02 نوفمبر 2024
دول الخليج أمام تحدي الانقلاب في اليمن
مسارعة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاجتماع في الرياض الأربعاء، 21 يناير/كانون الثاني الجاري، عقب استيلاء الحوثيين على القصر الرئاسي ودار رئاسة الوزراء في صنعاء، تدلل على استشعار حضور البعد الإقليمي في الانقلاب المتدرج الذي تشهده اليمن والذي يقترب من فصله الأخير، على الرغم مما سُمي باتفاق بين الحوثيين وعبد ربه منصور هادي، وهو اتفاق إذعان لم يخدع أحداً، بما في ذلك حكومة خالد بحاج التي استقالت، ولم يمض على تشكيلها سوى أسابيع، بعد أن أدركت فراغ السلطة، والانسحاب المتمادي لهادي الذي لا يخلو من تواطؤ وتبعية، لذلك أحسن هذا الرجل بتقديمه استقالته بدوره، إذ إن بقاءه بمسمى الرئيس كان يلحق إهانة بالغة به، وبموقع الرئاسة، وبالشعب اليمني الذي ارتضاه رئيساً توافقيا له.
وإذ تبدو الساحة خاليةً أمام الانقلابيين الحوثيين لكي يحققوا استحواذهم الكامل على السلطة، فإن هذا التطور الدراماتيكي للأحداث، وإن كان يخلو حقاً من مفاجآت، إلا أن سلطة الأمر الواقعستجد نفسها ابتداء محرومة من أية شرعية، وسوف يسعى عبد الملك الحوثي إلى ملء فراغ الشرعية بأكبر قدر من خطاب التدليس وقلب الحقائق عن: ثورة شعبية تحققت، وعن وحدة وطنية يسعى إليها، وعن مشاركة سياسية واسعة لجميع الأطياف يتطلع إليها، وعن نبذ العنف والاحتكام إلى القانون، وصيانة سيادة اليمن واستقلالها، وهي مبادئ عمل هذا الرجل بكل ما أوتي من قدرات على مخالفتها ونقضها والطعن بها، وذلك جرياً على نهج حلفائه الإقليميين في طهران وبغداد وبيروت ودمشق، بقول الشيء وممارسة ما يعاكسه، والاستخفاف بذكاء الجمهور، وأخذ السياسة ببراغماتية مبتذلة، تجمع السطوة المسلحة إلى أكبر قدر من تزوير الوقائع والحقائق، واعتناق دور بطولي مزعوم، لا وجود له على أرض الواقع، إلا إذا كان تأجيج الصراع المذهبي والتذيّل لمحور إقليمي توسعي يتسمان بالبطولة!
بيان وزراء خارجية مجلس التعاون على الرغم من أنه صدر قبل استقالة هادي وحكومة بحاح، فقد جاء شديد الوضوح في إدانته الانقلاب، وفي اعتبار "أمن اليمن جزءاً من الأمن الوطني
لدول الخليج، وإن استقرار اليمن ووحدته يشكلان أولوية قصوى لدول الخليج التي ستتخذ الإجراءات المطلوبة لحماية أمنها واستقرارها ومصالحها الحيوية في اليمن".
من الطبيعي أن تسارع دول الخليج إلى اعتماد مواقف كهذه، بعد أن تم اختزال مشكلات المنطقة والعالم بداعش، وبدرجة أقل بأوكرانيا. وفي غمرة الانشغال الخليجي بهذه التطورات، لوحظ غياب ردود الفعل الدولية والإقليمية عن الحدث اليمني، وجرى الاكتفاء بمراقبة الوضع، ما يثير التساؤل حول جدية واشنطن وبقية دول الغرب في دعم العملية السياسية في اليمن. وإذا ما كانوا يختصرون الوضع كله في اليمن بمواجهات قد تتم بين الحوثيين والقاعدة على أرض اليمن، ولا يهم بعدئذ مصير الشعب اليمني كله، تماماً كما يحدث على الأرض السورية، حيث نسي الغرب 28 مليون سوري، واختزل ما يجري على الأرض بوجود داعش فقط.
وكان من الطبيعي أيضاً، والتزاماً بالشرعية الدولية، أن تساند دول الخليج القرارات الدولية بشأن اليمن، ومنها قرار حظر سفر قائدين عسكريين حوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتجميد أموالهما. وكذلك القرارات المتعلقة بالعملية السياسية والمبادرة الخليجية، وتعيين مبعوث أممي إلى اليمن.
ولا شك، الآن، في أن الأمور قد تسارعت، فالعملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية توقفت، وحلّت محلها مبادرة الحوثيين بالاستيلاء على السلطة، وتحوّلهم إلى سلطة أمر واقع. ولم تعد هناك من شرعية مؤسساتية في اليمن السعيد، لكي تساندها دول الخليج، وفق نص بيانهم في الرياض.
وبينما رفضت رئاسة مجلس النواب استقالة هادي، فمن المنتظر أن يعمد الزعيم الملهم الحوثي إلى حل المجلس المنتخب، وربما اعتقال عدد من أعضائه، فمنطق السطوة والانقلاب الذي دأب عليه الحوثيون لن يراعي أي عرف أو ناموس، ومن الضروري، في جميع الأحوال، أن ينشأ مجلس نواب جديد، تكون الأكثرية فيه للحوثيين، ولمن تتم استمالتهم، وكما هو الحال في دول الممانعة من إيران إلى سورية. أما المجلس الرئاسي الذي يعتزم الانقلابيون تشكيله، فمن الأجدى عدم الاعتراف به، أو التعامل معه خليجياً وعربياً، إلى أن يقول الشعب اليمني كلمته.
