يضرب الحوثي لتسمع الجارة

14 يناير 2024
+ الخط -

نفّذت الطائرات الأميركية والبريطانية ضرباتٍ جوية ضدّ أهدافٍ لجماعة أنصار الله الحوثي في اليمن في وقت مبكّر من نهار الجمعة 12 يناير/ كانون الثاني الحالي، وتاليا في وقت مبكّر من يوم أمس السبت، وقال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن الضربات ضد مواقع الحوثيين أصابت أهدافها، وجاءت ردًا على هجماتهم "غير المشروعة والخطيرة والمزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر". وهذا القول موجّه إلى جماعة الحوثيين الذين باتوا ينفّذون هجمات متكرّرة على سفن وأهداف أخرى، انطلاقًا من البحر الأحمر، ما أثّر على حركة الملاحة بشكل كبير. ولكن أوستن حمل رسالة إلى ما بعد اليمن، أي إلى جيران اليمن، تحديدًا السعودي والإيراني.

يتصاعد القلق الدولي من الممرّ البحري العالمي في البحر الأحمر، سيما بعد سلسلة الهجمات التي تشنّها الجماعة الحوثية المسلّحة التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء، والتي تعهّدت بمنع أي سفن في طريقها إلى إسرائيل. وانتقل القلق الدولي إلى طاولة مجلس الأمن الذي اتخذ قرارًا دعا إلى وقفٍ "فوري" لهجمات الحوثيين على سفنٍ في البحر الأحمر، مطالباً كذلك كل الدول باحترام حظر الأسلحة المفروضة على المتمرّدين اليمنيين المدعومين.

التصعيد الحوثي في البحر الأحمر واضح، على اعتبار أنه يستهدف فقط السفن المتّجهة إلى إسرائيل، مدنية وعسكرية. وقد ربط الحوثي وقف عملياته في البحر الأحمر بوقف إسرائيل اعتداءها على قطاع غزّة. هذا في العلن، ولكن الهجمات الحوثية تحمل رسائل مبطّنة ترتبط بضرب مصالح الغرب في المنطقة، عبر الدفع بشركات النقل لتحويل مساراتها.

هو محورٌ يطلق على نفسه "الممانع" لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، لهذا تراه اليوم يصعّد من وتيرة الضربات على أماكن وجود الأميركي، برّاً في سورية والعراق، وبحراً في البحر الأحمر، فالموضوع لا يتوقف، على ما يبدو، عند دعم حركة حماس، ومنعها من السقوط في الحرب الدائرة عليها في غزّة، بل يعود إلى إعادة التموضع في المنطقة، عبر الضغط لطرد الأميركي من المنطقة.

ربط الحوثي وقف عمليّاته في البحر الأحمر بوقف إسرائيل اعتداءها على قطاع غزّة

تتعقّد الأمور في باب المندب، وباتت الرؤية غير واضحة إلى ما ستقوده هذه الضربات التي نفّذتها أميركا وبريطانيا، فالتصعيد سيكون سيّد الموقف، وبات وقوع الحرب أقرب من أي وقتٍ مضى. لكنّ السؤال هو: إلى من تريد واشنطن أن تصل رسائل الضربات، ولماذا؟

في تصريح له، قال سفير السعودية في بريطانيا، خالد بن بندر، إن بلاده مهتمّة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد حرب غزّة، لكن أي اتفاق للتطبيع "لا بدّ أن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية". وكشف في تصريح لـ"بي بي سي"، أن الاتفاق كان "وشيكًا"، عندما علّقت السعودية المحادثات بوساطة أميركية، إثر الحرب الإسرائيلية على غزّة، بعد هجمات حركة حماس على مواقع إسرائيلية يوم 7 أكتوبر.

