نقطة نظام إلى جولييت عوّاد
أول القول في جولييت عوّاد إنها ممثلةٌ أكثر من قديرة، ومن وجوه الدراما والمسرح التي للأردنيين أن يعتزّوا بها. ليس فقط لأدائها الفني الجدير بالإعجاب منذ أزيد من خمسة عقود، وإنما أيضا لمواقف وطنية رابطت عليها بشأن بلدها الأردن، وبشأن أمتها، ولشجاعتها في إشهار مواقفها المناهضة أي تطبيعٍ مع العدو الإسرائيلي. ولا يُنسى أيضا أنها انتصرَت دائما للفنان الأردني وكرامته ومكانته وحقوقه، وظلّت تنظر إلى الفنان صاحب دورٍ ومهمة. غير أن التسليم بهذه كلها، وغيرها من سجايا اتّصفت بها النجمة الكبيرة، لا يعني الامتناع عن إشهار ما قد يراها أيٌّ منّا أوجه نقدٍ وانتقادٍ لآراءَ في غير أمر تجهر بها بطلة "أبناء الضياع".
نشرت جولييت عوّاد في حسابها في "فيسبوك"، الأربعاء الماضي، فيديو لمشاركتها في اعتصامٍ أمام وزارة المياه والري في عمّان، كان نشطاء فيه يحتجّون على اتفاقية الماء مقابل الكهرباء التي أبرمتها الحكومة الأردنية مع إسرائيل. شوهدت تهيب بالأردنيين أن ينتفضوا ويعتصموا لأن مقدّرات بلدهم "راحت". وقالت، ودمعاتٌ في عينيها "المياه صارت بيد العدو متى ما بدّه بعطينا ومتى ما بدّه بحرمنا". ولا يملك واحدُنا إلا أن يثني على هذه العاطفة الوطنية العالية لدى الممثلة القديرة، وعلى حرصها على مقدّرات بلدها. غير أن هذا الفيديو جعل صاحب هذه السطور يتذكّر واحدا آخر نشرته جولييت عوّاد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، صوّرت نفسَها فيه حافية القدمين ساعة دخولها الحدود السورية، وكانت في رحلة عملٍ إلى البلد الجار. أخبرت مشاهديها إنها "تفي بنذرها، بمجرّد دخولها إلى أرض سورية الحبيبة، قلعت حذاءَها وسارت حافية القدمين على التراب الذي صانته دماء الشهداء الأبرار وبطولات شرفاء الأمة، فانهمرت دموعُها مع دعائها بالنصر التام".
ولأن السيدة الفنانة لم تُخبر مشاهديها عمّن يكونون الذين صانت هذه الدماء والبطولات تراب سورية منهم، فقد يأتي إلى البال أن "الشهداء الأبرار وشرفاء الأمة" إنما سقطوا في الدفاع عن بلدهم في مواجهة العدو الإسرائيلي. ولكن جولييت عوّاد لا تتركُنا في حيص بيص هنا، فمقصدُها، في السياق وفي المعلوم، أن هؤلاء الشهداء والشرفاء إنما كانوا يدفعون عن تراب سورية تآمر متآمرين. وهذه نظرتُها إلى السوريين الذين صاحوا مطالبين بالانعتاق من نظام الفساد والاستبداد الذي يتسلّط عليهم منذ خمسة عقود، ويسترخصُه العدو الإسرائيلي فلا يكترث لبطولاته اللفظية في أجهزة دعايته الكاذبة. ومع الإجلال لكل جنديٍّ سوريٍّ شارك في كل مواجهةٍ مع إسرائيل، ومع تحياتٍ مستحقّةٍ لكل الشعب السوري الذي ما قصّر يوما في الانتساب إلى أمته وإلى قضية فلسطين، ويتطلّع إلى تحرير أرضه في الجولان، لا صلة لهذا كله بالنظام الرقيع الذي تمالئه جولييت عوّاد، عندما تصمت عن جرائمه، وعندما تُبارك عُسفه المشهود، وهي تدعو له (لسورية) بـ"النصر التام" ساعة عبورها الحدود حافية. وفي ظن السيدة أن دورا بارزا للدول الغربية والولايات المتحدة في "صنع ما تتعرّض له سورية"، على ما قالت في حفل عشاءٍ أقامته في عمّان نقابتان أردنيتان بحضور القائم بأعمال السفارة السورية. .. ونقطة النظام الجوهرية هنا إن الخرس بشأن تطلّع شعب سورية نحو التحرّر من نظام القتل الحاكم في بلده، وكذا مناصرة هذا النظام، لا يستقيمان مع تلك الروح العالية الوطنية في الدعوة إلى صيانة مقدّرات الأردن من الارتهان للعدو الإسرائيلي، فلا تتفق الإقامة في مشايعة النظام الجبان والمستبدّ في سورية مع الإقامة في مناهضة إسرائيل.
ونقطة نظام أخرى في الحاشية، موجزُها أن السيدة الفنانة مطالبةٌ بتهذيب لغتها عندما تتحدَّث عن أعمالٍ فنيةٍ لا تستسيغها وترفضها، فأيا كانت مقادير الغضب لديها تجاه فيلم "أميرة" (وصاحب هذه المقالة مستاءٌ منه) لا يجيز لها القول إنها تشعر بأن من كتب هذا الفيلم "يهودي ويحمل الجنسية اليهودية" (على ذمّة من نقل عنها). هذا كلام مشين، لا يجوز أن يصدُر عن فنانةٍ مثقّفة، والبديهي أننا لسنا في صراعٍ مع اليهود، بل مع المحتلين الإسرائيليين. و"الملافظ سعد" على ما ينبغي أن لا تنسى جولييت عوّاد، ليس لائقا أن تطلُب ضرب أهل هذا الفيلم بالأحذية، كان في وسعها نقدهم وانتقادهم بلغةٍ أخرى. وإذا حقّ لها الاعتداد بعملها في "التغريبة الفلسطينية" فإن زعمها إن مسلسل "الاجتياح" يدعو إلى التطبيع مع إسرائيل يكشف عن قصورٍ في مقاربتها هذا العمل الذي يبقى من حقّها انتقادُه، ولكن لغير هذا السبب المصطنع.
السيدة جولييت عوّاد .. على رِسلك.