هل تصبح أفريقيا لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمية؟
شهدت القارّة الأفريقية، في مناطقها الغربية خصوصًا، اكتشافاتٍ واعدة من النفط والغاز، في السنوات الأخيرة؛ ما يُكسبها أهمية متزايدة في سوق الطاقة العالمية، مع احتدام التنافس على مصادر الطاقة وخطوط إمدادها، وتغيّر خريطة الطاقة العالمية نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتوتر المتزايد بين الصين والولايات المتحدة الأميركية. وتذهب بعض التقديرات إلى أن اكتشافات الطاقة الأخيرة في القارّة الأفريقية قد تغير قواعد التعامل كليًا في أسواق الطاقة؛ نظرًا إلى قرب هذه القارة من أسواق الطاقة في الدول الأوربية الغربية خصوصًا، وإن كان مستبعدًا أن تشكل بديلًا من المنتجين التقليديين في الخليج وروسيا.
الظهور على خريطة الطاقة العالمية
زادت الاكتشافات التي شهدتها أخيرًا مناطق غرب أفريقيا من أهميتها في سوق الطاقة العالمية، خصوصا بعد حرب أوكرانيا وتحوّل أوروبا عن مصادر الطاقة الروسية. وتُصنَّف نيجيريا، وأنغولا، والجزائر، وليبيا، ضمن أكبر 20 دولة منتجة للنفط في العالم. كما تُصنَّف الجزائر، ومصر، ونيجيريا، ضمن أكبر 20 دولة منتجة للغاز الطبيعي في العالم. وفي العقدين الأخيرين، انضمّت دول أفريقية أخرى إلى لائحة منتجي النفط والغاز، ليصل عددها إلى 19 دولة. وتتمحور غالبية الاكتشافات النفطية والغازيّة الجديدة في أفريقيا في المنطقة الغربية المطلّة على خليج غينيا، ولا سيما في دول مثل السنغال، وكوت ديفوار، وغانا، ونيجيريا، وأنغولا، والغابون. ومن المعلوم أن شرق أفريقيا شهد أيضًا اكتشافاتٍ مهمة في مجال الطاقة، في دول مثل موزمبيق، وتنزانيا.
شهدت أفريقيا، خلال السنوات العشر الماضية، زيادةً كبيرة في حصّتها من اكتشافات الغاز الجديدة على مستوى العالم وصلت إلى 40%
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014، أسهمت في تنامي عدد شركات الطاقة التي تعمل في استكشاف أو تطوير حقول النفط والغاز في القارّة الأفريقية؛ حتى بلغ عددها قرابة 200 شركة، تعمل في 48 من أصل 55 دولة أفريقية. وقد أظهر التقرير الصادر عن مجموعة الأبحاث البيئية Urgewald أن مستوى الاستثمار الرأسمالي في مجال التنقيب عن النفط والغاز في أفريقيا ارتفع على نحوٍ ملحوظ خلال عام 2022، ليصل إلى نحو خمسة مليارات دولار، مقارنة بـ 3.4 مليارات دولار في عام 2020. وتقدر المجموعة نفسها بأن 89% من البنية التحتية الجديدة، المخصصة لتطوير واكتشاف الغاز في أفريقيا، جرى بناؤها من أجل تصدير الغاز إلى قارتَي أوروبا وآسيا. وتقدر شركة ماكينزي وشركائه McKinsey & Company أن الطلب على مصادر النفط والغاز في أفريقيا سيشهد نموًا قويًا حتى عام 2040، بنسبة تصل إلى نحو 30%. كما أن التوجه نحو مستقبلٍ يعتمد على الطاقة المنخفضة الكربون قد يفتح أبوابًا جديدة للدول الأفريقية المنتجة للغاز، ولا سيما التي برزت في الآونة الأخيرة على خريطة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتصديره.
