06 نوفمبر 2024
المحاور بدلا من الاتحادات
تحدث العاهل المغربي، الملك محمد السادس، أمام المجلس التأسيسي في تونس، عن "الاتحاد المغاربي" خياراً استراتيجياً، وفي اليوم التالي، فشل أعضاء الاتحاد في عقد اجتماع طارئ بشأن الأوضاع في ليبيا لوزراء الداخلية في دوله. وأصبح الفشل الكلمة السحرية التي تلخص أداء الاتحاد المذكور، والذي ولد ميتا قبل 25 عاماً. وتكاد حالته لا تختلف عما تبقى من اتحادات عربية لا يُعرف لماذا وكيف تولد، فيما يعلم الكل لماذا تفشل.
آخر هذه الاتحادات وأكثرها تماسكا، أو هكذا كان يُعتقد، هو مجلس التعاون الخليجي، والذي كشفت أزمة سحب السفراء من قطر عن هشاشةٍ في بنيانه. أما أكبرها وأقدمها، أي جامعة الدول العربية، فقد تحول إلى غرفة صدئة، لرجع صدى الخلافات العربية البينية. وتعود هشاشة الاتحادات العربية إلى غياب رؤية استراتيجية لدى مؤسسيها، عند وضع الحجرة الأولى لبنائها، فأغلب هذه "التجمعات" جاءت وليدة إملاءات خارجية، كما جامعة الدول العربية، أو نتيجة رغبة في التقوقع حول الذات، كالتي كانت، وما زالت، تحس بها دول الخليج العربي. أو رد فعل، كما مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر واليمن والأردن، والذي لم يعمر أكثر من أشهر، أو فقط لمسايرة "موضة" الاتحادات الإقليمية، شأن الاتحاد المغاربي.
بدأت هذه الاتحادات بشعارات كبيرة، وانتهت جثثا هامدة، من دون بلاغات نعي، أو نُصْبٍ تذكارية، لماذا؟ لأنها، بكل بساطة، لم تؤسس على رؤى استراتيجية واضحة، ومتواضعة أيضا. فالإتحاد الأوروبي الذي يضم اليوم 28 دولة أوروبية، قام على هدف واضح وبسيط، هو إقامة سوق للفحم والصلب، ستكون نواة لـ "السوق الأوروبية المشتركة"، قبل أن تتحول إلى "الاتحاد الأوروبي" الحالي. لكن، خلف هذا البناء الضخم كانت هناك، وفي البدء، رؤية استراتيجية واضحة، تتمثل في أن إعادة بناء أوروبا قوية اقتصادياً، ومتضامنة سياسياً، هي التي ستجنب شعوبها العودة إلى كوارث الحربين العالميتين المدمرتين.
في المقابل، عندما نراجع تاريخ الاتحادات العربية، نجد أن أغلبها قام على قرارات سياسية مرتجلة، فرضها مِزاج الحاكم، وغابت عنها الرؤية الاستراتيجية. لذلك، لا غرو أن تُمنى فكرة الاتحاد، كل مرة، بالفشل، لتحل محلها سياسة المحور. ومن يتأمل، اليوم، خريطة التحالفات العربية، يجد أن سياسات المحاور هي التي تخترقها، وليس استراتيجية الاتحادات. محور العراق وسورية وحزب الله في لبنان، ومحور مصر وبعض دول الخليج، ومحور الملكيات والإمارات مقابل محور دول الثورات، ومحور تونس والجزائر مقابل محور المغرب، ومحور العبث في ليبيا ومحور العزلة في السودان وموريتانيا، ومحور التهميش في اليمن ومحور النسيان في الصومال. محاور تحركها حسابات ومصالح شخصية وسياسات آنية، وأخرى تغذيها نعرات طائفية وعصبيات مذهبية، ومحاور هلامية بلا معنى، ولا أهداف، ولا غايات.
قبل أن يهتدي الأوروبيون إلى ضرورة بناء اتحادهم، جربوا سياسة المحاور التي كانت لها نتائج مدمرة على شعوبهم وبلدانهم، أما العرب فكلما فشلوا في بناء اتحاداتهم يعودون، مرة أخرى، إلى عصبياتهم وعشائرهم وتعصبهم المذهبي.
فشل الاتحادات الرسمية العربية يعود إلى أنها بنيت على قرارات سياسية فوقية، خضعت لمزاج الحاكم، وليس لمصلحة الشعب. هي "اتحادات رسمية"، فرضتها أنظمة تسلطية تعادي الديمقراطية، وتحارب حقوق الإنسان، وجوهر هذه الحقوق حق شعوبها في تقرير مصيرها، وتحديد مصالحها بنفسها. وما دامت الديمقراطية غائبة في المنطقة العربية، ستبقى التجمعات والاتحادات العربية التي تبنى بقرارات فوقية رهينة بمزاج الحاكم العربي الذي يضع نفسه فوق كل محاسبة، أو مساءلة. الحاكم الذي يبني الاتحادات ليهدمها، ويقيم على خرابها الأحلاف المفرقة والمدمرة.
آخر هذه الاتحادات وأكثرها تماسكا، أو هكذا كان يُعتقد، هو مجلس التعاون الخليجي، والذي كشفت أزمة سحب السفراء من قطر عن هشاشةٍ في بنيانه. أما أكبرها وأقدمها، أي جامعة الدول العربية، فقد تحول إلى غرفة صدئة، لرجع صدى الخلافات العربية البينية. وتعود هشاشة الاتحادات العربية إلى غياب رؤية استراتيجية لدى مؤسسيها، عند وضع الحجرة الأولى لبنائها، فأغلب هذه "التجمعات" جاءت وليدة إملاءات خارجية، كما جامعة الدول العربية، أو نتيجة رغبة في التقوقع حول الذات، كالتي كانت، وما زالت، تحس بها دول الخليج العربي. أو رد فعل، كما مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر واليمن والأردن، والذي لم يعمر أكثر من أشهر، أو فقط لمسايرة "موضة" الاتحادات الإقليمية، شأن الاتحاد المغاربي.
بدأت هذه الاتحادات بشعارات كبيرة، وانتهت جثثا هامدة، من دون بلاغات نعي، أو نُصْبٍ تذكارية، لماذا؟ لأنها، بكل بساطة، لم تؤسس على رؤى استراتيجية واضحة، ومتواضعة أيضا. فالإتحاد الأوروبي الذي يضم اليوم 28 دولة أوروبية، قام على هدف واضح وبسيط، هو إقامة سوق للفحم والصلب، ستكون نواة لـ "السوق الأوروبية المشتركة"، قبل أن تتحول إلى "الاتحاد الأوروبي" الحالي. لكن، خلف هذا البناء الضخم كانت هناك، وفي البدء، رؤية استراتيجية واضحة، تتمثل في أن إعادة بناء أوروبا قوية اقتصادياً، ومتضامنة سياسياً، هي التي ستجنب شعوبها العودة إلى كوارث الحربين العالميتين المدمرتين.
في المقابل، عندما نراجع تاريخ الاتحادات العربية، نجد أن أغلبها قام على قرارات سياسية مرتجلة، فرضها مِزاج الحاكم، وغابت عنها الرؤية الاستراتيجية. لذلك، لا غرو أن تُمنى فكرة الاتحاد، كل مرة، بالفشل، لتحل محلها سياسة المحور. ومن يتأمل، اليوم، خريطة التحالفات العربية، يجد أن سياسات المحاور هي التي تخترقها، وليس استراتيجية الاتحادات. محور العراق وسورية وحزب الله في لبنان، ومحور مصر وبعض دول الخليج، ومحور الملكيات والإمارات مقابل محور دول الثورات، ومحور تونس والجزائر مقابل محور المغرب، ومحور العبث في ليبيا ومحور العزلة في السودان وموريتانيا، ومحور التهميش في اليمن ومحور النسيان في الصومال. محاور تحركها حسابات ومصالح شخصية وسياسات آنية، وأخرى تغذيها نعرات طائفية وعصبيات مذهبية، ومحاور هلامية بلا معنى، ولا أهداف، ولا غايات.
قبل أن يهتدي الأوروبيون إلى ضرورة بناء اتحادهم، جربوا سياسة المحاور التي كانت لها نتائج مدمرة على شعوبهم وبلدانهم، أما العرب فكلما فشلوا في بناء اتحاداتهم يعودون، مرة أخرى، إلى عصبياتهم وعشائرهم وتعصبهم المذهبي.
فشل الاتحادات الرسمية العربية يعود إلى أنها بنيت على قرارات سياسية فوقية، خضعت لمزاج الحاكم، وليس لمصلحة الشعب. هي "اتحادات رسمية"، فرضتها أنظمة تسلطية تعادي الديمقراطية، وتحارب حقوق الإنسان، وجوهر هذه الحقوق حق شعوبها في تقرير مصيرها، وتحديد مصالحها بنفسها. وما دامت الديمقراطية غائبة في المنطقة العربية، ستبقى التجمعات والاتحادات العربية التي تبنى بقرارات فوقية رهينة بمزاج الحاكم العربي الذي يضع نفسه فوق كل محاسبة، أو مساءلة. الحاكم الذي يبني الاتحادات ليهدمها، ويقيم على خرابها الأحلاف المفرقة والمدمرة.