هل تزوّد إسرائيل أوكرانيا بالقبّة الحديدية؟
هل يُرسل نتنياهو منظومة القبة الحديدية إلى أوكرانيا؟ هذا مستبعد، فليس الأمر قراراً، بل تبعات يخشاها الرجل، ولا تقتصر هذه على تخريب العلاقات مع موسكو بشأن سورية تحديداً، بل استعداء الروس الذين يستطيعون الإيذاء، ويجيدون الانتقام إذا شاءوا.
في مقابلتيه، أخيرا، مع شبكة سي إن إن الأميركية وقناة إل سي 1 الفرنسية، تحدث نتنياهو أن حكومته بصدد إعادة صياغة السياسات، ومنها تلك الخاصة بأوكرانيا، لكنه تجنّب تقديم جواب واضح وحاسم عما إذا كان سيقدم منظومة الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" إلى كييف، فالموضوع قيد البحث والدرس، وهناك اعتباراتٌ ستؤخذ بعين الاعتبار، ومنها رغبة حكومته، كما حكومة ليبيد- بينيت، بعدم الدخول في صراع عسكري مع روسيا، أو قواتها العاملة في المنطقة، بما فيها الأجواء السورية. والخلاصة أنه لن يبذل وعوداً لا يستطيع الوفاء بها، ولا مصلحة له في هذا.
لم تكن ردود نتنياهو الحذرة في المقابلات التلفزيونية موجهةً إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وهو يلحّ ويطلب باستمرار، بل إلى الأميركيين الذين طالبوه (نتنياهو) بتقديم مساعداتٍ أمنيةٍ إلى كييف وعدم الاكتفاء بالمساعدات الإنسانية. والأمر بالنسبة للأميركيين ليس رمزياً بل بالغ الأهمية، فواشنطن يعنيها اصطفاف حلفائها إلى جانبها، وليس ثمّة حليف يتمتع بإسنادها ودعمها أكثر من إسرائيل التي تجنّبت منذ بدء الحرب الإعلان عن أي موقف واضح وغير قابل للتأويل، يفيد بأنها ضد روسيا، ما يُحرج الأميركيين الذين يطالبون دولاً أخرى بتسليح كييف، وتلومها إذا لم تفعل، بل تضغط عليها (ألمانيا تحديداً)، بينما لا تستطيع إجبار تل أبيب على ذلك.
منظومة القبة الحديدية، وهي مشروع أميركي - إسرائيلي مشترك، لن تقدّم الكثير للأوكرانيين في دفاعاتهم، فهي تكتيكية، وليست مصمّمة للصواريخ الاستراتيجية طويلة المدى، وأثبتت فاعلية متوسطة المستوى إزاء صواريخ القسام. وتزويد أوكرانيا بها، وهذا مستبعدٌ جداً، لا يعني للإسرائيليين ما يعنيه للأميركيين والأوكرانيين، فهو يعني المواجهة مع موسكو، وهو ما لا يرغب فيه الساسة الإسرائيليون أياً كانوا، وبغضّ النظر عن برامجهم السياسية.
وأظن أن نتنياهو يسعى إلى إيجاد معادلةٍ جديدةٍ يتجنّب فيها الضغط الأميركي، وبما يعود بالفائدة القصوى له، وتتمثل بالانخراط المباشر ضد روسيا، ولكن ليس في أوكرانيا، بل في إيران، وليس بتقديم السلاح لكييف، بل بتسويق فكرة أنه الأقدر على تدمير السلاح الإيراني الذي يُزعم إن طهران تزوّد به موسكو. وظنّ كاتب هذه السطور أن قصف مواقع عسكرية قيل إنها مجمع للصناعات الدفاعية في أصفهان في نهاية الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) كان نوعاً من التدريب الأولي أمام الأميركان، وربما بمشاركتهم، عما يمكن لإسرائيل فعله لصالح أوكرانيا، من دون الانخراط عسكرياً معها ضد روسيا بشكل مباشر، وعلى الأرضين، الأوكرانية والروسية.
وصحيح أن وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية التي انفردت بالتسريبات الدالّة بشأن القصف تحدّثت عن قصفٍ طاول أهدافاً لا صلة لها بإنتاج الطائرات المسيّرة الإيرانية التي تزوّد بها طهران موسكو، إلا أن تغريدة لمستشار زيلينسكي، مخايلوبود ولياك، أشارت، للمرّة الأولى، وبشكل أغضب إيران، إلى أن الضربة في أصفهان مرتبطةٌ بالحرب في أوكرانيا. إذا صحّ هذا، يمكن فهم الأهداف غير المعلنة للزيارات المتتابعة لوزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركيين، أنتوني بلينكن وجاك سوليفان ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى تل أبيب، وكون قصف أصفهان وقع بعيْد مغادرة الأخير. أما فكرة أن هدف هذه الزيارات خفض التصعيد في القدس بعيد اقتحام جنين وعملية خيري علقم، فساذجة، وكان بإمكان مسؤول أميركي واحد ممن سبق ذكرهم القيام بهذه المهمة بالهاتف، على ما جرت العادة غالباً في أحداث سابقة. كان الهدف كبح إسرائيل من جنوحها اليميني داخلياً، كي لا تتحوّل إلى عبءٍ على واشنطن لا تستطيع الدفاع عنه، والضغط على تل أبيب لتكون شريكاً، أي جعلها تدفع الثمن مقابل حمايتها من نفسها إذا صحّ الوصف. سوى ذلك لا يعني إسرائيل ولا الولايات المتحدة. ولنتذكّر أن أوكرانياتٍ كثيراتٍ هربْن إلى إسرائيل بعد نشوب الحرب وجدن أنفسهن ضحايا لتجّار الرقيق والدعارة في تل أبيب التي يراهن عليها زيلينسكي كثيراً.