هيكلة الشرطة بين الواقع وسينما هوليود
مرّ خبر حصول المواطنة الأميركية السوداء، دارنيلا فريزر، علىٰ جائزة البوليتزر في التصوير مرورا باهتا، لا يرقى إلى أهمية حدث التصوير، كونها صوّرت منفردة فيديو مقتل أيقونة الانتفاضة الأميركية، جورج فلويد، في مدينة منيابوليس في ولاية مينيسوتا تحت ركبة الضابط الأميركي الأبيض، ديريك شوفين، فى 25 مايو/ أيار 2020، الحدث الذي فضح العنصرية الأميركية الدفينة والراسخة، وقلب أميركا رأساً على عقب في العام الأخير من حكم ترامب، وأشعل ثورة أتت أكلها بإصدار قوانين رادعة في الحريات بين مختلف الأعراق، فكان أن تم تتويج تلك القوانين بهيكلة الشرطة، وتسريح الضباط الجناة، المتلبسين بجرائمهم، من الخدمة، وإلزامه إداراتهم بدفع تعويضاتٍ باهظة للمجني عليهم ضحايا عنف الشرطة البيضاء من المواطنين السود والصفر والحمر.
بسبب دارنيلا فريزر والفيديو الذي انفردت بتصويره، حصل السود على وظائف متنفذة في الإدارة الأميركية الجديدة، وفي وظائف هامة في وزارة العدل، ولولاها لما سمع المجتمع الأميركي عن مصطلح "هيكلة الشرطة"، المصطلح الذي عانت شعوب عدة، بسبب رفعه شعارا ظهر في ميادين الثورات العربية منذ عشر سنوات ويزيد. فشلت الثورات العربية في تحقيقه بينما تحقق فى أميركا.
وكان خبر مقتل خال دارنيلا فريزر في حادث تصادم داخل سيارته فى مدينة منيابوليس في ولاية مينيسوتا الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، وإطلاق الرصاص عليه أيضاً على يد أفراد من الشرطة الأميركية البيضاء انتقاماً منها، هكذا قالت وسائل الإعلام، قد مَرّ هذا الحادث هو الآخر مرور الكرام، أو ليس كما يجب أن يكون في الميديا الأميركية، وفي باقي وسائل إعلام العالم. وهناك محاولات عديدة لم تنجح من بعض أفراد الشرطة الأميركية، لقتل المصورة الحاصلة على "بوليتزر"، وثمة تهديدات تصل إليها بتصفية كامل عائلتها.
هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي يُدان فيها شرطى على جريمة قتل عمدا لمواطن أسود بكل هذه الأعوام فى السجن
السؤال: لماذا الآن؟ لماذا اشتعل البوليس غضبا وغلا، وراح يقتل ويهدّد ولم يفعلها منذ عام، وفي أثناء اشتعال ثورة "حياة السود مهمة" التي هزّت الولايات الخمسين، وتسرّبت إلى مدن عدة في أوروبا بالمسمّى ذاته "Black Lives Matter"؟. هل لأن القضاء أصدر حكما تاريخياً بسجن ضابط، حيث كانت محكمة ولاية مينيسوتا قد أصدرت حكمها على الضابط، القاتل ديريك شوفين، بالسجن مدة 22 عاماً ونصف؟ أم لأن الإعلام في عهد الرئيس بايدن قد ناصر المواطنين وانقلب على الشرطة؟ إذ لم يكن الحال هكذا أيام حكم ترامب، ولا حتى أيام حكم أوباما الذي ينتمي لعرق جورج فلويد ودارنيلا فريزر.
الحكاية أن أهم صحف التابلويد الأميركية وأشهرها، دايلي نيوز، قد انفردت بنشر صورة المجرم ديريك شوفين على كامل صفحتها الأولى بملابس غير رسمية، وبملامح وجه يملؤها الرعب، وعيون جاحظة، إثر سماعه حكم إدانته فوق عنوان مكتوب، بالبنط العريض: 22,5 years - Chauvin sentenced for murdering Floyd، وهي المرّة الأولى في التاريخ الأميركي التي يُدان فيها شرطى على جريمة قتل عمدا لمواطن أسود بكل هذه الأعوام فى السجن. وهي المرة الأولى التي تنشر فيها "دايلي نيوز"، وهي من أشهر الصحف الأميركية، صورة ضابط مُدان على صفحتها الأولى.
لولا مصورة مقتل جورج فلويد لما سمع المجتمع الأميركي عن مصطلح "هيكلة الشرطة"
كيف قتلت الشرطة خال دارنيلا فريزر؟ صباح 7 يوليو/ تموز الجاري، نَعَت دارنيلا في صفحتها في "فيسبوك" خالها Neil Lamont Frazie ذا الأربعين عاما، وستة أطفال، ويعيش فى منيابوليس، والذي قُتِلَ داخل سيارته نتيجة اصطدام سيارة شرطة نصف نقل بسيارته، ادّعى البوليس أنه كان يطارد مشتبها به، سرق سيارة، فصدموا سيارة عمّها عن طريق الخطأ، ظنا منهم أنه المقصود، ثم أطلقوا عليه النار عليه وأردوه قتيلا. بسرعة تناقلت وسائل الإعلام الأميركية الخبر، وخصوصًا حين كشفت دارنيلا عن مكالمات ورسائل تهديد لها بالقتل من أصدقاء ديريك شوفين، الضابط قاتل جورج فلويد، والمودع في سجن ولاية مينيسوتا 22 سنة ونصف السنة. وفي الوقت ذاته، وفي مسرح جريمة الشرطة التي قتلت خال دارنيلا، في حادث تصادم مقصود، اصطدمت سيارة الشرطة بسيارة أخرى، كانت تسير في الشارع مصادفة، وأصيب سائقها إصابات خطيرة، ويرقد حاليا في حجرة العناية المكثفة بين الحياة والموت في أحد مستشفيات الولاية، لكن السارق المقصود لم يتم القبض عليه.
قالت دارنيلا لقناة WCCO -TV إن خالها كان إنسانا نموذجا في الطيبة والعطاء، يلبي حاجة من يطلب منه، ويخلع قميصه ويمنحه للمحتاج، وكان محبوباً بين أهل الحي. وأضافت "لقد قتل بوليس مينيسوتا خالي، رجل أسود آخر يُضاف لقتلى الشرطة، متى يكفّ البوليس عن قتلنا؟ .. حين تصبح هيكلة الشرطة مستحيلة كالغول والعنقاء والخل الوفي، حتى ولو سنّوا لها القوانين وصنعوا لها الأفلام المفبركة.