هل تصل "كرة الثلج" إلى العراق؟
كومة وقائع حدثت في الأسبوع الأخير تحمل دلالاتٍ كثيرة على أن "كرة الثلج" التي نزلت على دمشق شرعت تتدحرج، وهي في طريقها إلى العراق، وأن ثمّة تغييرات دراماتيكية يتوقع أن تطاول الخريطة السياسية العراقية، لتشكل نهاية لتجربة مرة وقاسية عاشها العراقيون منذ أكثر من عقدين، وآن لها أن تنتهي على نحو أو آخر.
ورغم أن هذه الكومة من الوقائع قد اختلطت، وأصبح الفرز بينها صعباً، إلا أن ما رشح من كلام هذا الطرف أو ذاك، وما كشفته حالة الرعب والقلق لدى سياسيين نافذين، ولدى من يسمّونهم "رجال دولة" أعطتنا أكثر من مؤشّر إلى أن ما يجري أكبر مما توقع كثيرون، وأن الحركة الدبلوماسية المكوكية التي شهدتها بغداد تحمل في جعبتها الكثير، فقد حط وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مطار بغداد في زيارة مفاجئة من دون علم السلطات العراقية، وتوجه من المطار إلى مقر الحكومة ليلتقي برئيسها محمد شياع السوداني، ثم إلى سفارة بلده ليستمع إلى قائد القوات المركزية الأميركية في سورية والعراق الذي قدّم له إحاطة سريعة بوضع قواته. يطير السوداني بعد ذلك إلى عمّان ليلتقي بالعاهل الأردني عبد الله الثاني الذي يطير بعد اللقاء إلى الإمارات ليجتمع برئيسها محمد بن زايد، ويعود السوداني ليجتمع بوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، ثم بوزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، ثم يلتقي بوفد عسكري أميركي عالي المستوى، ثم يجري اتصالات هاتفية مع ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان، والرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي، والفرنسي إيمانويل ماكرون. وبعد هذا كله، يجتمع ممثلون عن هذه الدول في العقبة ليبحثوا موضوع سورية، لكن العراق يظل حاضراً في صميم الاجتماع، ليس بشخص السوداني فحسب، إنما أيضاً لأن ما يجري بحثه يهم العراق أكثر من أي بلد آخر، إذ ثمّة ما يتوقعه الجميع أن "كرة الثلج" التي نزلت على دمشق شرعت تتدحرج لتصل إلى بغداد، وربما منها إلى طهران، وخاصة أن فرق التوقيت بين العاصمتين لا يتجاوز النصف ساعة!
هذا ما جعل الأميركيين يحذّرون زعماء بغداد من أن صلاحيتهم أوشكت على الانتهاء، وأن إعادة تشكيل التحالفات الدولية، والترابط بين القوى المؤثرة يستوجب دخول المنطقة في معادلات جديدة، وقد طلبوا من السوداني أن يقصي عن المشهد المليشيات والشخصيات التي تأتمر بأمر إيران وتنفّذ مخطّطاتها، وأن يوقف أي خطط قد تعمد إليها هذه المليشيات للتدخّل في الوضع السوري. ويريد الأميركيون من هذا تحقيق انتقال سياسي سلس، يتضمّن إصلاحات عميقة في البنية التحتية والنظام السياسي، بحيث تقود تلك الإصلاحات إلى تبوء العراق مركزا قياديا في المنطقة متحالفا مع الغرب.
يريد الأميركيون تحقيق انتقال سياسي سلس، يتضمّن إصلاحات عميقة في البنية التحتية والنظام السياسي
وحيث أن قرارات صعبة كهذه لا يستطيع السوداني اتخاذها إذا لم يستند إلى جهة قادرة على فرض القرار، فكر الأميركيون باللجوء إلى المرجع علي السيستاني الذي له دالّة على النخبة الحاكمة بحكم موقعه الديني، وكان أن التقى ممثل الأمم المتحدة في العراق محمّد الحسّان السيستاني لإبلاغه الرسالة المطلوبة التي ترى "ضرورة اتخاذ قرارات جريئة وعاجلة"، وهذا ما أفصح عنه الحسّان نفسه.
يتضح هنا أن الولايات المتحدة، بعدما أدركت أن "رجالها" في العراق نقلوا ولاءهم إلى دولة "الولي الفقيه" ولم يعد من الصواب التعويل عليهم في إحداث النقلة المطلوبة في "العملية السياسية" التي كانت هي التي هندستها من قبل، فكرت في ما نسميه في علم السياسة "الردع الذكي"، الذي تمثل في إنذارها الذي نقله بلينكن أخيراً، والذي أرهب طهران، فسارعت إلى إعطاء وعد لواشنطن، عبر دولة وسيطة، بأنها ستُحجم عن التدخل في الشؤون العراقية، وسترفع يدها عن مليشياتها هناك. وبالطبع، تعوّل طهران في وعدها هذا على رضا أميركي يضمن سلامة رأسها، ويفتح أمامها فرصة التفاوض على الاتفاق النووي من جديد.
ولكن التغيير المطلوب لا يتحقق بين يوم وليلة، فثمّة رهانات من أطراف عديدة مستعدّة لركوب الموجة، من ذلك ما ظهر على السطح من دعوة رؤساء البرلمان السابقين والرئيس الحالي لحوار وطني بين كل الفاعلين السياسيين لمواجهة متطلبات المرحلة الحاضرة، وكذلك ما طرحته شخصياتٌ يساريةٌ عن ضرورة الالتفاف حول خيار الدولة الوطنية التي تعتمد التعدّد والتنوع والحريات والحقوق، كما أن البعثيين وأنصار النظام السابق يعملون على تجميع أنفسهم، والتصدّي للعب دور فاعل في حركة التغيير المطلوبة.
يبقى أن نقول إن عامل الحسم في كل هذه "الخلطة" سوف يتقرّر على يد الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، القادم في مطلع العام، وعندئذ سوف يكون لكل حادث حديث.