09 نوفمبر 2024
لبنان: حروب طلابية
هناك بعض "الرفاهية" السياسية في بيروت. العاصمة التي لم تعتد على فعل "الاستقرار". باتت "الرفاهية" في أم الشرائع فعلاً مكرّساً على نية الأجيال الآتية. رفاهية بيروت لا تريد رؤية ما يجري في شرقٍ يتخبط في أنواء من دم وقتل. تتجسّد تلك الرفاهية في أمور شتى: نائبان يهاجمان بعضهما في حرب إبادة قانونية وشخصية، زعماء يهربون إلى موقع "تويتر"، من أجل مواكبة تطور علمي ما، وترسيخ صورتهم متابعين أحدث ما توصل إليه عالمنا، وإن تأخروا بعض الشيء، ونواب يلتهون بالتعبير عن انزعاجهم من حراك مدني يُطالبهم بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ولا يمددون لأنفسهم مرة جديدة.
تلك الرفاهية تسمح في أن يشتبك طلاب جامعيون مع بعضهم في مشهد همجي يذكّر بقتال الشوارع في أزقة شيكاغو، مطلع ثلاثينات القرن العشرين. طلاب القوات اللبنانية (بزعامة سمير جعجع) والتيار الوطني الحر (بزعامة ميشال عون)، خاضوا "حرباً" شعواء في جامعة خاصة، على خلفية قانون انتخابات متعلق بالجامعة.
كراهية القوات والتيار بعضهما باتت أكبر من ديمقراطية جامعية أو "تاريخ ديمقراطي" يحفل به لبنان. كراهيتهما المبنية على موروثات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أكبر من أن تُعالج في سنوات قليلة. لا بل إن تناسخ الحقد يبقى من "شيمهما" الفذّة. ليست مشكلة الطلاب أنهم انغمسوا في قتال الموت. آباؤهم سبقوهم إلى رقصة "التانغو" الدموية، يوم انتشر الموت في المنطقة الشرقية (المسيحية) من بيروت في عام 1990، حين اشتبك الجيش اللبناني، بقيادة عون، مع القوات. تلك الحرب التي خلّفت حوالي 2000 قتيل في أشهر معدودة، لم تُفض إلى إنهاء حالتهما الشعبية، بل نما الحقد المتأصل في زوايا البيوت والشوارع.
بطبيعة الحال، لم تؤد الانتخابات الطلابية في لبنان، تحديداً بعد عام 2005، قطّ، إلى تغيير سلوكيات إدارات الجامعات، ولا إلى تحسين المطالب الطلابية، ولا إلى تفعيل التناغم بين الطلاب والإدارات، ولا حتى إلى تخفيض الأقساط المدرسية، بل أدّت، فقط، إلى توريد مزيد من الشباب إلى صفوف الطرفين، علماً أن مرحلة ما قبل 2005، أي في زمن الاحتلال السوري، كان الحراك الطلابي عموماً، والانتخابات الطلابية خصوصاً، في مناطق ما كانت تعرف بـ"المعارضة المسيحية"، طوال مرحلة الاحتلال السوري للبنان، شعلة أساسية في الاعتراض على الوجود السوري في لبنان.
وتجلّى هذا الأمر في ربيع 2005، حين نزل اللبنانيون إلى الشوارع، بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وطالبوا بالانسحاب السوري من لبنان.
أما في مرحلة ما بين عامي 1990 و2005، فكانت الخلافات الطلابية بين التيار والقوات موجودة، لكن وجود "العدو المشترك" طغى على خلافاتهما.
أما الآن، فيبدو الأمر في وجود "العدو" أو في غيابه سيّان، وخلافتهما لم تنتهِ، ولا يبدو أنها ستنتهي. هم وُلدوا لكي تستمرّ الخلافات وتدوم. ولا تتعلق المسألة بشعاراتٍ سياسية أو تحوّل ما، بل إن الفريقين اللذين كانا في خندقٍ واحد في مواجهة السوري، عسكرياً وسياسياً، يتبعان عشوائياً لعون وجعجع، ونقلا الصراعات العسكرية والاختلافات السياسية إلى خلافات على موقف سيارة، أو إلى خلافات بين الأقارب بحكم الانتماء السياسي. لم تؤدِّ الانتخابات الطلابية، طوال السنوات الماضية، إلى ما يُمكن أن يُشكل قاعدة انطلاقٍ لمستقبل أكثر ديمقراطية في لبنان، بل كان جلّ عمل الزعيمين منصبّاً على استخدام الشباب وقوداً في حربهما الذاتية والشخصية، وتشهد اجتماعات بكركي (مقرّ البطريركية المارونية) بين 2011 و2013 على ذلك.
