هذه الحكايات الفلسطينية في "نتفليكس"
حسناً فعلت منصّة "نتفليكس" العالمية عندما أدرجت مجموعة "قصص فلسطينية" التي تضم 32 فيلما عن الفلسطينيين وقصص معاناتهم مع الاحتلال. وبعيدا عن التشكيك في نيات المنصّة، المتهمة بالانحياز للرواية الإسرائيلية، إلا أن الخطوة تظل مهمة لنقل الرواية الفلسطينية لجمهور عالمي واسع.
يضم ألبوم "قصص فلسطينية" أفلاما فلسطينية قديمة الإنتاج وأخرى حديثة، منها الطويل ومنها القصير، فيها الوثائقي والتسجيلي والدرامي، وطبعا منها ما هو ممتاز أو جيد، ولا تخلو المجموعة من أفلام رديئة. تعرض المجموعة جوانب مختلفة من حياة الفلسطيني تحت الاحتلال أو في منافي اللجوء والشتات، وتعالج بحبكات درامية، بسيطة وذكية، تجارب حياتية تحفر عميقا في آلام الفلسطيني وأحلامه، عبر مشاهد تصور واقع معاناة الفلسطيني في المعتقل والمخيم والمنفى، وعلى الحواجز.
يمكن للمشاهد أن يميز من بين أفلام المجموعة "كأننا عشرون مستحيلا" لآن ماري جاسر، و"يدٌ إلهية" لإيليا سليمان، و"3000 ليلة" لمي المصري و"عودة رجل" لمهدي فليفل و"العبور" لمي عودة، إلى جانب أعمال المخرجين سوزان يوسف وفرح النابلسي، وآخرين. وضمّت منصّة نتفليكس للمجموعة أفلاماً كانت مدرجة عليها من قبل، مثل "واجب" و"المرّ والرمان" و"إن شئت كما في السماء" و"الهدية" الذي له حكاية مع المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، جون برينان، فقد دعا الرئيس جو بايدن إلى مُشاهدة الفيلم. وكتب في صحيفة نيويورك تايمز في إبريل/ نيسان الماضي: "الفيلم سردٌ قوي ومُفجع عن آلام الرجل الفلسطيني يوسف وابنته الصغيرة ياسمين في أثناء عبورهما حاجز تفتيش للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مرتين في يوم واحد". ويحكي الفيلم في 25 دقيقة، إخراج فرح النابلسي، قصة الأب يوسف الذي خرج مع ابنته ياسمين لشراء هدية الذكرى السنوية لزوجته، ثم يجد نفسه مُحتجزًا بسلاسل حديدية، وهو مُمسك بقلم؛ لأن الحرّاس الإسرائيليين يُريدون تفتيشه بدقة أكبر، بينما جلست ياسمين في الجوار تراقب وتنتظر في صمت.
وهناك تميز غني في فيلم "المطلوبون الـ18" للفنان الفلسطيني عامر شوملي. يتناول الفيلم جانباً من المقاومة الشعبية خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 – 1991)، من خلال قصة 18 بقرة اشتراها أهالي بلدة بيت ساحور من مزرعة إسرائيلية للاستفادة من حليبها بعد قرارهم الاستقلال الاقتصادي عن الاحتلال ومقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية، في خطوة من سلسلة خطوات اتُخذت حينها في سياق العصيان المدني. تُصاب الأبقار بالهلع عندما تعلم بصفقة بيعها للفلسطينيين، وتدخل في رحلة مطاردةٍ بعد أيام من وصولها إلى بيت ساحور، إذ أصدر الحاكم العسكري أمرا باعتقال الأبقار الـ18 في غضون 24 ساعة، كونها تشكّل خطراً على أمن إسرائيل. هكذا، تبدأ رحلة المطاردة والبحث عن البقرات، تعاني البلدة خلالها من حملة ترهيب واعتقالات ومنع تجول. مئات الجنود على الأرض ومروحيات في السماء بحثا عن البقرات المطلوبة بأي ثمن. يسجّل الفيلم في المشاهد الأخيرة خيبة أمل أهالي البلدة وقد ذبحت أبقارهم "اتفاقية أوسلو"، التي جاءت في وقت كانوا فيه "ملوكاً يسيطرون على أقدارهم"، حسب إحدى الشهادات في الفيلم. إلى جانب القصة الرائعة والنص العفوي الثري، يتميز الفيلم بتوظيف وسائل مرئية متعدّدة، منها الرسوم الكرتونية والـ"ستوب موشن"، ما أضفى على الفيلم جمالية بصرية ممتعة.
يتميز في مجموعة نتفليكس كذلك فيلم "جيرافادا" الزرافة، للمخرج راني مصالحة، وبطولة صالح بكري، محمد بكري، والفرنسية لور دي كليرمو. يروي وقائع جرت في أثناء اجتياح الاحتلال الاسرائيلي مدينة قلقيلية في العام 2002، ومقتل إحدى الزرافات في حديقة الحيوان في المدينة. يخاطر ياسين مع ابنه، والصحافية الفرنسية لور، بحياتهم من أجل جلب زرافة ذكر من حديقة الحيوانات في تل أبيب، لإنقاذ حياة الزرافة الأنثى التي تُصاب بالاكتئاب وترفض الأكل. وبنجاح المهمة، تسجل قلقيلية انتصاراً آخر للحياة.