هل يشاهد بايدن فيلم "الهدية"؟
جاء صعود فيلم الفلسطينية البريطانية، فرح نابلسي، "الهدية"، إلى القائمة القصيرة (ستة أفلام) للتنافس على جائزة أوسكار لفئة الأفلام القصيرة (مدته 25 دقيقة)، تكريما عالميا له مستحقا، وإن لم يظفر بالجائزة. وهو الذي أحرز جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام (نافتا) لأفضل فيلم، وجوائز أخرى في ثلاثة مهرجانات دولية للسينما. ويجد صاحب هذه الكلمات أن ثمّة تثمينا بالغ القيمة تأتّى للفيلم، في نشر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق (2013 – 2017)، جون برينان، مقالا عن إعجابه به في صحيفة نيويورك تايمز، وطلب من الرئيس الأميركي جون بايدن مشاهدة هذا الفيلم، ليتعرّف على "الإجراءات الأمنية الخانقة" التي يعاني منها المواطن الفلسطيني تحت "الاحتلال العسكري الإسرائيلي"، ذلك أن على "الولايات المتحدة أن تطلب من القادة الإسرائيليين الكفّ عن البناء الاستيطاني الاستفزازي، والممارسات القمعية الموصوفة في الفيلم".
يعاني "يوسف" من آلامٍ في ظهره، يريد أن يشتري هدية لزوجته في عيد زواجهما، ثلاجة جديدة للمنزل. يصطحب طفلته إلى السوبرماركت ليشتري حاجيات، ثم ليشتري الثلاجة. يعبر معها من حاجزٍ للاحتلال بصعوبة وتفتيش مشدّد، بعد اصطفافه في طابور يضم فلسطينيين يريدون العبور. وبعد شرائه الحاجيات والثلاجة، يريد العودة بهما إلى منزله الذي يبعد أمتارا عن الحاجز البغيض. يتعرّض للتفتيش والإذلال من مجنّدين ومجندات، متمنطقين السلاح الذي يشهرونه في وجهه، وهو في انفعاله الساخط على الاستهانة به، عندما لا يكون في وسعه تمرير الثلاجة إلى الجانب الآخر، لكن ابنته تفعل هذا، وتمرّرها من الممر المخصص للإسرائيليين المستوطنين. الفيلم شديد البساطة في حكايته، متقنٌ في لقطاته وتصويره الذي أمكن أن ينقل للمشاهد ليس فقط العذاب النفسي والقهر الإنساني الذي يتعرّض له الفلسطينيون عند حواجز جيش الاحتلال، وإنما أيضا تفاصيل دقيقةً تزيد الصورة العامة انكشافا على القسوة والفظاظة اللتين يتعمّدهما المحتلون في التعامل مع الفلسطينيين. وقد أجاد الممثل صالح بكري في التعبير عن مشاعر الحنق، كما عن مشاعر الانكسار أمام طفلته. وذلك بعد مشاهد الدفء والحميمية مع زوجته في المنزل، وحواراته مع ابنته في أثناء "رحلة" الشقاء التي ينشغل الفيلم بتشخيص أثرها النفسي العميق على الأب المتعب.
إذن، لا تدري المخابرات الأميركية عن ممارسات المحتل الإسرائيلي التي تنغّص حياة الفلسطينيين في وطنهم، دعك عن الجرائم والاعتداءات وجولات القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي ونهبها وتدمير الحقول. لواحدِنا أن يسأل: هل يحتاج مديرٌ لهذه المخابرات إلى فيلم سينمائي قصير ليعرف أي عنتٍ يُغالبه الفلسطينيون تحت الاحتلال؟ ينصرف مقال جون برينان في "نيويورك تايمز"، وله أهميته من قبل ومن بعد، إلى تجاهل الولايات المتحدة خلال سنوات الرئيس ترامب "المصالح والتطلعات الفلسطينية". ومع تثمينٍ للروحيّة الإيجابية في المقال، فإن سؤالا سيُضاف إلى السابق، عما بادرت إليه إدارة الرئيس باراك أوباما، إبّان كان برينان في موقعه الاستخباري النافذ، من أجل تطلّعات الفلسطينيين. من المدهش حقا أن يكتب برينان إن فيلم فرح نابلسي جعله يتذكّر شعورَه بالأسى لمّا شاهد جنودا إسرائيليين عديدين يقومون بعمليات تفتيشٍ عدوانيةٍ عند سياج شبكي، في أثناء زيارته الأولى للضفة الغربية في 1975. .. مبعث الدهشة أن المسؤول الأول في المخابرات الأميركية لا يتزوّد بتقارير عن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، ولو في ما يتعلق بالتقديرات الأمنية، فتعرّفه بالذي رأته عيناه قبل نحو أربعة عقود، ثم بالذي استشعره بعد مشاهدته فيلما سينمائيا متقنا، قصيرا، رأى أن على رئيس الولايات المتحدة أن يشاهده أيضا، ربما ليقينه أن مكتب الرئيس لا تصل إليه المعلومات الوافية، المدقّقة، الصحيحة، عن الأحوال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه واحدةٌ من خلاصاتٍ يمكن الخروج بها من مقال برينان أن السفارة الأميركية في دولة الاحتلال لا تزوّد المستوى السياسي، والأمني بالتبعية، في واشنطن بإفادات موضوعية عن واقعٍ ماثل. بدليل أن رئيسا سابقا للاستخبارات يوصي الرئيس بمشاهدة فيلم سينمائي عن عنتٍ يكابده الفلسطينيون عند حواجز جيش الاحتلال بين المدن والبلدات في الضفة الغربية. تُرى، هل سيتسجيب بايدن ويشاهد "الهدية"؟