هل أصبح بقاء الأسد هدفاً أميركياً؟
يتضح، يوماً بعد آخر، أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لن تذهب إلى صناعة ديناميكيات جديدة لتغيير الوضع السوري، على ما اعتقد بعضهم، بل أن جل ما قد تفعله هذه الإدارة، ومن خلال ما يجري تسريبه، بين الفينة والأخرى، لا يتعدّى ضخ بعض الوقود لضمان استمرار تشغيل الديناميكيات القائمة، فالإدارة الغارقة، حتى أذنيها، في إعادة ترميم مكانة أميركا العالمية، لن يكون لديها الوقت الكافي للاهتمام بساحةٍ هامشيةٍ مثل سورية. وقد كشف خطاب بايدن، بشأن السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة المقبلة، جزءا من مشهد السياسة الأميركية المقبلة تجاه سورية، حيث لم يرد في الخطاب أي إشارة إلى سورية، على الرغم من أن الملف السوري يقع في صلب السياسة التقليدية للحزب الديمقراطي، والتي تقوم على إعطاء حقوق الإنسان أهمية في رسم سياسات الإدارة الأميركية الخارجية، إلا أن إدارة بايدن يبدو أنها ليست في حاجة للاتكاء على هذا الملف لإثبات أصالتها، ما دام الأمر سيتبعه تكاليف واستحقاقات غير مستعدة للقيام بها.
سورية ليست على قائمة أولويات إدارة بايدن في المرحلة المقبلة
التفسير المنطقي لذلك أن سورية ليست على قائمة أولويات إدارة بايدن في المرحلة المقبلة. وفي أحسن الأحوال، ربما تخضع السياسة الأميركية في سورية لتقييم من بعض موظفي إدارة الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية، وقد يتولّى الأمر موظفون من الدرجة الثانية، أقل من سفير، بهدف تدريبهم على مهارات إدارة الأزمات. ولأن الأزمة السورية، في التصنيف الأميركي، أصبحت شبه أزمة، فلن يكون ملحّاً إنجاز التقييم في وقت سريع، كما أنه ليس مهماً أن يكون هذا التقييم احترافياً، وأن تكون توصياته ملحّة وإلزامية.
يتضح ذلك جلياً من خلال أفكار أخذ يطرحها بعض المختصين بالشأن السوري، مثل جيفري فيلتمان وروبرت فورد، تطالب بمقاربةٍ جديدةٍ، تقوم على أساس تقديم محفزات لنظام الأسد بطريقة "الخطوة خطوة"، لتشجيعه على التعامل بايجابية مع عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254. ولإحراج الأسد وضمان موافقته على المبادرة، يقترح فيلتمان أن تكون علنية، ليعرف العالم من المسؤول عن فشل الحل!، وكأن الأسد لم يعلن رفضه الحل السياسي، عندما اعتبر أن المفاوضات مع المعارضة مجرّد لعبة لتزجية الوقت.
قد تُقدم إدارة بايدن على تخفيف العقوبات على الأسد، بحجة تخفيف الضرر عن الشعب السوري، وضمان عدم سقوط الأسد نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردّية
ولعل ما يعزّز عدم اهتمام إدارة بايدن بالملف السوري، لا في المرحلة المنظورة ولا بعدها، حقيقة أن وضع أميركا في سورية يعتبر مثالياً، ولا يحتاج إلى تغيير أو تحريك، ذلك أن الولايات المتحدة تحقّق أهدافها بتكاليف بسيطة، ومن دون استخدام موارد كبيرة، أو رصد أصول عسكرية معتبرة، للحفاظ على وجودها في مناطق شرق سورية، حيث لا توجد مخاطر جدّية في المدى المنظور، تستدعي تغيير مقاربتها السابقة. ويبدو أن أطراف اللعبة الآخرين، روسيا وإيران، يتقبلان هذا الوضع ويتكيفان معه، وهم غير مستعدّين لاستفزاز الأميركيين، أو الإتيان بأي تحرّك لتغيير المعادلات الحالية في سورية، خشية انعكاس ذلك على أوضاعهم ومكاسبهم التي حققوها في السنوات السابقة.
حتى نظام الأسد، فعلى الرغم من مطالبته بخروج القوات الأميركية من شرق سورية، وحاجته لثروات تلك المنطقة، وخصوصا النفط، ليفك أزمته الاقتصادية، إلا أنه، وعلى مبدأ ضرر أخف من ضرر، لا يرغب في تغيير الأوضاع، ما دامت حدود التأثير الأميركي تتوقف عند وجوده في شرق الفرات، كما يستفيد النظام من متاجرته بالاحتلال الأميركي لشرق سورية، وتذرّعه بأن أولوية الأولويات، في اللحظة السورية الراهنة، تتمثل بإخراج القوات المحتلة من الأراضي السورية، فضلاً عن أن من شأن خروج القوات الأميركية من سورية دفع روسيا إلى التفكير بمقارباتٍ أخرى للحل السياسي وإعادة تقييم لوجود الأسد في السلطة وتأثيره على المصالح الروسية.
إذا كان عدم الانسحاب من سورية يمثل مصلحة أميركية، فإن أي تحرّك باتجاه آخر، من نوع التحرّك العسكري لإسقاط الأسد، ليس من مصلحة إدارة بايدن
قبل أيام، كتب رامي الشاعر، القريب من السلطات الروسية، وغالباً ما يستقي تحليلاته من دوائر قريبة من الكرملين، ويوظفها رسائل، خصوصا إلى نظام الأسد، أن النظام يراهن على إدارة بايدن في تغيير المقاربة الأميركية لصالحه، وأنه بناء على هذا الرهان أخذ يتحلّل من التزاماته تجاه روسيا في بعض المسائل، وخصوصا إبداء مرونة، ولو شكلية، في مفاوضات اللجنة الدستورية. ولدى روسيا معطيات في هذا المجال، دفعتها إلى توجيه هذه الرسالة التحذيرية إلى نظام الأسد.
والخلاصة، أن إبقاء الأمور على ما هي عليه ربما تكون السياسة الأكثر واقعية لإدارة بايدن تجاه الملف السوري، لعدم تكلفتها وخلوها من المخاطرة. ولأنها تحقق، في الوقت نفسه، مصلحة أميركية تتمثل باستمرار الحضور الأميركي في الشرق الأوسط، وإبقاء الملف السوري قيد التفاوض مع إيران وروسيا. وإذا كان عدم الانسحاب من سورية يمثل مصلحة أميركية، فإن أي تحرّك باتجاه آخر، من نوع التحرّك العسكري لإسقاط الأسد، ليس من مصلحة إدارة بايدن التي واضح أن سياستها تقوم على الحذر من المغامرة. ولضمان استمرار المعادلات الحالية في سورية من دون تغيير، قد تُقدم إدارة بايدن على تخفيف العقوبات على الأسد، بحجة تخفيف الضرر عن الشعب السوري، وضمان عدم سقوط الأسد نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردّية.