... وصار لبنان بلداً نفطيّاً و"مُطبِّعاً"
اعتباراً من يوم الخميس، 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، يمكن القول إنّ لبنان دخل، ولو نظرياً، نادي الدول النفطية في المنطقة، فالوساطة الأميركية التي قادها المبعوث عاموس هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل أفضت إلى توقيع اتفاق غير مباشر بين الطرفين على ترسيم الحدود البحرية بينهما، وتالياً تقاسم الثروة النفطية والغازيّة المدفونة في ما يُعرف بحقل قانا، بغضّ النظر عن الكيفية، عبر الشركة التي ستتولّى عملية التنقيب والاستخراج لاحقاً، والتي ستكون على الأرجح فرنسية، أو بأيّ طريقة أو وسيلة أخرى.
بهذا الاعتبار، دخل لبنان نادي الدول النفطيّة مع وقف التنفيذ، بانتظار اتفاق إسرائيل والشركة التي ستشغّل حقل قانا على الكيفية والشراكة ونسب عوائد النفط والغاز لكل طرف. ولعلّ ما دفع لبنان إلى الموافقة على الترسيم وعلى تقاسم الثروة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد، والتي وصلت إلى مستوى باتت فيه نسبة الفقر أكثر من 80% ونسبة البطالة أكثر من 35%، فضلاً عن أنّها باتت تهدّد بانفراط عقد الكيان اللبناني، في ظل انسداد أفق الحلول السياسية.
غير أنّ الحديث عن لبنان دولةً نفطيّة فعليّة يحتاج إلى بعض الوقت، سواء لناحية التعويل على النفط للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية، أو لناحية تأثير النفط والغاز اللبناني الموعود في أسواق النفط العالمية، فالاستخراج من حقل قانا أو من أيّ حقل لبناني آخر يحتاج بضع سنوات من التنقيب، وصولاً إلى الاستخراج فنيّاً ولوجستياً، هذا إذا اعتبرنا أنّ الأمور ستسير بشكل طبيعي سلس، لناحية تطبيق مندرجات الاتفاق وتنفيذه، لجهة قبول إسرائيل وموافقتها على الشراكة مع أيّ شركة ستتولّى التنقيب والاستخراج.
صار لبنان بلداً مُطبّعاً مع إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر
وفي ما خصّ الشق الآخر من الحديث، صار لبنان أيضاً بلداً مُطبّعاً مع إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر؛ من الناحية الاقتصادية أو من النواحي الكلّية، وبغض النظر عن كلّ النفي الذي تولّاه أكثر من مسؤول رسمي وغير رسمي في الدولة.
لبنان بموجب الاتفاق اعترف بالحدود مع إسرائيل بعدما تخلّى عن الخط 29 الذي كرّس سيادة إسرائيل على حقل كاريش، وقد كان الجيش اللبناني بموجب تكليف من الحكومة قد أكّد على أنّ الخط الحدودي للبنان من الحدود البحرية الجنوبية هو الخط 29.
تقاسم لبنان الثروة المدفونة في البحر في حقل قانا، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال شركة توتال، مهما حاول بعض المسؤولين تجميل هذا الأمر والحديث عن غيره، وإسرائيل ستستفيد من موارد هذا الحقل بقبول كامل من لبنان وبرضا من مسؤوليه. وقد سمح لبنان لإسرائيل باستخراج النفط والغاز مباشرة من حقل كاريش، من دون أن يكون له أيّ حقّ بالتدخّل أو الضغط أو أي شيء من هذا القبيل، عندما ارتضى أنّ يكون الحقل تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.
تعهّد لبنان بضمانات أمنية بحريةٍ تجيز التنقيب والاستخراج وتتيحانه، ولو بشكل متبادل
تعهد لبنان بضمانات أمنية بحريةٍ تجيز التنقيب والاستخراج وتتيحانه، ولو بشكل متبادل، ولكنّ ذلك أخرج أداة ضغط مهمّة جدّاً من اليد اللبنانية، في حين أبقى على الحدود البرّية من دون أيّ ضمانات من أجل ذرّ الرماد في عيون اللبنانيين والعرب لإقناعهم، بل لخداعهم بأنّ المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي لم تنتهِ، وأنّ التطبيع لم يحصل، وهذا الإخراج مطلوبٌ لكلا الطرفين في هذه المرحلة.
بات لبنان على باب الدخول إلى نادي الدول التي تنضم إلى اتفاقات أبراهام، وهو ما تحدّث عنه نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بوصعب عندما شبّه الاتفاق مع إسرائيل باتفاق أبراهام. خجل مسؤولوه من تسمية الوفد الذي تولّى عملية التوقيع والتسليم حتى ساعات قليلة قبل تسلّم الاتفاق وتسليمه للجانبين الأميركي والأممي، وقد حاول كلّ طرف ممن تولّى جزءاً من وظيفة الوصول إلى الاتفاق التهرّب من مسؤولية توقيعه، وحمل مسؤوليته لإدراكه المسبق لحجم السمعة السيئة التي ستلحق به ويحملها في المستقبل.
بهذا المعنى، صار لبنان بلداً نفطيّاً محتملاً ومتوقفاً على قبول إسرائيل ذلك أو رفضها له، وصار، في الوقت ذاته، بلداً مُطبّعاً سيتوقف حجم استفادته ومقدارها من الثروة المدفونة في بحره بمقدار التطبيع الخفي الذي سيسري بين البلدين، من دون ضجيج، بل تحت عناوين الصمود والتصدّي الذي يكفل للممسكين بالسلطة عند طرفي الحدود الاستمرار بالتحكّم بالمشهد تحت عنوان العداء.