وزير ليكودي في معرض الرياض للكتاب
وحدَها وكالة الأنباء الفرنسية طيّرت نبأ وجود وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كرعي، في معرض الرياض الدولي للكتاب، في أثناء زيارته السعودية، أخيراً، للمشاركة في اجتماع للاتحاد البريدي العالمي (تابع للأمم المتحدة)، مترئّساً وفداً ضمّ 14 فرداً، بينهم مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية، ورئيس اللجنة الاقتصادية في الكنيست، ديفيد بيتان. ويستشعر من يطالع متابعة الوكالة الإخبارية الرفيعة زيارة الوزير المذكور (ووفده) أن مشاركته، لصفِته وحيثيّته، في الاجتماع الدولي، كأنها على هامش "أنشطةٍ" عدّة أدّاها في عاصمة المملكة، حرص على إشهارها في فيديوهاتٍ نشرها في حساباته بوسائل التواصل. ولا يقع الناظر فيها، وقارئ إفادات صاحبِها بشأنها، على غير صفتها اليهودية، وكأن الرجل قدِم، وبرفقته الوفد الموسّع، لغرضٍ لا صلة له بالبريد واتحاده العالمي، وإنما لإشاعة رسائل منه إلى الجمهور السعودي، ومعه العربي حُكماً، لا تستعجل التطبيع مع الدولة المركزية في العالم الإسلامي وحسب، وإنما أيضاً تنطق بمضمونٍ خاصٍّ في هذا التطبيع المتطلّع إليه، يلحّ عليه الوزير الإسرائيلي الزائر، فقد حضر مراسم دينية لمسنٍّ يهوديٍّ في الرياض، لم توفّر "فرانس برس" إيجازاً يوضحها، فإنْ لم يكن مهمّاً أن نعرف طبيعتها، يبقى مهمّاً (أو هكذا يُفترض) أن نعرف كيف استدلّ الوزير (ووفده) على هذا المسنّ (هل هو عربي من أهل المملكة؟)، وكيف تأتّى الترتيب المسبق، في برنامج الوفد الذي يمثل دولة الاحتلال في زيارته القصيرة، لشأنٍ نادرٍ كهذا. وإلى هذا "النشاط" الغريب، أو المستغرَب، أدّى الوزير ومن معه، في الفندق المُستَضافين فيه (كما يبدو) طقوس "عيد المظلّة" اليهودي (أو عيد العُرش) وصلواته، وقد شاهدنا شيئاً منهما في الفيديو المرفق بإفادة كرعي إنهم فعلوا هذا في "أجواء التسامح في هذه الأجواء تساهم في المزيد من التعايش بين شعوب المنطقة" (دعك من ركاكة العبارة). ولسائلٍ أن يسأل عن أيّ "أجواء" تسامحٍ توفّرت في عاصمة العربية السعودية لهذا المُنتسب إلى حزب الليكود، المتطرّف في كراهيته العرب، وفي عدائه المسلمين، والشديد الحماس للاقتحامات اليهودية الحرم القدسي والأقصى.
تدعو إلى الاستغراب أيضاً، وتبرّر طرح حزمة من الأسئلة بشأنها، زيارة الوزير (الضيف) معرض الرياض الدولي للكتاب (اختُتم السبت الماضي)، معتمِراً القبّعة اليهودية، و"تفقّده" (مفردتُه التي استخدمتها الوكالة أيضاً) فيه لُفافة عليها شروحاتٌ للتوراة باللغة العبرية، طولها 40 متراً وعرضها 90 سنتيمتراً، وتعود إلى القرن 16 الميلادي، وهي من محفوظات مكتبة الملك فهد الوطنية وممتلكاتها. وقد شوهد كرعي في المعرض يتصفّح اللّفافة ويتأمّل فيها، كأنه بالفعل "يتفقّدها". وأول الأسئلة هنا عن دواعي السماح لهذا الصهيوني المُريب بزيارة معرض الكتاب. وثانيها عن عدم وقوعنا على أي تحفّظ أو استياء (لم لا نقول رفضاً؟) من أيٍّ من المثقّفين والناشرين العرب الذين شاركوا في المعرض ودُعوا إليه وواكبوه. وإذا قدَّر واحدُنا أن أحداً منهم لم يلحظ وجود هذا الليكودي (ومن معه) عند دخوله، ثم وقفته تجول عيناه في اللّفافة، فإن أمرَه هذا ذاع لاحقاً. وثالثها، لماذا كل هذه "التسهيلات" لهذا العنصري، إذ يبدو أن ثمّة من أخبره (بصفةٍ رسمية أو غيرها) بوجود تلك اللّفافة التي قرأنا أنها "تُعرَض" في المعرض العتيد أول مرّة؟ ورابعها، أي مقاصد رمى إليها صنّاع القرار في المملكة في ترك مشاركٍ إسرائيلي في اجتماع مُستضاف في الرياض لهيئةٍ أممية "ينشط" في مهرجانيّة مُذاعة ومصوّرة، ومستفزّة من قبلُ ومن بعد. وخامسها...؟ وسادسها...؟ ... إلخ.
لسنا نعرف أي مبلغٍ وصلت إليه المحادثات السعودية مع واشنطن، بشأن علاقاتٍ طبيعيةٍ محتملةٍ مع إسرائيل، والشروط والمطالب المطروحة في هذا الخصوص، ولكننا نعرف أن مصر والأردن اللتيْن تقيمان علاقاتٍ طبيعيةً مع دولة الاحتلال منذ عقود لم يقع في أيٍّ من معارض الكتب الدورية مشهدٌ شبيهٌ بالذي عوين في معرض الرياض أخيراً، وصمَت بشأنه ضيوفٌ عرب، ونعرف أيضاً أن التطبيع الذي سُمح به للوزير الليكودي العنصري في عاصمة المملكة لا يُنبئ بما هو مريح.