والواقع أن أفريقيا شهدت، خلال السنوات العشر الماضية، زيادةً كبيرة في حصّتها من اكتشافات الغاز الجديدة على مستوى العالم وصلت إلى 40%. وبحسب المعطيات المتوفرة، تمتلك ما يقارب نصف الدول الأفريقية احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي؛ ما يجعل من القارّة الأفريقية موطنًا لقرابة 9% من إجمالي احتياطيات الغاز في العالم، ومنتجًا لحوالى 6%. ويعدّ الغاز الأفريقي مصدر الطاقة الأسرع نموًا في العالم؛ إذ ازداد إنتاجه بمعدل 4.2% سنويًا بين عامي 2011 و2019. وفي عام 2022، ارتفع إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في أفريقيا بنسبة 3.43% مقارنة بعام 2021. وتسعى شركات الطاقة العاملة في القارّة الأفريقية لتطوير محطات جديدة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال، بسعة إنتاجية تبلغ 87 مليون طن سنويًا حتى عام 2035؛ ما يعني زيادة في سعة إنتاج محطات الغاز الطبيعي المسال الحالية بنسبة 116%.
يقدّر إنتاج النفط الخام في أفريقيا بنحو 10 ملايين برميل يوميًا، وهو تقريبًا مستوى إنتاج المملكة العربية السعودية نفسه، ويمثل 10% من إنتاج النفط العالمي
ويقدّر احتياطي أفريقيا من الغاز بأكثر من 17.56 تريليون متر مكعب في عام 2021؛ وهو يعادل تقريبًا نصف احتياطيات روسيا المؤكدة من الغاز (37.4 تريليون متر مكعب) بحسب تقديرات عام 2020. وتتركّز معظم الاحتياطيات في شمال القارة (ليبيا، والجزائر، ومصر) وغربها المطل على خليج غينيا (نيجيريا، وأنغولا، وجمهورية الكونغو، والغابون). وتحظى نيجيريا بأكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في القارّة الأفريقية بتقديرات تبلغ 5.6 تريليونات متر مكعب.
وفيما يتعلق بالنفط، فعلى الرغم من تقليص بعض الشركات العالمية جهودها في تطوير موارد النفط في أفريقيا، مثل بريتيش بتروليوم British Petroleum وإكسون موبيل Exxon Mobil وشل Shell؛ الأمر الذي تزامن مع تراجع حصّة القارّة الأفريقية من إنتاج النفط العالمي من 12.3% في 2010 إلى 10% في 2022، فإن شركات أجنبية عديدة لا تزال تتنافس لتعزيز اكتشافاتها النفطية في القارّة. ويرجع ذلك على نحوٍ رئيس إلى أن أكثر من ثلث إنتاج الغاز في أفريقيا غاز مصاحب للنفط. لذلك، تسعى هذه الشركات لإضافة نحو 15.8 مليار برميل من النفط إلى حصتها الإنتاجية بحلول عام 2030. ويقدّر إنتاج النفط الخام في أفريقيا بنحو 10 ملايين برميل يوميًا، وهو تقريبًا مستوى إنتاج المملكة العربية السعودية نفسه، ويمثل 10% من إنتاج النفط العالمي. ويقدر احتياطي النفط المؤكد في القارة بنحو 12% من إجمالي احتياطيات النفط في العالم. ويتركّز معظم إنتاج النفط في أفريقيا في دول شمال القارّة وغربها. وتسيطر نيجيريا، وأنغولا، والجزائر، وليبيا، على الحصة الأكبر من إنتاج النفط على مستوى أفريقيا. في حين تعدّ ليبيا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة بنحو 48.36 مليار برميل نفط، تليها نيجيريا، والجزائر، ومصر، وأنغولا، وتشكّل هذه الدول مجتمعة نحو 85% من احتياطي النفط في القارّة.
