هل أصبحت الانتخابات التونسية مهدّدة؟
دخل المسار الانتخابي في تونس في نفقٍ جديد أكثر ظلمةً ووعورة، فالهيئة العليا المستقلة للانتخابات واصلت المراوغة بالجميع، وتحدّتهم، عندما رفضت تنفيذ حكم المحكمة الإدارية الذي أنصف ثلاثة مرشّحين جرى شطبهم، منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي. ويا ليتها ما فعلت، إذ توالت ردود من الهيئات والأطراف ذات الاختصاص في القانون الدستوري ومن بقية الأطراف، نسفت "الحجج" التي اعتمدت عليها الهيئة، فبحسبهم، منحت نفسها صلاحياتٍ لا تملكها، مكّنتها من أن تكون أقوى وأعلى من المحكمة الإدارية التي تعدّ أهم هيئة قضائية في تونس.
تجد الهيئة نفسها، ومن ورائها السلطة، معزولة تماما ومتّهمة أيضاً، فهي بمخالفتها الإجماع القانوني فقدت شرعية التحدّث باسم الدستور والقانون حسب اعتقاد أصحاب الاختصاص. وهو ما دفع مكونات المجتمع السياسي والمدني إلى إدانة ما أقدمت عليه الهيئة، و"التبرّؤ منها". وهو ما فعله الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان من المساندين بقوة لما حصل في25 يوليو/ تموز 2021، فقد اعتبر موقف الهيئة "سابقة قانونية وتاريخية"، ووصف قرارها بأنه خارج عن القانون. ورأى الاتحاد في قرار الهيئة "توجيها ممنهجاً ومنحازاً وإقصائياً وتأثيراً مسبقاً على نتائج الانتخابات". وقال رئيسه، نور الدين الطبوبي، إنه قرارٌ سيحول الموعد الانتخابي إلى "مناسبة للمبايعة والولاء ونسف المبادئ الديمقراطية".
لقد قوّضت الهيئة، بدون قصد منها، جزءاً مهماً من مصداقية الرئيس قيس سعيّد باعتباره حالياً واحداً من المرشّحين، وبالتالي كل تشكيك في سلامة الإجراءات القادحة في جدّية المسار الانتخابي هو إضعاف لمصداقية الرئيس المنتهية ولايته، فأكثر من 80 أستاذ قانون وعلوم سياسية طالبوا هيئة الانتخابات بضرورة التراجع عن موقفها، وهذا ما يفسّر تصريحات عديدين ممن كانوا قريبين من الرئيس، ووجدوا أنفسهم مناهضين بشدّة هذا المنزلق الجديد نحو المجهول. لم تكتف الهيئة بالإصرار بإقصاء المرشّحين الذين أعادتهم المحكمة، بل وتعمّدت رفع 25 قضية ضد المرشّح المستقل، العياشي الزمال، الذي جرى إيداعه السجن. كما يجري الحديث عن احتمال فتح بحثٍ ضد المرشّح، زهير مغزاوي، بسبب تصريحات له انتقد فيها المرشّح الرئيس المنتهية عهدته. وإذا ما تأكد هذا، يكون الغطاء قد رفع نهائيا عن المسلسل الانتخابي والسياسي، وتكون تونس تسير نحو انتخاباتٍ بلا طعم ولا رائحة.
عجّلت قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أيضا بدفع الأحزاب والجمعيات نحو تصعيد تحرّكاتها للدفاع عن الحريات، حيث جرى تأسيس "الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحرّيات" التي تقف وراءها عشر منظمات وتسع أحزاب، احتجاجا على "التضييق على الحقوق والحرّيات العامة والفردية وعلى حرّية الصحافة والإعلام"، فمع منع العدد الصادر أخيراً من مجلة جون أفريك عاد شبح الصنصرة إلى سماء تونس. هل فشلت "المقاومة عبر القانون وبالقانون" التي اعتمدتها بعض الأطراف؟. وهل يلجأ المعارضون إلى مقاطعة الانتخابات ومتابعة المشهد من فوق الربوة؟. ...
هناك احتمال وارد من شأنه تغيير المعادلات، فالمرشّحون المبعدون تقدّموا بطعون إلى المحكمة الإدارية التي قد تقضي ببطلان نتائج الانتخابات، وذلك يعمّق أزمة العلاقة بين مؤسسات الدولة. عندها سيفوز المرشّح قيس سعيّد، عن طريق الغلبة وبدون شرعية دستورية. والسيناريو الثاني الذي يدعو إليه بعضهم هو الوقوف وراء المرشّح عياشي الزمال، لأن إيقافه لا يمنع بقاءه ضمن السباق الانتخابي. ولا يستبعد هؤلاء احتمال خروجه من السجن رئيساً لتونس. لقد قرّر قيس سعيد الانتقال إلى السرعة القصوى، إما أن ينتصر ويفرض نفسه على الجميع أو يصطدم بموانع عديدة ليجد نفسه خارج مؤسّسات الدولة. لهذا قال أمام زير الداخلية إن الانتخابات "شأن داخلي لا دخل لأي جهة أجنبية فيه". وفي هذا رسالتان، واحدة إلى الخارج، والثانية للتأكيد على أن الخيار الأمني جاهز.