هجوم عُمان... تساؤلات وملاحظات
يثير هجوم عُمان الإرهابي الأسبوع الماضي على مسجد للشيعة، ما أدّى إلى مقتل تسعة أشخاص بينهم الأشقاء الثلاثة المنفّذون، جملة من التساؤلات المرتبطة بالحادثة وسياقاتها ودلالاتها، بخاصة بعد أن أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في وقت قصير مسؤوليته عن الحادثة، ومع الفيديو الذي يظهر فيه المنفّذون وهم يقدّمون البيعة لأمير التنظيم، أبو حفص الهاشمي.
على صعيد الحادثة نفسها، جاء عنصر المفاجأة ليس من حجم العملية ولا من قوتّها، فقد كانت محدودة من حيث عدد المشاركين والطريقة التقليدية المستخدمة، لكن أنّها وقعت في عُمان، البلد المعروف بالنجاح الباهر في تحجيم التطرّف والعنف ثقافياً واجتماعياً، وبناء مقاربة تجمع الإباضية مع السنّة والشيعة في مناخاتٍ غير مشحونة طائفياً، وليس على حال أغلب الدول العربية التي تضم طوائف وأعراقاً وأدياناً.
والمفارقة الأخرى أنّ سجلات تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، المعروفة إعلامياً، والتقارير الدولية والإقليمية التي تتناول الجنسيات التي تتكوّن منها هذه التنظيمات جميعاً تخلو من أيّ أسماء لعُمانيين، وكأنّ الدولة نظيفةٌ تماماً على صعيد هذه الجماعات، فضلاً عن عدم وقوع أحداث عنف شبيهة، وثمة أيضاً حالة الاستقرار في البلاد منذ ما سمّيت ثورة ظفار (أعلنت السلطات العُمانية عن محاولات انقلاب، وقامت باعتقالات لشخصيات سياسية ودينية اتّهموا بمحاولة الانقلاب على الحكم وإقامة نظام الإمامة، وعفا عنهم السلطان الراحل قابوس في العام 2005).
قد يكون هذا العمل معزولاً من الناحية الاجتماعية، ولا سياقات اجتماعية وثقافية كبيرة له، لكنّه، في المقابل، مؤشّر على وجود بؤرةٍ ما، ما يعني أنّ هنالك ضرورة ملحّة لمعرفة خلفية الأشقاء الثلاثة وكيف جرت عملية التجنيد، والمحيط الاجتماعي، وفيما إذا كان هنالك تأثير للحرب على غزّة على الاستثمار بهذا التوجّه، أو التموضع الاستراتيجي - الديبلوماسي للسلطنة في المواقف الإقليمية، بخاصة العلاقات الجيّدة مع إيران، وعدم الدخول في الصراعات المجاورة وتجنّب عمليات الاستقطاب الإقليمي المباشرة.
على صعيد الدلالات الإقليمية؛ يفتح وقوع هذه العملية في سلطنة عُمان، الواحة الآمنة، الباب واسعاً أمام توقّعات بموجة جديدة وأكبر من ردود الفعل العنيفة على العدوان الإسرائيلي على غزّة، لكن هذه الردود ستأخذ اتجاهين رئيسين في المرحلة المقبلة: الأول مرتبطٌ بالصورة التقليدية للحركات الجهادية، منذ صعود تنظيم داعش. ومن البديهي أنّ التنظيم سيعمل على الاسثتمار في المشاعر الغاضبة لدى نسبة كبيرة من الشباب العربي والمسلم، ليس فقط من الموقف الغربي والأميركي المتواطئ عموماً مع العدوان، بل من الموقف الرسمي العربي الذي يقع في منظور نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب ضمن الخيانة أو المؤامرة أو الضعف والتواطؤ، وبالتالي، أخذ زمام المبادرة لعمل شيءٍ ما.
بالرغم من أنّ تنظيم داعش فقد "دولته"؛ وتعرّض نموذجُه إلى ضربة قاصمة، لكنه لم يمُت، بل استمرّ، وينشط بصورة كبيرة في البادية السورية، وفي أفغانستان وأفريقيا. ومن يتابع رواية التنظيم الإعلامية سيُلاحظ بصورة واضحة الإصرار على الاستمرار والبقاء والقدرة على إعادة إنتاج الخطاب الأيديولوجي، طالما أنّ الشروط والسياقات التي أنتجت هذا التنظيم لا تزال قائمة، بل تزداد وتتجذّر في بلدان ومناطق جغرافية كثيرة.
أما الوجه الثاني للعمل المسلّح في المرحلة المقبلة، فسيأخذ طابعاً سياسياً، بمعنى أهداف متعلقة بالصراعات الإقليمية، وسيكون قريباً من الخطّ الذي تمثّله حركات الإسلام السياسي السني (المرتبطة بالإخوان المسلمين وليس القاعدة أو داعش)، التي لم تجد حليفاً موضوعياً إقليمياً إلّا المحور الإيراني، بالرغم مما مرّ بعلاقة الطرفين من أزمة وجفاء، بسبب الثورة السورية. ولكن من الواضح أنّ الرهانات الاستراتيجية لحركة حماس وإيران وحزب الله، والقواعد الجماهيرية التي ترتبط بهذه الأهداف السياسية، والقواعد الاجتماعية الغاضبة من العدوان على غزّة، كلها ستنتج نمطاً جديداً من العمل العسكري- السياسي في المنطقة، بخاصة إذا تدهورت الأمور الإقليمية، ولم يتم الوصول إلى صفقات أو تسويات للنزاعات المشتعلة.
في المحصّلة؛ ما نراه، وسنراه، نتيجة طبيعية وارتداد متوقّع لتداعيات الأهوال اللاإنسانية التي تحدُث في غزّة، وحالة الفراغ الاستراتيجي العربي وغياب طرف عربي مركزي قادر على أن يمثّل العرب السنة في معادلات الجيوبوليتيك السني في المنطقة منذ انهيار جدار بغداد 2003.