بالعودة قليلًا إلى ما قبل 7 أكتوبر، كادت الوساطة الأميركية أن تأتي بثمارها وتحقّق التوقيع على التطبيع بين إسرائيل والسعودية، إلا أنّ هجوم "حماس" على مناطق غلاف غزّة جمّد المسار، ووضع الاتفاقية في جوارير الإدارة الأميركية، علّ صورة الحرب توضح النتائج المنتظرَة. رفضت إيران بشدّة موجة التطبيع التي حصلت في المنطقة، سيما المزمع إقامتها بين الرياض وتل أبيب، بعدما سارعت كل من الإمارات والبحرين إلى التوقيع. واعتبر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي،"إن وضعية الكيان الصهيوني لا تشجّع على الاقتراب منه، على الدول المطبّعة ألا ترتكب هذا الخطأ". وأضاف، بحسب ما نقلته وكالة تسنيم الإيرانية، "إن الدول التي طبّعت مع إسرائيل تراهن على حصان خاسر".

تعادل الفريقان في البحر الأحمر، فالحوثي في هجماته على إسرائيل، كما حزب الله والجماعات الموالية لإيران في سورية والعراق، يسعى إلى إثبات أن إسرائيل حصانٌ خاسر، وغير موثوق به للهرولة والتطبيع معه. وإن إيران ووكلاءها في المنطقة حاضرون وجاهزون لقلب المعايير، ليس لضرب الحصان الخاسر فقط، بل أيضا لطرد مروّضه الأميركي من المنطقة. وهذا ما يؤّكد أن الضربة الأميركية البريطانية في البحر الأحمر تحمل أكثر من رسالة إلى الجوار، فعلى قاعدة المثل الشائع "بحكي الجارة لتسمع الكنّة"، كانت الضربات الردعية على الحوثيين، لتسمع كل من السعودية وإيران.

انحرفت المنطقة عن حافّة الهاوية، ودخلت نفق الحرب القاتلة، وستصل نيرانها إلى طهران، لأن ما بعد حرب البحر الأحمر لن يكون كما قبلها

تحتاج الولايات المتحدة إلى أن يصل صدى الضربات إلى الرياض التي يجب أن تقرأها جيداً، وتفهم أن واشنطن لم تزل ملتزمة بحماية أمن الخليج، وإن اتفاق كوينسي (اسم سفينة) بين السعودية وأميركا الذي وُقّع عام 1945 يجب أن يبقى ساري المفعول. وإن الذهاب بخيارات الرياض بعيدًا نحو أحضان المحور الآخر قد يقوّض أمن المنطقة بشكل عام، ويهدّد خطر الملاحة الدولية في هذه المنطقة.

وجّهت الولايات المتحدة ضربة في العمق اليمني، وطاولت مراكز مهمّة للحوثي، فهذا قد يردع الإيراني أيضا، إذ ستطاول الضربات المقبلة العمق الاستراتيجي الإيراني، وإن الرهان على التقارب مع طهران ومن خلفها روسيا والصين هو الحصان الخاسر. لهذا ستزداد الضربات الأميركية بالتوازي مع التصعيد السعودي نحو خطر هذه الجماعة التي شكّلت بالأمس القريب خطراً استراتيجيًا على أمنها القومي، فالرسائل لم توجّه إلى هذه الحركة بالذات، بل إلى الجار الإيراني والسعودي على حدّ السواء.

كما أن هذه الضربة تأتي لتحمل رسائل إلى من يريد تغيير قواعد الاشتباك في ميزان القوى الدولية، فالضربة حصلت، ولن تكون الأخيرة، بل هذا مؤشّرٌ إلى أن المنطقة انحرفت عن حافّة الهاوية، ودخلت نفق الحرب القاتلة، وستصل نيرانها إلى طهران، لأن ما بعد حرب البحر الأحمر لن يكون كما قبلها، فهل ستعمل واشنطن على حرمان روسيا والصين من حلفاء على البحر الأحمر وبحر الخليج العربي، أم سيكون لإيران موقفٌ مغايرٌ وتطرد الأميركي من المنطقة، وتكرّس نفسها مفتاح الحلّ والربط فيها؟

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب