أعيدوا لنا ديننا
من منا لم يسمع بجماعة "بوكو حرام"؟ الجماعة الأكثر شهرة، اليوم، بعد إقدامها على خطف أكثر من مائتي تلميذة من مدارسهن في نيجيريا، وعرضهن للبيع سبايا في أسواق النخاسة. لكن كم منا في العالم العربي استنكروا هذا العمل الشنيع، الذي أقدمت عليه هذه العصابة من المخبولين؟
"بوكو حرام"، لمن لا يعرفها، جماعة نيجيرية متزمتة، كما يدل اسمها المركب، "بوكو" باللهجة الهوسية، وتعني "الكتاب"، وهي كلمة مشتقة من اللغة الإنجليزية "بوك". و"حرام" وهي كلمة عربية. وتعني التسمية أن التعليم الغربي، الذي يجسده "الكتاب" في نظر أصحابها، حرام!
وقد انتشر في العالم، منذ أسبوعين، "هاشتاج" يطالب باستعادة الفتيات المختطفات من براثن هذه الذئاب البشرية، يقول "أعيدوا لنا بناتنا"، وتـُرجم إلى أغلب لغات العالم، وظهرت زوجة الرئيس الأميركي، ميشال أوباما، ورئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، وكبار نجوم الفن والرياضة في العالم يحملونه. لكن، كم مرة ظهرت ترجمة هذا "الهاشتاج"، باللغة العربية؟ وكم من نجوم الفن والرياضة في سماء العرب، وغيرهم من شعوب المنطقة، من أمازيغ، أو أكراد، انضموا إلى حملة "أعيدوا لنا بناتنا"؟ أكاد أجزم، وحسب معلوماتي، بالجواب الصادم: لا أحد ولا واحدة!
رسمياً، رأينا كيف بادر رؤساء الدول والحكومات عبر العالم إلى إدانة العمل الشنيع، وتعهد رؤساء دول كبيرة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بتقديم المساعدة العسكرية والاستخباراتية لاستعادة الفتيات المختطفات. كم من رئيس دولة عربية، أو إسلامية، دان الجريمة التي ترتكب باسم الإسلام؟ الجواب المخزي أيضا: لا أحد!
التنديدات الخجول، التي صدرت متأخرة من المنطقة العربية، عبّر عنها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي وصف ما قامت به "بوكو حرام"، الجماعة المصنفة بأنها "إرهابية"، بـ"العمل الإجرامي"، وطالبها، في الوقت نفسه، بـ "العودة إلى الرشد، وإلى أحكام الشريعة الصحيحة"، وكأن هذه الجماعة تحتكم إلى شريعة ما!
أما الأزهر، الذي يعتبر أهم سلطة مرجعية للمسلمين السنـّة في العالم، فاكتفى بإصدار بيان خجول، ربما لرفع الحرج، يطالب فيه بـ "الإفراج الفوري" عن الفتيات المختطفات. ورأى المفتي العام للسعودية، وهو أكبر مرجعية دينية في بلاد قبلة المسلمين، في الجريمة "مؤامرة" وأن منفذيها "فئة مدبرة لتشويه صورة الإسلام"! والحل في نظر المفتي الموقر هو "المناصحة"، عندما دعا إلى أنه "يجب أن يُناصحوا، ويُبيّن لهم الموقف السيىء وإنكار ذلك."!
المفارقة أن المفتي، الذي يدعو إلى "مناصحة" جماعة إرهابية، هو نفسه الذي لم يتردد في وصف جماعة سياسية، "الإخوان المسلمين"، بالإرهابية، وحذّر من التعامل أو مجرد التعاطف معها! والمفارقة، أيضاً، أن "الأزهر"،
زكّى بيان سلطات الانقلاب في بلاده بوصف جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية مارقة عن الملة والدين.
مثل هذه المواقف، التي تسيّس الدين، هي نفسها التي تشرّع لـ "فقه الإجرام"، الذي تتغذّى عليه جماعاتٌ جاهلة، تفتي بجزِّ رقاب البشر في العراق، وأكل قلوب البشر نيئة في سورية، ورش الفتيات الصغيرات بالماء الحارق في أفغانستان وباكستان، وسبي تلميذات المدارس في نيجيريا لعرضهن للبيع والاغتصاب، لأنهن كافرات!
مثل هذه الجماعات التي اختطفت الدين، ومن يزيّن لها أفعالها الشنيعة من "شيوخ" معتوهين، ومن يصمت مثلنا عن إدانة جرائمها، يسيء إلى الدين، الذي باسمه ترتكب كل هذه الفظائع، وتكره العالمين فيه. والرد على مثل هؤلاء لا يجب أن يقتصر على ترديد مقولات جاهزة، وبطريقةٍ تكاد تكون بليدة وبلهاء، من قبيل أن الإسلام "دين رحمة"، وشريعته "تكرم المرأة"، وهو بالفعل كذلك، وهؤلاء غلاة أو جهلاء أو لا علاقة لهم بالدين، وهم حقا كذلك... لكن، يجب أن نصارح أنفسنا بأن في الدين كل هذه الأشياء الجميلة، وفي بعض ممن يتحدثون باسمه كل هذه الموبقات التي نخجل من الإفصاح عنها، ونتردد في إدانتها، ونتراجع في مواجهتها.
المختطف الآخر الكبير المسكوت عنه، إلى جانب الفتيات النيجيريات اللواتي نطالب بإطلاقهن وندين بقوة مختطفيهن، هو الإسلام نفسه، والذي اختطف منذ قرون، ويختطفه يوميا معتوهون يهيمون في الصحارى، أو يختبئون في الكهوف، أو يسكنون الفضائيات أو يعتلون منابر السلطة... لا فرق بينهم جميعاً، مجموعة من الخاطفين عطلوا عقل الأمة، ورهنوا مستقبلها بظلام بتر الأعضاء والرجم والسبي... آن الأوان لنصرخ في وجوه هؤلاء المختطفين، من دون استثناء وبلا خوف: # أعيدوا ـ لنا ـ بناتنا. # أعيدوا ـ لنا ـ ديننا.