخارجية ولا من حيث النظام والحكم. من يعارض احتلال العراق وأفغانستان بالضرورة يعارض احتلال روسيا لأوكرانيا، وليس بالضرورة هو مؤيدٌ لأميركا والغرب بالمطلق، لكن هو مؤيدٌ لهما في وقفهما موقفا صحيحا ضد طاغية مجرم لا يخضع لا للقانون ولا لمنطق العقل، ويفتقر لأي مرجعية أخلاقية.
ما فعله مجرم الحرب بوتين في حلب، بكل ما تحمله من رمزيةٍ وعمقٍ في تاريخنا، حلب المتنبي وسيف الدولة وصولا إلى الكواكبي، أسوأ كثيرا مما فعله في أوكرانيا. وهو ما تكرّر في الغوطة وإدلب وغيرهما. جرائمه في سورية المتواصلة منذ 2015 تستحقّ أن تنظر فيها محكمة الجنايات الدولية التي سارعت، بعد أيام من العدوان الروسي على أوكرانيا، إلى تحديد موعد للاستماع.
خلال سبعة أعوام من العدوان الروسي على سورية، شاهدنا سلوكا غير مسبوق عالميا، يبدأ القصف بالمراكز الطبية والأسواق. وهذا ما فعله في غروزني، عندما حسم حرب الشيشان بالتدمير الشامل. وهو ما يريد تكراره في أوكرانيا، لكنه واجه موقفا حازما من الغرب. بلغ الغرور في بوتين أن يرسل استخباراته لقتل معارضيه بالسم، مع إنهم لا يشكّلون خطرا عليه. ومن أول الحرب، بدأ يتحدّث عن السلاح النووي. هذا النوع من الطغاة كان المفترض أن ينقرض مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
وجد في العالم العربي أنصارا له على شاكلته. يكفيه إن بشار الأسد يتفق معه في نظرية "تصحيح التاريخ"، وقال في اتصال مع : ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي"، و"أن الهيستريا الغربية تأتي من أجل إبقاء التاريخ في المكان الخاطئ لصالح الفوضى التي لا يسعى إليها إلا الخارجون عن القانون".
والغريب إن بلدا مثل الإمارات، يضم قاعدة عسكرية أميركية، يقف مع روسيا، وإنْ بصورة أقل فجاجة، مع إن روسيا وقفت متفرّجة عندما تعرّضت الإمارات لعدوان بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستيىة والموجهة، ولم يقف معها غير الأميركان بصواريخ باتريوت وصواريخ ثاد التي استخدمها الأميركيون أول مرّة دفاعا عن الإمارات.
وصف دبلوماسيون أوربيون موقف الإمارات بأنه نتيجة "صفقة قذرة" تتعلق بموقف روسيا مع الحوثيين. والراجح إن الموقف أعمق من ذلك، فالإمارات تشارك بشار الأسد ضمنا في نظرية "تصحيح التاريخ"، أي العداء للديموقراطية باعتبارها خطرا داهما يتطلب مواجته ولو بالنووي. وقلّ أن عرف التاريخ بلدا ناصَب الديموقراطية العداء كالإمارات، وهو ما تتشابه به مع روسيا. ولذلك رفضت المساس ببشار الأسد، وتحاول تعويمه بكل الطرق. فوق ذلك، أظهرت تحقيقات الكونغرس في لقاء سيشل، دعما إماراتيا روسيا لترامب الشعبوي المعادي للديموقراطية، ولم يكن غريبا عليه ردّ الجميل لبوتين بوصفه بالذكي بعد الحرب على أوكرانيا.
لا يمكن إنكار أخطاء أميركا والغرب وخطاياهم، لكننا نخرج من التاريخ عندما نتعامل معهما على طريقة مصحّح التاريخ بوتين. الديمقراطية منجزٌ إنساني، ومن يعدّها بضاعة أميركية لا يختلف عن منظّر "القاعدة"، أبو محمد المقدسي، "الديمقراطية دين ومن يرتض غير الإسلام دينا فلن يقبل منه".
تشكّل صدمة أوكرانيا فرصة لنا لإدماج قضايانا في المزاج العالمي. السوري والفلسطيني يشبهان الأوكراني في المعاناة، وفي النجاج في توحيد المعاناة الإنسانية مكسبٌ لقضايانا. وقد أحسن الناشطون عندما استخدموا صور الشقراء الفلسطينية، عهد التميمي، وهي تتصدّى للمحتل الصهيوني باعتبارها أوكرانية، فنالت ملايين الإعجابات قبل كشفها.
دعاة "ثقافة الحياة" (أو بالسين بدل الثاء سماجة) يصفونك بثقافة الموت، عندما تمجّد الفلسطيني والسوري وكل من يقاتل المحتل دون حقه. لكنهم، سبحان مغيّر الأحوال، صاروا يشيدون بالاستشهادي الأوكراني والأسر والنساء اللواتي تصنع المولوتوف وتتصدّى للدبابات. وعندما تحارب التطبيع مع الصهاينة المحتلين، سواء في الرياضة أم الفن أم الاقتصاد، تتهم بالعدمية، وهو ما طبق حرفيا على روسيا، وهي تستحقّ لا ريب.
الغرب وأميركا أحسن من روسيا. هذا هو الواقع، وأمامنا فرصة لنصحّح التاريخ بحيث يفهمون عدالة قضايانا، وهي لا تقلّ عدالة عن قضية أوكرانيا، مع فارق إن الفلسطيني يعاني من المشروع الصهويني منذ قرن، والسوري يعاني من أسرة الأسد منذ نصف قرن. هذا هو التصحيح المطلوب للتاريخ.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.