هذه التهم الخطيرة لمصطفى البرغوثي

09 يناير 2025
+ الخط -

استمع إلى المقال:

يتعرّض مؤسّس حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، لهجوم عنيف جدّاً من أشكال القذارة السياسية كلّها، وينهش سيرتَه ذوو الأنياب التنسيقية الحادّة. وهي تهم رئيسة لمّا يزل يمارسها الرجل بكفاءة واقتدار، وبقناعة وافتخار.

التهمة الأولى الوقوف مع أهل غزّة بكلّ ما يمتلك من قدرة وفصاحة لسان، وقناعة سياسية، وإيمان بحقّ الشعب الفلسطيني بممارسة أشكال مقاومة المحتلّين كافّة، بما في ذلك المقاومة المسلّحة، وهذا الموقف الثابت من الحقوق الفلسطينية جعل من الرجل نجماً إعلامياً معبّراً عن أوجاع أهل غزّة والشعب الفلسطيني عامّة، ومتحدّثاً عن أهوال حرب الإبادة التي يشنّها العدو الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزّة، وجعل منه وجهاً سياسياً فلسطينياً جامعاً، ومقبولاً، ويحظى بإعجاب الجماهير العربية.

وقف البرغوثي موقفاً شجاعاً وجريئاً مع المقاومة الفلسطينية وأذرعها العسكرية، والتقى بقادتها في أرض غزّة قبل "طوفان الأقصى"، ونسّق معهم كثيراً من المواقف الوطنية التي تخدم القضية الفلسطينية، ولم يخذل رجال المقاومة بعد معركة طوفان الأقصى، حين تكالب عليهم الخذلان، وتحالفت مع عدوهم الإسرائيلي ذئاب العالم وذبابه، وهذا الموقف الوطني الناصح للبرغوثي لا يُرضي أعداء المقاومة، ولا يتوافق مع هوى عشّاق المفاوضات العبثية، وعبيد التنسيق والتعاون الأمني، بعد أن صاروا جسراً لبعض الدول العربية الساعية إلى مواصلة التطبيع والعلاقات الدبلوماسية مع العدو الإسرائيلي، من دون الاكتراث لما يجري في أرض غزّة من تدمير وأهوال وإبادة جماعية.

التهمة الثانية مطالبة البرغوثي بحقّ الشعب الفلسطيني في اختبار قيادته عبر صناديق الاقتراع، ومسعاه الدائم إلى تحقيق هذا المطلب عبر الوسائل الحضارية والإنسانية كافّة، ولا سيّما أن الرجل منتخبٌ عضوَ مجلسٍ تشريعي فلسطيني، ويتبنّى فكرة الانتخابات حقّاً من حقوق الشعب، ولا قداسة لشخص مهما كان ليستأثر بكل السلطات والصلاحيات، ويشطب وجود خمسة ملايين فلسطيني بحذاء الاستبداد. وموقف البرغوثي الوطني، المطالب بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني، هو موقف الشعب الفلسطيني الذي يدرك أن لا وصاية لأحد على قراراته، وأن لا ولاية لفقيه أو لنزيه أو لسياسي أو لرئيس تنظيم، كي يظلّ متربّعاً على كتف الشعب، وقد قلّ نفعه، وزاد ضرره، مع ارتفاع منسوب الإرهاب الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزّة، ومع ارتفاع عدّاد الشهداء والجرحى والمعتقلين، ومع تزايد اعتداءات المستوطنين على الشعب، الذي لا يُقدّس إلا ربّ العباد، ولا يعترف برموز تنظيمية أضاعت البلاد، ودمّرت حقّ الشعب السياسي الذي كان ناصعاً، فصار على عهدهم باهتاً، وصار تائهاً لا يميّز بين أرض محتلّة وأرضٍ فقدت سيادتها تحت بطش قيادة فرّطت بمقدّساته التاريخية، فصارت مداساً للمتطرّفين الصهاينة، وصارت المستوطنات الصهيونية أكثر عدداً وأوسع مساحةً من المدن الفلسطينية.

التهم الموجّهة إلى البرغوثي جعلته شخصيةً فلسطينيةً تحظى باحترام وتقدير معظم الشعب الفلسطيني

أمّا التهمة الثالثة (وهي الأخطر) من وجهة نظر أدعياء الوطنية، وأصحاب مشروع أزلية المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، أولئك الذين يحاربون أشكال مقاومة الاحتلال كافّة، حتى إنهم يكرهون من يرجم العدو الإسرائيلي بحجر صغير، وهؤلاء لا يحبّذون أيّ لقاء مع رجال المقاومة، ولا يرتضون أيّ شكل من التوافق مع حملة السلاح... هذه التهمة هي خروج مصطفى البرغوثي عن الصفّ الوطني الخانع، بعد أن ظهر منه حرصه على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وقد سعى إليها بما استطاع لذلك سبيلاً، وقد ظهر ذلك حين وافقت حركة المبادرة الوطنية، التي يمثلها البرغوثي، على المشاركة في لجنة الإسناد المجتمعي، تلك اللجنة التي توافقت عليها خمسة تنظيمات وحركات فلسطينية فاعلة وقوية ومؤثّرة، مثل الجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية وحركة حماس وحركة الجهاد والتيّار الإصلاحي لحركة فتح. ويزعم كاتب هذه السطور أن هذا الحرص الوطني من البرغوثي على الوحدة الوطنية، وهذه المشاركة في لجنة الإسناد المجتمعي، مثّلتا الصخرة العنيدة التي تحطّمت عليها أوهام المراهقين سياسياً، أولئك الذين حسبوا أنفسهم أصحاب القرار، وأنهم نهاية المشوار، وأنهم الطريق الوحيد للشعب الفلسطيني، الذي لا يمتلك من دونهم أيّ خيار.

التهم السابقة الموجّهة إلى البرغوثي جعلته شخصيةً فلسطينيةً تحظى باحترام وتقدير معظم الشعب الفلسطيني، ووجهاً وطنياً وحدوياً يمثّل طموحات المقهورين والغيورين على مصلحة الوطن، وجعلت منه ناطقاً إعلامياً بلسان فلسطين كلّها، وممثّلاً شرعياً لعذابات أهل غزّة وبطولاتهم وتضحياتهم.

3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة