هل تضع عملية عسكرية أردنية سورية تحت الوصاية الدولية؟
عندما يقول العاهل الأردني، عبد الله الثاني، من منبر الأمم المتحدة، إنه لا يعلم مدى قدرة الرئيس السوري، بشّار الأسد، في السيطرة على سورية، فهذا مؤشّر خطير عما يجول في رأس الملك، لكن ما ضاع تفسيرُه في كلامه جاء مفصّلاً ودقيقاً وواضحاً بتصريح وزير خارجيته، أيمن الصفدي، لمحطّة سي إن إن: "لمواجهة تهريب المخدّرات، من الضروري أن ننهي هذه الأزمة، لأننا عانينا الكثير من عواقبها. لا يمكننا التعايش مع الوضع الراهن بعد الآن، علينا أن نفعل شيئاً، وسنعمل مع الجامعة العربية، ولكننا سنعمل أيضاً من خلال تدابيرنا وقنواتنا الخاصّة، لمواجهة أي تهديد للأمن الأردني. ونحن لا نأخذ تهديدات تهريب المخدّرات باستخفاف، وإذا كنا لا نرى أي تدابير فعّالة لكبح جماح هذا التهديد (ويقصد من سلطات نظام دمشق)، فسنفعل كل ما يلزم لوقف هذا التهديد، بما في ذلك عمل عسكري داخل سورية".
تأتي تلك التصريحات، بخطورتها وأهميتها، عقب شبه إجماعٍ على فشل التطبيع العربي مع دمشق، بعد رفض نظام الأسد تطبيق الشروط العربية، خصوصا المتعلقة بوقف إنتاج المخدّرات وتهريبها، وتقليل المليشيات الإيرانية وتوابعها أو طردهما من الأراضي السورية، وعدم تجاوب سلطات دمشق مع قرار مجلس الأمن 2254، خصوصا بما يتعلق بخلق البيئة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، واعتبار معظم الطلبات العربية للتطبيع مع دمشق، كما قال وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، تمسّ السيادة السورية.
ومع هذا الواقع، بدأت تتسرّب معلومات عن عملية عسكرية أردنية داخل الأراضي السورية وعبر الحدود الجنوبية، وأن الجهود العسكرية البرّية الأردنية (وقد يشارك الجيش الحر "جيش سورية الجديدة" التابع للتحالف الدولي في قاعدة التنف بالعملية العسكرية الأردنية) قد تحصل على تغطية جوية أميركية، وقد تشارك أسراب الطائرات الإسرائيلية بتغطية تلك العملية أيضاً. وقيل إن هناك بنك أهداف تم جمعُه عبر جهود طائرات الاستطلاع (أواكس) والطيران المسيّر، الأميركي والإسرائيلي والأردني، العاملة في السماء السورية، وأنه تم توزيع تلك الأهداف، ليجري تدميرها في أوقات ومواعيد محدّدة، ستترافق مع انطلاقة العملية البرّية الأردنية داخل الأراضي السورية.
الأردن قد يطالب دمشق أيضاً باتفاقٍ مشابهٍ لاتفاق أضنة (مع تركيا في 1998)، يشرعن للأردن القيام بأي عملية عسكرية مستقبلاً داخل الأراضي السورية، وإلى أعماق محدّدة
في معرض الأسباب والموجبات، تناقلت أخبار عن ازدياد عمليات تهريب السلاح والمخدّرات من سورية إلى الأردن عبر الطرق البرّية وعبر الطائرات المسيّرة، لكن الخطورة، ووفق بعض المصادر، أتت من اكتشاف السلطات الأردنية أنفاقا تحت أرضية بطول عدّة كيلومترات، على شاكلة أنفاق قطاع غزّة، تخترق الحدود السورية الأردنية، يتم من خلالها نقل ملايين الحبوب المخدّرة إلى داخل الأردن، ومن ثم يتم نقلها عبر مرحلة ثانية إلى عدّة جهات، فمنها ما يُهرّب إلى فلسطين، ومنها ما يأخذ طريق سيناء نحو مصر، ومنها ما يتم نقله إلى دول الخليج العربي.
في موازين القوى العسكرية، لا قدرة لجيش الأسد الممزّق والمنهك وشبه المتلاشي على مواجهة الجيش الأردني، ولا يتوقّع أن تتورّط إيران عبر مليشياتها الموجودة في سورية بحرب ضد الأردن، الباحث عن أمن حدوده وأمن شعبه، خصوصا إذا ما حظيت العملية العسكرية الأردنية بتغطية جوية أميركية إسرائيلية (كما هو متوقّع). أما الغطاء السياسي لتلك العملية ومدى شرعيتها وقبولها إقليمياً ودولياً، فالمتوقّع أن تحظى بقبول مصري خليجي، إضافة إلى الغطاء الأميركي أو موافقة التحالف الدولي، باعتبار أن خطر مخدّرات الأسد وإيران وحزب الله بات يهدّد الدول العربية والإقليمية وكامل دول حوض البحر الأبيض المتوسّط.
وقد تحدّثت مصادر أن العملية العسكرية الأردنية قد لا تكتفي بتدمير مصانع وخطوط إنتاج المخدّرات وتهريبها في كلّ من أرياف حمص والقلمون وريف الساحل وأرياف دمشق والجنوب السوري، بل قد تتعدّاها لإقامة منطقة عازلة أو أمنية، على غرار ما فعلته تركيا على الحدود السورية الشمالية المشتركة معها، وأن الأردن قد يطالب دمشق أيضاً باتفاقٍ مشابهٍ لاتفاق أضنة (مع تركيا في 1998)، يشرعن للأردن القيام بأي عملية عسكرية مستقبلاً داخل الأراضي السورية، وإلى أعماق محدّدة، إزاء أية أخطار تهدّد الأمن والشعب الأردنيين من دون الحاجة لإذنٍ مسبقٍ من دمشق.
تأثير عملية عسكرية أردنية في جنوب سورية، مع إشارة الملك عبدالله الثاني إلى فقدان الأسد السيطرة على سورية، قد يؤسّسان لما عُرف بمبدأ "مسؤولية الحماية"
ولكن تأثير العملية العسكرية الأردنية، مع إشارة الملك عبدالله الثاني إلى فقدان بشّار الأسد السيطرة على سورية، قد يؤسّسان لحالة قانونية تجعل من سورية دولة فاشلة، وما عُرف بمبدأ "مسؤولية الحماية"، واعتبار السلطات فيها غير قادرةٍ على ضبط حدودها ومنع تهديد دول الجوار، خصوصا أن الحدود مع العراق تسيطر عليها مليشيات إيران، والحدود مع لبنان تسيطر عليها مليشيات حزب الله، والحدود التركية السورية (915 كلم) أكثر من 90% منها خارج سيطرة الأسد (قسم تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، والقسم الآخر تحت سيطرة الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام). أما الحدود الغربية الساحلية فهي تحت السيطرة الروسية، حتى خط فك الاشتباك مع إسرائيل في الجولان السوري، فقد تخطّته دبّابات الجيش الإسرائيلي أكثر من مرّة للقيام بعملياتٍ أو ضرباتٍ وقائيةٍ واستباقيةٍ تجاه أخطارٍ تعتبرها إسرائيل تهدّد أمنها وشعبها، وبالتالي، قد يُتّخذ قرار من الأمم المتحدة بوضع سورية تحت الوصاية الدولية، ورفع الشرعية عن سلطاتها بعد تصنيفها دولة فاشلة، ويعود إلى مجلس الأمن أن يقرّر ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدابير، فقد يشمل القرار عدم استخدام القوة، كما هو منصوص عليه في المادة 41، أو يجيز استخدامها وفقاً للمادّة 42.
تبقى نقطة استفسار لا جواب لها، هل ما يتم من انتفاضة شعبية في مدينة السويداء، وكامل جبل العرب ضد نظام الأسد، وعجز الأخير وخشيته من التعامل العسكري معها، له ارتباط بالعملية العسكرية الأردنية، وخصوصا عند الحديث عن منطقة آمنة أو عازلة؟ وهل تأتي العملية العسكرية ضرورة أردنية بتكليف دولي لحماية جبل العرب في الجنوب من مغامرات الأسد وإيران وحزب الله، أم أن كل الأمر مصادفة بحتة، ولا ارتباط فعليا بين ما يحصل في جبل العرب وقرار أردني بعملية عسكرية داخل سورية؟