كان مشهداً مخزياً، أن ترى طلاباً ربما يحلم أهلهم بمستقبلٍ واعدٍ لهم، في لبنان أو خارجه، أن ينزلقوا إلى قتالٍ قذر، من أجل زعيمين، لا يريدان أكثر من النظر إلى المرآة، والقول "أنا الأقوى".
تلك الرفاهية تسمح في أن يشتبك طلاب جامعيون مع بعضهم في مشهد همجي يذكّر بقتال الشوارع في أزقة شيكاغو، مطلع ثلاثينات القرن العشرين. طلاب القوات اللبنانية (بزعامة سمير جعجع) والتيار الوطني الحر (بزعامة ميشال عون)، خاضوا "حرباً" شعواء في جامعة خاصة، على خلفية قانون انتخابات متعلق بالجامعة.
كراهية القوات والتيار بعضهما باتت أكبر من ديمقراطية جامعية أو "تاريخ ديمقراطي" يحفل به لبنان. كراهيتهما المبنية على موروثات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أكبر من أن تُعالج في سنوات قليلة. لا بل إن تناسخ الحقد يبقى من "شيمهما" الفذّة. ليست مشكلة الطلاب أنهم انغمسوا في قتال الموت. آباؤهم سبقوهم إلى رقصة "التانغو" الدموية، يوم انتشر الموت في المنطقة الشرقية (المسيحية) من بيروت في عام 1990، حين اشتبك الجيش اللبناني، بقيادة عون، مع القوات. تلك الحرب التي خلّفت حوالي 2000 قتيل في أشهر معدودة، لم تُفض إلى إنهاء حالتهما الشعبية، بل نما الحقد المتأصل في زوايا البيوت والشوارع.
بطبيعة الحال، لم تؤد الانتخابات الطلابية في لبنان، تحديداً بعد عام 2005، قطّ، إلى تغيير سلوكيات إدارات الجامعات، ولا إلى تحسين المطالب الطلابية، ولا إلى تفعيل التناغم بين الطلاب والإدارات، ولا حتى إلى تخفيض الأقساط المدرسية، بل أدّت، فقط، إلى توريد مزيد من الشباب إلى صفوف الطرفين، علماً أن مرحلة ما قبل 2005، أي في زمن الاحتلال السوري، كان الحراك الطلابي عموماً، والانتخابات الطلابية خصوصاً، في مناطق ما كانت تعرف بـ"المعارضة المسيحية"، طوال مرحلة الاحتلال السوري للبنان، شعلة أساسية في الاعتراض على الوجود السوري في لبنان.
وتجلّى هذا الأمر في ربيع 2005، حين نزل اللبنانيون إلى الشوارع، بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وطالبوا بالانسحاب السوري من لبنان.
أما في مرحلة ما بين عامي 1990 و2005، فكانت الخلافات الطلابية بين التيار والقوات موجودة، لكن وجود "العدو المشترك" طغى على خلافاتهما.
أما الآن، فيبدو الأمر في وجود "العدو" أو في غيابه سيّان، وخلافتهما لم تنتهِ، ولا يبدو أنها ستنتهي. هم وُلدوا لكي تستمرّ الخلافات وتدوم. ولا تتعلق المسألة بشعاراتٍ سياسية أو تحوّل ما، بل إن الفريقين اللذين كانا في خندقٍ واحد في مواجهة السوري، عسكرياً وسياسياً، يتبعان عشوائياً لعون وجعجع، ونقلا الصراعات العسكرية والاختلافات السياسية إلى خلافات على موقف سيارة، أو إلى خلافات بين الأقارب بحكم الانتماء السياسي. لم تؤدِّ الانتخابات الطلابية، طوال السنوات الماضية، إلى ما يُمكن أن يُشكل قاعدة انطلاقٍ لمستقبل أكثر ديمقراطية في لبنان، بل كان جلّ عمل الزعيمين منصبّاً على استخدام الشباب وقوداً في حربهما الذاتية والشخصية، وتشهد اجتماعات بكركي (مقرّ البطريركية المارونية) بين 2011 و2013 على ذلك.
كان مشهداً مخزياً، أن ترى طلاباً ربما يحلم أهلهم بمستقبلٍ واعدٍ لهم، في لبنان أو خارجه، أن ينزلقوا إلى قتالٍ قذر، من أجل زعيمين، لا يريدان أكثر من النظر إلى المرآة، والقول "أنا الأقوى".