03 مارس 2022
وتَقدم السيف على النخلة
تلوح راية السيف الخضراء فوق مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، وكأنها تُنذر أن لا خيارَ، بعد اليوم، إلا السيف لكل معارض ناقم، أو ناقد مارق. وعلى باب القنصلية، يُرفع "السيفان والنخلة"، وكأنهما يُخَيّران الداخلين بين السيف بما يعنيه من قوة وشدة وحزم و"النخلة" بما تعنيه من نِعَم. وخلف بوابة القنصلية وأسوارها، بعيداً عن عيون الناس والكاميرات، يُقسم الزوار إلى فسطاطين. المٌسَّبِحون بآيات الحمد لأولياء النعمة، وهؤلاء أهل النخيل، يأكلون من رُطبه، وفسطاط الخارجين على ولي الأمر، والسيف أولى بهؤلاء.
ما جرى في الأسبوع الماضي، مع الصحافي السعودي، المغدور، جمال خاشقجي، وملابسات اختفائه، وربما قتله، بعد أن دخل إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، يشي بأن العهد الجديد في المملكة قد أشهر السيف وحكَّمه، لا في رقاب مَن يختلفون معه في الرأي، بل في أعناق من يختلفون عنه في الرؤية، فالمواطن جمال خاشقجي، لم يكن معارضاً للعهد القديم، بل كان جزءاً منه، ولا معارضاً للعهد الجديد، بل كان ناصحاً رشيداً، وناقداً راقياً. في غير مقام، وفي أكثر من زمان، كان خاشقجي يرفض تعريف نفسه معارضا، بل كان يرفض توصيفه بذلك، وكان يُصّر على أنه يحاول نصيحة "ولي الأمر"، وإنْ من خارج بيت الطاعة.
واقعة اختفاء جمال خاشقجي، المُختلف لا المُخالف، الناصح لا المعارض، سبقتها حملاتٌ شرسةٌ جرت في المملكة لإعتقال نشطاء، ودعاة دين، وأكاديميين، وخبراء، ورجال أعمال وإعلام، بمن فيهم إمام الحرم المكي الشيخ صالح آل طالب، المحسوب على التيار الديني الموالي للأسرة الحاكمة، بسبب خطبة له عن "المنكرات ووجوب إنكارها على فاعلها". واعتقلت السلطات الأمنية المستشار السابق لشركة أرامكو، برجس البرجس، لانتقاداته السياسة الاقتصادية للحكومة، لينضم بذلك إلى الخبير الاقتصادي، عصام الزامل، الذي قُبض عليه في بداية حملات الاعتقالات. كما طاولت يد السلطات علي بن عبار الزعل، أحد شيوخ شمّر، أكبر القبائل العربية في المنطقة، بعد نشره تغريداتٍ انتقد فيها أمراء الأسرة الحاكمة. وليس في الوسع هنا حصر أسماء وألقاب آخرين باتوا خلف القضبان، ليس آخرهم سلمان العودة، وعوض القرني، وسفر الحوالي، والباحث الإسلامي عبد الله المالكي.
ما تشهده العربية السعودية هذه الأيام يذهل كل مرضعة عما أرضعت، فمنذ عبد العزيز آل سعود، مؤسّس المملكة الحديثة في سبتمبر/ أيلول 1932، امتازت سياسات حكام البلاد، في جانبها الأكبر، بالهدوء والحكمة. حتى في أشد لحظات الخطر، دأب أبناء الملك المُؤسّس على معالجة أسخن الملفات خلف أبواب موصدة، وأسوار عالية. لم يكن حكام السعودية يميلون إلى نشر الغسيل، حتى النظيف منه، على أسطح القصور. وبدلاً من "حد السيف"، كان حكام السعودية يغلّبون خيرات "النخلة"، لاستمالة المخالفين والخصوم. وهكذا حافظ أبناء الملك عبد العزيز على إرث والدهم، بالنخيل، لا بالسيف. وإنْ حضر السيف في لحظات تاريخية قصيرة، إلا أن حضوره الأكثر كان في رقصات "العرضة" الفولكلورية. ما يجري هذه الأيام في الرياض، وخارجها، يُنذر بسقوط النخلة، وعلوّ سطوة السيف على المخالفين، والمختلفين، إذ اختار رجل المرحلة القوي، ولي العهد، والملك غير المتوّج بعد، محمد بن سلمان، ضرب خصومه ومنافسيه وناصحيه بحد السيف، بدلاً من استرضائهم، أو شراء ولاءاتهم بالنخيل.
لا نخلة في عهد ولي العهد. وحده السيف لكل مُخالف أو مُختلف، لكل مُعارض أو مُعترض، فكلهم سواسية في الشِرك. وفي "حربه على الفساد، والإرهاب، ومناهضة التطرّف"، ولأجل إنجاز "الإصلاح الاقتصادي والإجتماعي"، يُحَكّم محمد بن سلمان سيفه في رقاب العباد. سيف يبطش بالمعارضين المخالفين، ويطاول حدّه المختلفين، أمثال جمال خاشقجي، ممن كانوا حتى الأمس القريب، من أهل البيت، ممن ينعمون بالنخيل، ويستظلّون بظله. صليل السيوف يعلو في "مملكة الصمت"، وقد استلّ ولي "العهد الجديد" بتَّاره ليبطش بأقرب الناس إليه، ويضرب رؤوساً أينعت، وحان قطافها.