تبلغ الاحتياطيات المؤكدة للنفط في النيجر حوالى 3.8 مليارات برميل. أما احتياطيات الغاز فتقدر بحوالى 34 مليار متر مكعب
أهمية الاكتشافات الأخيرة
تعدّ منطقة غرب أفريقيا محورًا رئيسًا في اكتشافات النفط والغاز الأخيرة؛ إذ تستحوذ على 60% من الاكتشافات التي جرت في السنوات الخمس الماضية في القارّة، ويُقدّر إجمالي اكتشافات الغاز الطبيعي بنحو 50 تريليون قدم مكعبة. وفي أيار/ مايو 2017، كشفت شركة بريتش بتروليوم بالتعاون مع كوزموس إنرجي الأميركية Kosmos Energy عن اكتشاف مهم قبالة سواحل السنغال، يقدر بـ 15 تريليون قدم مكعبة من الغاز. وفي عام 2019، أظهرت نتائج أبحاث شركة إيني الإيطالية Eni وجود كميات مهمة من الغاز في غانا تقدّر بما بين 550 و650 مليار قدم مكعبة. وفي عام 2021، أعلنت شركة بي دبليو إنرجي BW Energy، عن اكتشافات مهمة في غانا، وفي كوت ديفوار عبر شركة إيني، تشير التقديرات الأولية إلى أنها تضم ما بين 1.5 و2 مليار برميل من النفط، وما بين 1.8 و2.4 تريليون قدم مكعبة من الغاز المصاحب. ومنذ أول اكتشاف للنفط في النيجر في عام 2011، شهدت البلاد موجة من الاكتشافات النفطية والغازية المهمة. وخلال الفترة 2011-2019، ضخ قطاع الطاقة في النيجر أكثر من ملياري دولار في الاقتصاد الوطني. وتسعى النيجر إلى رفع إنتاجها النفطي من 20 ألف برميل يوميًا حاليًا إلى 110 آلاف برميل يوميًا بحلول نهاية عام 2023، لكن من غير الواضح كيفية تأثر هذه الخطط مستقبلًا بالتطورات التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد أواخر شهر تموز/ يوليو 2023. وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة للنفط في النيجر حوالى 3.8 مليارات برميل. أما احتياطيات الغاز فتقدر بحوالى 34 مليار متر مكعب.
باتت احتياطيات موريتانيا من الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج تصل إلى 100 تريليون قدم مكعبة
وتنحو بعض شركات الطاقة العالمية إلى التنقيب في أحواض بحرية لدول ليس لديها تاريخ في إنتاج النفط والغاز في منطقة غرب أفريقيا، بناء على توقّعات بوجود احتياطيات ضخمة من موارد الطاقة. ففي أيلول/ سبتمبر 2022، قدمت شركة زينيث إنرجي الكندية Zenith Energy للنفط عرضًا لجمهورية بنين من أجل الحصول على رخصة التنقيب عن النفط والغاز في حقل بحري قريب من سواحلها. وفي عام 2017، وقّعت شركة توتال إنيرجيز TotalEnergies الفرنسية عقدًا مع حكومة غينيا للتنقيب عن النفط والغاز في سواحلها، متوقعة أن يكون لذلك دورٌ في إعادة تشكيل قطاع الطاقة في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا. وفي عام 2021، سمحت غينيا بيساو لعدد من شركات الطاقة العالمية ببدء التنقيب الاستكشافي عن النفط والغاز في 11 منطقة بحرية. وفي نيسان/ أبريل 2023، قالت هيئة تنظيم النفط الحكومية في ليبيريا إن شركة إكسون موبيل تقدمت بطلب للتنقيب الاستكشافي لأربع مناطق نفطية بحرية محتملة في ليبيريا. ويتوقع أن تشهد موريتانيا أيضًا تطورات مهمة في هذا المجال، فعلى إثر عمليات التنقيب التي قامت بها شركات أميركية وبريطانية وفرنسية منذ عام 2019، باتت احتياطيات موريتانيا من الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج تصل إلى 100 تريليون قدم مكعبة؛ ما قد يضعها بين الدول السبع الكبرى في أفريقيا من حيث احتياطيات الغاز.
تُشير التقديرات إلى وجود نحو سبعة تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي والنفط في حوض أوغادين الإثيوبي
وإلى الجنوب، برزت ناميبيا في العامين الأخيرين، بوصفها من أكثر الدول الواعدة في اكتشافات الغاز والنفط. ففي شباط/ فبراير 2022، توصلت شركتا توتال إنرجيز وقطر للطاقة لاكتشاف مهم للنفط الخفيف والغاز المصاحب في منطقة "فينوس" الواقعة بمربع "2913 بي"، الذي يغطي أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر مربع من المياه العميقة في ناميبيا. وسبق ذلك في كانون الثاني/ يناير 2022 إعلان شركة شل العثور على كميات كبيرة من النفط والغاز في بئر الاستكشاف "غراف-1". وتمتلك ناميبيا احتياطي يقدر بـ 11 مليار برميل من النفط، و2.2 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
على المنوال نفسه، تشهد منطقة شرق أفريقيا اكتشافات مهمة في مجال الطاقة. فعلى سبيل المثال، يُتوقع أن تصبح موزمبيق، التي تحتل المرتبة الثالثة في أفريقيا من حيث الاحتياطيات المؤكدة للغاز، خلف نيجيريا، والجزائر، من أكبر عشر دول مصدرة للغاز عالميًا. وسجلت تنزانيا اكتشافات جديدة مهمة في مجال النفط والغاز، رفعت احتياطياتها المؤكدة من الغاز الطبيعي إلى أكثر من 57 تريليون قدم مكعبة. ومع أن هذه الدولة الأفريقية تأخّرت في استغلال الغاز، الذي اكتشف أول مرّة في عام 1974 نظرًا إلى عقبات سياسية وقانونية، فإن إنتاجها من الغاز الطبيعي وصل في نهاية عام 2017 إلى نحو 110 مليارات قدم مكعبة سنويًا. ومع تجدد التركيز على قطاع النفط والغاز، تهدف تنزانيا إلى تحقيق إنتاج سنوي يقدر بـ 10 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا. وعلى الرغم من أن إثيوبيا كانت ضمن الدول العشر الأخيرة عالميًا من حيث احتياطيات النفط حتى نهاية عام 2022، فقد أظهرت دراسة أُجريت حديثًا عن إمكانية وجود احتياطيات كبيرة في منطقة ورئيلو بحوض النيل في إقليم أمهرا، تُقدّر بأكثر من 2 مليار برميل من النفط. إضافةً إلى ذلك، تُشير التقديرات إلى وجود نحو سبعة تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي والنفط في حوض أوغادين الإثيوبي. ووفقًا للخبراء، تقدر احتياطيات أوغندا الكلية بـستة مليارات برميل من النفط، منها 1.4 مليار برميل قابل للاستخراج، ما يمهد الطريق لهذا البلد ليكون منتجًا للنفط في شرق أفريقيا. وفي عام 2019، صدّرت كينيا أول شحنة من النفط الخام (200 ألف برميل) وهو رقم متواضع ولكنها تصبح بذلك ثاني دولة في شرق أفريقيا تنضم إلى الدول المصدرة للنفط بعد جنوب السودان، وتشير التقديرات الأولية إلى وجود أكثر من أربعة مليارات برميل نفط قابلة للاستخراج في كينيا.
زادت الحرب الأوكرانية الاهتمام بمصادر الطاقة في القارة الأفريقية، التي يعطيها قربها من أوروبا أفضلية على بقية مناطق إنتاج الطاقة في العالم
خاتمة
على الرغم من أن الاهتمام بثروات أفريقيا من الغاز والنفط تسبق اندلاع الحرب في أوكرانيا، فإن هذه الحرب زادت الاهتمام بمصادر الطاقة في القارّة الأفريقية، التي يعطيها قربها من أوروبا أفضلية على بقية مناطق إنتاج الطاقة في العالم. وسوف تؤدّي زيادة الاهتمام تلك على الأرجح إلى تحويل أفريقيا إلى لاعب مهم في سوق الطاقة العالمية مع تنامي الاكتشافات فيها، من دون أن ينتقص ذلك من أهمية بقية اللاعبين، خصوصا في منطقة الخليج التي تبقى دولها مجتمعة أكبر منتج للطاقة في العالم. لكن زيادة الاهتمام بمصادر الطاقة الأفريقية ستؤدّي في المقابل إلى احتدام الصراع السياسي داخلها الذي قد يتخذ طابعًا قبليًا أو إثنيًا في بعض الحالات، وكذلك التنافس بين الشركات والدول عليها، خصوصًا مع تصاعد التنافس الجيوسياسي بين القوى الرئيسة المهتمة بالقارّة وثرواتها (دول جنوب أوروبا، وعلى رأسها فرنسا، إضافة إلى روسيا، والصين، والولايات المتحدة). وقد يكون لذلك نتائج سلبية على أمن هذه الدول واستقرارها، على غرار ما حصل في السنوات الأخيرة في منطقة الساحل من انقلابات وصراعات على السلطة وفقدان السيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ من أراضي تلك الدول لصالح جماعات متطرّفة.