هذا البيان لاتحاد الأدباء العرب
اعتبر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب نفسَه "ممثّلا للملايين من أبناء العرب الصامدين"، في قفلة البيان الختامي لاجتماع مؤتمره العام (الـ28) في القاهرة الخميس والجمعة الماضيين. ويمكن التسامح مع هذا التزيّد المُغالى فيه، لو أن نصّ البيان نفسه كشف عن نزْرٍ من أوجه تمثيلنا، نحن الملايين، فباستثناء الكلام، المقدّر على كل حال، عن دعم الاتحاد "المطلق" للمقاومة الفلسطينية وطوفان الأقصى، ودعمِه (في سطرٍ آخر) "غير المشروط لفلسطين وخيار المقاومة"، لا يُصادَف شاهدٌ واحدٌ على ما قد يسوّغ نسبة الاتحاد إلى نفسِه تلك الصفة. وعندما "يثمّن" مؤتمر الاتحاد "جهود دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية"، و"يرّحب باعتراف كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية، ويدعو بقية الدول لتحذو حذوها في دعم الحقّ الفلسطيني". وعندما يقرّر "تجديد تأكيد دعم الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه نهر النيل، الدعوة إلى إعلاء مصلحة السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسلامة شعبه، رفض كل أشكال الاعتداء على الأراضي اللبنانية والسورية أو التدخّل في الشؤون الليبية أو اليمنية أو العراقية، ويدعو إلى الحفاظ على كلٍّ من هذه الدول موحّدة مستقلة"، فإنك ستتفق مع هذا كله، غير أن سؤالاً قد يطرأ عن السبب الذي يجعل الاتحادات والروابط الأعضاء في الاتحاد العام التي حضرت (لا يُخبر بعددها، ولكنها ربما سبعة، أحدُها مختلَفٌ بشأن "شرعية" من مثّله) تنصرف إلى بديهيّاتٍ مسترسلةٍ كهذه، فيبدو بيانُها هذا، في شؤون ليبيا والعراق والسودان واليمن ومصر، كما بيانات مؤتمرات المندوبين في جامعة الدول العربية، الرتيبة ذات الكليشيهات المألوفة، فلا تزعل أحدا.
لماذا يشغل اتحادُ أدباء وكتّاب نفسه ببديهياتٍ مثل هذه، فيما ثمّة القضايا الأكثر إلحاحاً، والتي تندرج بداهةً ضمن مهمّاته، بوصفه تجمّعاً لمثقّفين ومنتجي أدبٍ وإبداعاتٍ وفكر، من قبيل الحرّيات العامة وراهنها في غير بلدٍ عربي، أو أقلّه الانتصار لمثقّفين وكتّابٍ في سجونٍ عربية. ولمّا كان من غير المعهود أن يكترث الاتحاد المتحدَّثُ عنه بهذه القضايا، وإنْ جاء على مثلها، في بيانات مؤتمراتٍ سابقة، بانتقائيةٍ بائسة، يصير مُستغرباً أن ينصرف إلى إجلال المقاومة الفلسطينية، ويتناسى أن الشعوب العربية ترى خذلاناً ظاهراً في أداء الحكومات العربية في نصرة هذه المقاومة، وعجزاً رسمياً عربياً بيّنا عن حماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وإسعافه بالغوْث اللازم، فإنك تستغرب أن "يثمّن المؤتمر جهود فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وفخامة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون على جهودهما الكبيرة لدعم الموقف الفلسطيني على المستوى الدولي"، فيخصّص لهما هذا الثناء دون غيرهما، وذلك بعد أن شكر البيان، في ديباجته، السيسي "الذي وجّه بتوفير جميع سبل النجاح لهذا المؤتمر المهمّ الذي يُعقد في هذه اللحظة الخاصة من حياة الأمة كلها". وفي الأول والأخير، من المفترض في تشكيلٍ مدنيٍّ عربيٍ عريضٍ مستقل، يمثل مثقفين وكتّاب أدبٍ ومبدعين ومفكّرين، أن ينأى عن مدائح مثل هذه لأيِّ سلطة، ليس فقط حفاظاً على صورته تجمّعاً مستقلاً، وإنما أيضا دفعاً لأي افتراضاتٍ تُلحِقه بهذا النظام العربي أو ذاك.
وعندما تُطالع ما جاء عليه البيان بشأن مبرّرات انعقاده بعددٍ محدودٍ من أعضاء الاتحاد العام، بعد إشكالاتٍ تنظيميّة، مع اتحاد الكتّاب التونسيين، وبعد جدلٍ خيض بشأن ترشّح الأمين العام علاء عبد الهادي للمنصب، وقد ترشّح ثم نجح (!)، وعندما يأتي البيان على "مؤتمرٍ انشقاقيٍّ" للاتحاد "غير مشروع"، أخبرنا أن السلطات العُمانية أوقفته، وعندما يتحدّث عن "شخصنة" تحدُثُ في اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، وعندما يُنبئ عن "تكتّلٍ انشقاقي" باسم اتحاد المشرق العربي، كان قيد التشكّل، وعندما يوافق المؤتمر على تمثيل عضو في اتحاد كتاب المغرب اتّحاد بلاده، من دون تنسيبٍ من رئيس المكتب التنفيذي لهذا الاتحاد الذي يشهد إشكالاتٍ كبرى، أفصح عن بعضِها بيانٌ لرئيسه لوّح بمقاضاة الشاعر العضو ومعه رئيسٌ سابقٌ للاتحاد، لتمثيلهما الاتحاد في مؤتمر القاهرة، وعندما يتقرّر إيفاد "بعثة تقصٍّ للحقائق" إلى الرباط "للاستماع إلى جميع الأطراف" ... عندما تقرأ عن هذا كلّه في بيانٍ واحد، تعرف أيَّ قاع يقيم فيه الاتحاد العربي المتواطِئ مع السلطات العربية، والذي لا يُسمع عنه إلا عندما يعقد مؤتمراته التي يُخبرنا فيها عن "تمثيله الملايين من أبناء العرب الصامدين".