12 فبراير 2021
هل كان التدخل التركي لصالح الثورة السورية؟
لم يكن التدخل التركي في الحرب المشتعلة في سورية لصالح الثورة. هذه هي الإجابة المباشرة لهذا السؤال. بل كان التدخّل لأجل مصالح الدولة التركية. بدايةً، يصعب التصديق ونحن نعيش في عصر "الدولة القومية" أن تتدخّل دولةٌ ما في أراضي دولةٍ أخرى لدوافع وأسباب بخلاف مصالحها القومية، سواء البعيدة منها أو القريبة. وحتّى وإن كان هذا التدخّل يتحقّق منه مناصرة شعب يُقتّل في إبادة جماعية لم توقفها أي قوة كبرى على مرأى العالم. حدث هذا في الحالة التركية بلا شك.
بدأ التدخل التركي العسكري في المناطق السورية عقب التمدد الكردي في منطقة غرب الفرات، بعد أن شكّلت الولايات المتحدة بالتعاون مع الأكراد تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المنبثق عن "قوات حماية الشعب الكردية" في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015، وذلك لأجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المناطق التي سيطر عليها بعد إعلان دولته المزعومة عام 2014.
كانت معادلة الحرب المشتركة مفيدة للطرفين، الأميركي والكردي، على السواء؛ إذ هدفت الولايات المتحدة إلى القضاء على "الدولة" التي شكلها تنظيم الدولة الإسلامية، وهَدَفت القوى الكردية إلى الاستيلاء على أراضي شرق الفرات الكاسحة لوصلها بكردستان العراق، تمهيدًا لإنشاء دولتهم القومية التي
يطمحون للإعلان عنها. كانت هذه هي الفرصة التاريخية الذهبية التي جاءت للأكراد على طبقٍ من ذهب. ففي واقع الأمر، كان الوجود الكردي قبل الحرب السورية متركزًا في أربعة جيوب شمالية على الحدود التركية السورية، ولم يكن لهم وجود متركز في منطقة شرق الفرات سوى بنسبة 10% – 20 % حسب بعض التقديرات، في حين كان العرب المكون الأعم الذي يصل إلى 75%. أمّا غير العرب وغير الأكراد من القوميات الأخرى، فكانت نسبتهم أقلّ من 10%. إذن، النتيجة المباشرة لحرب التحالف الدولي على تنظيم الدولة الإسلامية كانت ترك الأكراد يستولون على أراضي شرق الفرات الشاسعة، التي كان أوّل من أخرجها من سيطرة الأسد هم الفصائل السورية الثورية عام 2012. فاستولى الأكراد إذن على الجيوب الكردية الشمالية، ثم على المناطق التي فيها وجود كردي ضعيف، ثمّ استولوا على مناطق ليس فيها أكراد مطلقًا.
التمدد الكردي بتسهيل أميركي لم يكن يتوافق مع مصالح تركيا مطلقًا. إذ تخشى تركيا من تعاون حزب العمال التركي الكردي مع حزبه المنبثق عنه: الاتحاد الديقراطي في سورية الذي انبثقت عنه قوات حماية الشعب، والذي انبثق عنه "قسد". وتخشى تركيا أيضاً من النزعات الانفصالية لحزب العمال الكردستاني. ولذا، ما إن استولت "قسد" على مناطق شمال وشرق سورية مكافأة لها على حربه البرية ضد "داعش" حتّى قرّرت تركيا تحجيم وجود "قسد" في الشمال السوري على حدودها الجنوبية، تجنبًا لالتحام كردي بين أكراد جنوب تركيا وأكراد شمال سورية. لهذا، شنّ الجيش التركي حربًا برية بالتعاون مع فصائل ثورية سورية في عملية درع الفرات التي بدأت في أغسطس/ آب 2016 وانتهت في مارس/آذار 2017 ورأت تركيا أنّها أولى بقتال تنظيم الدولة الإسلامية، ما دام قتاله والانتصار عليه سيؤدي إلى استحقاق المناطق التي كان يسيطر عليها. انتهت عملية "درع الفرات" بالقضاء على تنظيم داعش في ريف حلب، وزعزعة حلم "روجافا"، أي الدولة الكردية السورية بوصل عين العرب بعفرين. ونتيجة ذلك، أضحى الشريط الحدودي ملاذًا آمنًا لآلاف المدنيين السوريين النّازحين.
انتهت عملية "درع الفرات" بتحقيق هذه الأهداف الثلاثة، وظلّت نقاط الحماية التركية في المناطق التي تهمّها لتمنع استيلاء الأكراد مجدّدًا على الشمال السوري غرب الفرات. ولكن في الحقيقة لم
يتحقق هدف إنهاء "روجافا" تمامًا وظلّت تركيا تمارس عملها التفاوضي والدبلوماسي مع روسيا وإيران والولايات المتحدة بشأن مصالحها وأمنها المهدّدين بسبب أكراد سورية، حتّى حانت ساعة الحسم التي ارتأتها لبدء عملية جديدة تنهي حلم "روجافا" تمامًا، وهي عملية "نبع السلام" التي بدأت في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ثمّ عُلّقت في الثاني والعشرين من نفس الشهر بعد التوصل لاتفاق مع روسيا والولايات المتحدة.
استطاعت تركيا تطويع فصائل ثورية سوريّة للحرب معها في "درع الفرات" في عامي 2016 – 2017 ثمّ الحرب معها ثانية هذا العام في عملية "نبع السلام". تمامًا كما فعلت الولايات المتحدة، حين أنشأت تنظيم "قسد" خصيصًا لخوض الحرب البرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي حين كان الاستيلاء على "الأرض" مكافأة الأكراد، كان توفير منطقة آمنة للسوريين اللاجئين في تركيا أو السوريين الفارّين من القصف الروسي في إدلب مكافأة الفصائل الثورية السورية على حربها مع الأتراك. لم يكن التدخل التركي لصالح الثورة السورية إذن، ولم يستفد السوريون سوى من شريط حدودي شمالي يقيمون فيه آمنين من القصف الروسي. وهذا ليس مفاجأة، فالتدخل التركي كان فصلاً من فصول الصراع الكردي ــ التركي طويل الأمد، وهو التدخل الذي تمليه ضرورات مصالح "الدولة القومية" التي تدافع عن مصالحها وفقط.
كانت معادلة الحرب المشتركة مفيدة للطرفين، الأميركي والكردي، على السواء؛ إذ هدفت الولايات المتحدة إلى القضاء على "الدولة" التي شكلها تنظيم الدولة الإسلامية، وهَدَفت القوى الكردية إلى الاستيلاء على أراضي شرق الفرات الكاسحة لوصلها بكردستان العراق، تمهيدًا لإنشاء دولتهم القومية التي
التمدد الكردي بتسهيل أميركي لم يكن يتوافق مع مصالح تركيا مطلقًا. إذ تخشى تركيا من تعاون حزب العمال التركي الكردي مع حزبه المنبثق عنه: الاتحاد الديقراطي في سورية الذي انبثقت عنه قوات حماية الشعب، والذي انبثق عنه "قسد". وتخشى تركيا أيضاً من النزعات الانفصالية لحزب العمال الكردستاني. ولذا، ما إن استولت "قسد" على مناطق شمال وشرق سورية مكافأة لها على حربه البرية ضد "داعش" حتّى قرّرت تركيا تحجيم وجود "قسد" في الشمال السوري على حدودها الجنوبية، تجنبًا لالتحام كردي بين أكراد جنوب تركيا وأكراد شمال سورية. لهذا، شنّ الجيش التركي حربًا برية بالتعاون مع فصائل ثورية سورية في عملية درع الفرات التي بدأت في أغسطس/ آب 2016 وانتهت في مارس/آذار 2017 ورأت تركيا أنّها أولى بقتال تنظيم الدولة الإسلامية، ما دام قتاله والانتصار عليه سيؤدي إلى استحقاق المناطق التي كان يسيطر عليها. انتهت عملية "درع الفرات" بالقضاء على تنظيم داعش في ريف حلب، وزعزعة حلم "روجافا"، أي الدولة الكردية السورية بوصل عين العرب بعفرين. ونتيجة ذلك، أضحى الشريط الحدودي ملاذًا آمنًا لآلاف المدنيين السوريين النّازحين.
انتهت عملية "درع الفرات" بتحقيق هذه الأهداف الثلاثة، وظلّت نقاط الحماية التركية في المناطق التي تهمّها لتمنع استيلاء الأكراد مجدّدًا على الشمال السوري غرب الفرات. ولكن في الحقيقة لم
استطاعت تركيا تطويع فصائل ثورية سوريّة للحرب معها في "درع الفرات" في عامي 2016 – 2017 ثمّ الحرب معها ثانية هذا العام في عملية "نبع السلام". تمامًا كما فعلت الولايات المتحدة، حين أنشأت تنظيم "قسد" خصيصًا لخوض الحرب البرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي حين كان الاستيلاء على "الأرض" مكافأة الأكراد، كان توفير منطقة آمنة للسوريين اللاجئين في تركيا أو السوريين الفارّين من القصف الروسي في إدلب مكافأة الفصائل الثورية السورية على حربها مع الأتراك. لم يكن التدخل التركي لصالح الثورة السورية إذن، ولم يستفد السوريون سوى من شريط حدودي شمالي يقيمون فيه آمنين من القصف الروسي. وهذا ليس مفاجأة، فالتدخل التركي كان فصلاً من فصول الصراع الكردي ــ التركي طويل الأمد، وهو التدخل الذي تمليه ضرورات مصالح "الدولة القومية" التي تدافع عن مصالحها وفقط.
دلالات
خديجة جعفر
مقالات أخرى
05 فبراير 2021
27 يناير 2021
20 نوفمبر 2020