هل علينا أن ننتظر "التسريبات الإسرائيلية"؟
كشف موقع إكسيوس أنّ العلاقات الأردنية الإسرائيلية شهدت توتراً شديداً في الأيام السابقة، بسبب اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى والمصلّين فيه. ونقل تصريحات لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين تقول إنّ عمّان أخذت موقفاً متشدّداً من الاقتحامات، ووصف وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بأنه كان غاضباً. فيما ذكر الموقع أنّ الإسرائيليين استعانوا بالأميركيين والإماراتيين لتهدئة الخطاب الأردني، بخاصة خطاب الصفدي، الذي اتهمه الإسرائيليون بإثارة التوتّرات، لكن الردّ من الصفدي تمثل بأنّ من يثير التوتر والمشكلات هي الممارسات الإسرائيلية.
الطريف أنّ أحد المسؤولين الإسرائيليين وصف الصفدي بأنّه بن غفير الأردن، في الإشارة إلى وزير الأمن الإسرائيلي المعروف بتطرّفه الديني والسياسي. ومعروف أنّ الصفدي بعيد كل البعد عن هذه الصفات (التطرّف الديني والتشدّد السياسي)، لكنه، في المقابل، معروفٌ بمواقفه الواضحة في موضوع القدس والقضية الفلسطينية، وهي المواقف التي برزَت بصورة كبيرة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، منذ الصدام بين الأردن وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على خلفية نقل السفارة الأميركية من القدس، وثانياً صفقة القرن والتوجهات الأميركية في حينها التي كانت توسم بالتبنّي الكامل لخط اليمين الإسرائيلي المتطرّف.
موقف مشرّف للأردن، وهو أقلّ المطلوب في مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة، ويبيّن حقيقة المواقف الأردنية وراء الكواليس. والمفارقة أنّ الترويج في أوساط سياسية واسعة للأسف دوماً يذهب إلى اتهام الأردن بخطابٍ مختلفٍ وراء الكواليس، يقوم على المهادنة والمداهنة، لكن هذه "التسريبة" الإسرائيلية تؤكّد نقيض ذلك. ووصف الصفدي بأنّه بن غفير الأردن يُحسَب له وللموقف الأردني، بما أنّه صادر عن الإعلام الصهيوني، وهذا موقفٌ قديمٌ ضد وزير الخارجية من الحكومات الإسرائيلية التي طالما شكت منه واتهمته بأنّه من "صقور" السياسة الأردنية، بخاصة في مرحلة ترامب - كوشنير الخطيرة، خلال نقل السفارة وصفقة القرن، والضغوط على الأردن لتخفيف حدّة الخطاب السياسي أو القبول بتلك الصفقة.
لكن السؤال ليس هنا، بل لماذا فعلاً ننتظر الإعلام الإسرائيلي ليقول لنا هذا الكلام المهم عن الموقف الأردني؟ ولماذا لم يكن التسريب عبر الإعلام الأردني، وليس الإسرائيلي؟ هذه مشكلة تكاد تكون "أزلية" لدى المسؤولين الأردنيين، فهم لا يؤمنون بالإعلام وبدوره الحيوي المطلوب في تشكيل رافعة حقاً، ليس فقط للسياسات الأردنية، بل حتى للدور الأردني نفسه، ولعكس وجهة النظر الرسمية عبر قنوات أخرى غير رسمية، وهي الآفة (الضمور الإعلامي) التي ساهمت، في أحيانٍ كثيرة، في تشويه صورة الأردن وإضعافها وتعزيز الروايات المضادّة وتعبئة الرأي العام بها!
في اجتماع العقبة، رغم أنني لستُ من مؤيديه ولم أقتنع بحججه، تُرك الأردنيون والفلسطينيون لما بثّه الإعلام الإسرائيلي وملأ الفضاء العام، وصُوّر الموقف الأردني بأنّه مؤامرة على "المقاومة الفلسطينية" الجديدة، وقيل إن هنالك تدريبا للشرطة الفلسطينية لقمع الفلسطينين في الأردن. ولم نجد، في المقابل، رواية بديلة، بالرغم من أنّ للمسؤولين في دوائر القرار مبرّرات وتفسيرات مطوّلة وتحليلات وروايات بشأن ما دار في اجتماع العقبة والأهداف الاستراتيجية والتكتيكية التي حرّكت الأردن لعقد الاجتماع، وأبرزها الضغط على حكومة نتنياهو وتفجيرها من الداخل، والتنسيق مع الإدارة الأميركية التي تمتاز علاقتها بالحكومة الإسرائيلية الحالية بالتوتّر أصلاً.
المشكلة الحقيقية أنّ هنالك عدم إدراك لدى المسؤولين الأردنيين لأهمية الرواية الإعلامية في بناء الموقف القوي للدولة في مهمّاتها الدبلوماسية. والمسألة ليست فقط كسب الرأي العام المحلي أو حتى الفلسطيني والعربي، بل قوة موقف الدولة نفسها، لأنّ الإعلام اليوم ومعه العالم الافتراضي أصبح مسرحاً مهماً ورئيسياً من مسارح القوة، وبما يفوق، في أحيانٍ كثيرة، الأسلحة العسكرية الفتّاكة.
لدى الأردن أزمة رواية إعلامية مستدامة، واستهتار في أهميتها في السياسات الأردنية، داخلياً وخارجياً، وهذه الأزمة بمثابة "ثقب أسود" أضرّ بصورة الأردن، داخلياً وخارجياً، ما أدّى إلى تراكم صورة انطباعية للأسف تضع الأردن في موقف المتهم دوماً، وهي صورةٌ يروّجها سياسيون وقوى سياسية أردنية وعربية، منذ فترة طويلة، لأنّ المسؤولين، باختصار، غير مدركين أهمية الإعلام ورسالته وروايته في بناء السياسات والقوة داخلياً وخارجياً.