ما جرى في الأسبوع الماضي، مع الصحافي السعودي، المغدور، جمال خاشقجي، وملابسات اختفائه، وربما قتله، بعد أن دخل إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، يشي بأن العهد الجديد في المملكة قد أشهر السيف وحكَّمه، لا في رقاب مَن يختلفون معه في الرأي، بل في أعناق من يختلفون عنه في الرؤية، فالمواطن جمال خاشقجي، لم يكن معارضاً للعهد القديم، بل كان جزءاً منه، ولا معارضاً للعهد الجديد، بل كان ناصحاً رشيداً، وناقداً راقياً. في غير مقام، وفي أكثر من زمان، كان خاشقجي يرفض تعريف نفسه معارضا، بل كان يرفض توصيفه بذلك، وكان يُصّر على أنه يحاول نصيحة "ولي الأمر"، وإنْ من خارج بيت الطاعة.
واقعة اختفاء جمال خاشقجي، المُختلف لا المُخالف، الناصح لا المعارض، سبقتها حملاتٌ شرسةٌ جرت في المملكة لإعتقال نشطاء، ودعاة دين، وأكاديميين، وخبراء، ورجال أعمال وإعلام، بمن فيهم إمام الحرم المكي الشيخ صالح آل طالب، المحسوب على التيار الديني الموالي للأسرة الحاكمة، بسبب خطبة له عن "المنكرات ووجوب إنكارها على فاعلها". واعتقلت السلطات الأمنية المستشار السابق لشركة أرامكو، برجس البرجس، لانتقاداته السياسة الاقتصادية للحكومة، لينضم بذلك إلى الخبير الاقتصادي، عصام الزامل، الذي قُبض عليه في بداية حملات الاعتقالات. كما طاولت يد السلطات علي بن عبار الزعل، أحد شيوخ شمّر، أكبر القبائل العربية في المنطقة، بعد نشره تغريداتٍ انتقد فيها أمراء الأسرة الحاكمة. وليس في الوسع هنا حصر أسماء وألقاب آخرين باتوا خلف القضبان، ليس آخرهم سلمان العودة، وعوض القرني، وسفر الحوالي، والباحث الإسلامي عبد الله المالكي.
ما تشهده العربية السعودية هذه الأيام يذهل كل مرضعة عما أرضعت، فمنذ عبد العزيز آل سعود، مؤسّس المملكة الحديثة في سبتمبر/ أيلول 1932، امتازت سياسات حكام البلاد، في جانبها الأكبر، بالهدوء والحكمة. حتى في أشد لحظات الخطر، دأب أبناء الملك المُؤسّس على معالجة أسخن الملفات خلف أبواب موصدة، وأسوار عالية. لم يكن حكام السعودية يميلون إلى نشر الغسيل، حتى النظيف منه، على أسطح القصور. وبدلاً من "حد السيف"، كان حكام السعودية يغلّبون خيرات "النخلة"، لاستمالة المخالفين والخصوم. وهكذا حافظ أبناء الملك عبد العزيز على إرث والدهم، بالنخيل، لا بالسيف. وإنْ حضر السيف في لحظات تاريخية قصيرة، إلا أن حضوره الأكثر كان في رقصات "العرضة" الفولكلورية. ما يجري هذه الأيام في الرياض، وخارجها، يُنذر بسقوط النخلة، وعلوّ سطوة السيف على المخالفين، والمختلفين، إذ اختار رجل المرحلة القوي، ولي العهد، والملك غير المتوّج بعد، محمد بن سلمان، ضرب خصومه ومنافسيه وناصحيه بحد السيف، بدلاً من استرضائهم، أو شراء ولاءاتهم بالنخيل.
لا نخلة في عهد ولي العهد. وحده السيف لكل مُخالف أو مُختلف، لكل مُعارض أو مُعترض، فكلهم سواسية في الشِرك. وفي "حربه على الفساد، والإرهاب، ومناهضة التطرّف"، ولأجل إنجاز "الإصلاح الاقتصادي والإجتماعي"، يُحَكّم محمد بن سلمان سيفه في رقاب العباد. سيف يبطش بالمعارضين المخالفين، ويطاول حدّه المختلفين، أمثال جمال خاشقجي، ممن كانوا حتى الأمس القريب، من أهل البيت، ممن ينعمون بالنخيل، ويستظلّون بظله. صليل السيوف يعلو في "مملكة الصمت"، وقد استلّ ولي "العهد الجديد" بتَّاره ليبطش بأقرب الناس إليه، ويضرب رؤوساً أينعت، وحان قطافها.