يوم تآمر الأوروبيون علينا
كلما شتمتَ عائلة "السوشال ميديا" فرداً فرداً، على اعتبار أنها أخطر أدوات التجهيل وأشرس عدوّ للإعلام وأكبر مصنع للشائعات والتضليل والمسؤول الأول عن تصعيد السفهاء إلى مرتبة صنّاع الرأي، ذكّرك عقلك بأنّ وسائل التواصل كاشف ممتاز لحقائق يستحيل أن تظهر بالفجاجة التي تُظهرها "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر" و"تيك توك" وباقي عناصر العصابة. صحيحٌ أنّ هذه الأدوات المذكورة ملعب شاسع لاختراع الأكاذيب وللجيوش الإلكترونية البشرية أو الروبوتية (bots)، لكن الصحيح أيضاً أنها، أولاً وقبل أن تكون ميداناً للكذب، صفحة بيضاء يرمي عليها صاحب الحساب المتحمس ما عنده غالباً من دون رقابة ولا فلترة، وهنا تكمن أهميتها بالنسبة للمعني بمعرفة اتجاهات الرأي العام والتأثير عليه وتفكيكه وفهمه على الأقل.
في الأسبوع الماضي، استهلك ملعب "السوشال ميديا" العربي طاقاته المؤامراتية في قضيتي المغنّي المغربي سعد لمجرد ولاعب كرة القدم المغربي أيضاً أشرف حكيمي. الأول قضت محكمة فرنسية بسجنه بتهمة الاغتصاب وتنتظره وهو في زنزانته قضايا أخرى من الصنف نفسه، والثاني وجّه له القضاء الفرنسي ذاته التهمة نفسها. لضرورات العمل والمازوشية والقرف من موت السياسة في العالم العربي، تضطرّ إلى متابعة أخبار "تويتر" وإن بشكل متقطع، هو الذي يُعتبر نخبة جنود وسائل التواصل الاجتماعي. تدّعي أنك اخترت من "تلحق" بهم بعناية بشكلٍ لا يكونون مثلاً من المعجبين بسعد لمجرد. لكن يحصل أنّ من تتابعهم تستفزهم الموجة الآخذة في الاتساع في ربوع العرب الافتراضية دفاعاً عن الرجلين، المُدان والمتهم، فيغرّدون تعليقاً أو غضباً أو سخرية أو تحسّراً، فتسنح الفرصة لك للأسف كي تتعرّف على أصل الحكاية في رواية أخرى، رواية مناضلي "السوشال ميديا"، وهي تتمحور غالباً حول كيف أن القضاء الفرنسي متفرغ للتآمر هذه الأيام على نجومنا العرب والمسلمين، وأن تصفية حسابات سياسية فرنسية مع المغرب تجري على ظهر لمجرد وحكيمي، وأن انتقاماً متأخراً يحصل في المحاكم الأوروبية من نجاحاتنا في عالمَي الشهرة والرياضة. ولو تعمّقت أكثر في دهاليز دهشة "السوشال ميديا"، لخُيّل لك أن القضاء الفرنسي فاسد ثمنه نصف فرنك، ليس مثلما هو الحال في بلداننا العربية، مضرب المثل في استقلالية أجهزة العدالة ونزاهتها. لكن كل محبّي لمجرد وحكيمي حتى الثمالة، وبكل مخزون الخيال الذي رموه على صفحات الإنترنت دفاعاً عن نجميهم، لم يتمكّنوا من أن يصلوا إلى ما بلغته جماعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أحد هؤلاء يعرَّف عنه بأنه صحافي اسمه طوني أبي نجم كشف خيوط المؤامرة بثقة مذهلة في النفس، مع أنها مؤامرة دسمة بوزن تحرّك القضاء في ألمانيا وسويسرا وفرنسا وبريطانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين للتحقيق مع سلامة بتهم تبدأ بتبييض الأموال ولا تنتهي بتهريبها بشكل سرّي مخالف للقوانين. لم يرفّ للرجل جفن، استرخى في جلسته على شاشة "أم تي في" قبل أيام وقال: "كل القضاة في العدلية (المحاكم اللبنانية) يعرفون أن كل همّ الأوروبيين مصادرة أموال رياض سلامة، ليس أكثر من ذلك". وأمام صدمة محاوره، أعطاه أبي نجم من الفهم جزءاً: "الأوروبيون يعانون من أزمات اقتصادية خانقة"، فافهم يا رجل، ملايين سلامة قد تكون البحصة التي تسند خابية الاقتصاد الأوروبي.
بين الغيور اللبناني على سمعة رياض سلامة والمؤمنين العرب بالتآمر الفرنسي ضد النجمين لمجرد وحكيمي فوارق كبيرة، لكن يجمع ما بينهم بؤس أحوالنا العربية والسباحة في منظومة أفكار مختلَقة تتحمّل وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية كبيرة عنها، لكثرة ما أنها تنشر الجهل ونظريات المؤامرة. أما زملاء سعد لمجرد الذين تهافتوا دفاعاً عنه من المحيط إلى الخليج على أساس أنه "لا يمكن أن يفعلها"، ومن بين هؤلاء مدافعاتٌ كثيرات، فإنما ذلك يحتاج إلى معالجين وأطباء نفسيين فائقي القدرات لعلّهم يكتشفون ما لم يستطع فرويد ويونغ اكتشافه.