أجل.. في مساندتها المعلنة للشرعية اليمنية، تحسن دول الخليج صنعاً، برفضها أية تغييرات تحدث في هذا البلد، ورفض التعامل معها. ومن المنطقي والمفيد النأي عن اعتماد أي موقف قد يستفيد منه الانقلابيون، لإسباغ شرعية على ما اقترفوه بحق اليمن واليمنيين، حيث استغل هؤلاء موجة الربيع العربي في بلدهم للانقضاض التدريجي على السلطة من وراء ظهر الشعب، ولكي تكون محصلة الربيع في خدمة المحور الإيراني الإقليمي، وطرح المصالح العليا الوطنية جانباً.
في جميع الأحوال، تمتلك دول الخليج أوراقاً دبلوماسية وسياسية للتعاطي مع الانقلاب في اليمن، وذلك قبل أن يبادر الانقلابيون أنفسهم بالعبث بأمن الخليج، سواء في البحرين، أو على الحدود السعودية اليمنية الطويلة، أو في بقية دول المنطقة، وذلك باستفادة هؤلاء من الشبكة الإقليمية التي يستظلون بها، وتنسيقهم معها من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، وذلك من أجل أن يدرك من لم يدرك أن الانقلاب الحوثي يشكّل وبالاً على اليمنيين، ويثير كل أنواع الفتن الداخلية، بلونه المذهبي الطاغي، ولجوئه إلى العنف، وبمنافسته تنظيم القاعدة في التسلط المسلح على اليمنيين، وبما يُهيَّأ له من هدر سيادة هذا البلد واستقلاله، وقطع روابطه مع محيطه الإقليمي والجغرافي الطبيعي، لمصلحة محور إقليمي مركزه طهران.
وإذ تبدو الساحة خاليةً أمام الانقلابيين الحوثيين لكي يحققوا استحواذهم الكامل على السلطة، فإن هذا التطور الدراماتيكي للأحداث، وإن كان يخلو حقاً من مفاجآت، إلا أن سلطة الأمر الواقعستجد نفسها ابتداء محرومة من أية شرعية، وسوف يسعى عبد الملك الحوثي إلى ملء فراغ الشرعية بأكبر قدر من خطاب التدليس وقلب الحقائق عن: ثورة شعبية تحققت، وعن وحدة وطنية يسعى إليها، وعن مشاركة سياسية واسعة لجميع الأطياف يتطلع إليها، وعن نبذ العنف والاحتكام إلى القانون، وصيانة سيادة اليمن واستقلالها، وهي مبادئ عمل هذا الرجل بكل ما أوتي من قدرات على مخالفتها ونقضها والطعن بها، وذلك جرياً على نهج حلفائه الإقليميين في طهران وبغداد وبيروت ودمشق، بقول الشيء وممارسة ما يعاكسه، والاستخفاف بذكاء الجمهور، وأخذ السياسة ببراغماتية مبتذلة، تجمع السطوة المسلحة إلى أكبر قدر من تزوير الوقائع والحقائق، واعتناق دور بطولي مزعوم، لا وجود له على أرض الواقع، إلا إذا كان تأجيج الصراع المذهبي والتذيّل لمحور إقليمي توسعي يتسمان بالبطولة!
بيان وزراء خارجية مجلس التعاون على الرغم من أنه صدر قبل استقالة هادي وحكومة بحاح، فقد جاء شديد الوضوح في إدانته الانقلاب، وفي اعتبار "أمن اليمن جزءاً من الأمن الوطني
من الطبيعي أن تسارع دول الخليج إلى اعتماد مواقف كهذه، بعد أن تم اختزال مشكلات المنطقة والعالم بداعش، وبدرجة أقل بأوكرانيا. وفي غمرة الانشغال الخليجي بهذه التطورات، لوحظ غياب ردود الفعل الدولية والإقليمية عن الحدث اليمني، وجرى الاكتفاء بمراقبة الوضع، ما يثير التساؤل حول جدية واشنطن وبقية دول الغرب في دعم العملية السياسية في اليمن. وإذا ما كانوا يختصرون الوضع كله في اليمن بمواجهات قد تتم بين الحوثيين والقاعدة على أرض اليمن، ولا يهم بعدئذ مصير الشعب اليمني كله، تماماً كما يحدث على الأرض السورية، حيث نسي الغرب 28 مليون سوري، واختزل ما يجري على الأرض بوجود داعش فقط.
وكان من الطبيعي أيضاً، والتزاماً بالشرعية الدولية، أن تساند دول الخليج القرارات الدولية بشأن اليمن، ومنها قرار حظر سفر قائدين عسكريين حوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتجميد أموالهما. وكذلك القرارات المتعلقة بالعملية السياسية والمبادرة الخليجية، وتعيين مبعوث أممي إلى اليمن.
ولا شك، الآن، في أن الأمور قد تسارعت، فالعملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية توقفت، وحلّت محلها مبادرة الحوثيين بالاستيلاء على السلطة، وتحوّلهم إلى سلطة أمر واقع. ولم تعد هناك من شرعية مؤسساتية في اليمن السعيد، لكي تساندها دول الخليج، وفق نص بيانهم في الرياض.
وبينما رفضت رئاسة مجلس النواب استقالة هادي، فمن المنتظر أن يعمد الزعيم الملهم الحوثي إلى حل المجلس المنتخب، وربما اعتقال عدد من أعضائه، فمنطق السطوة والانقلاب الذي دأب عليه الحوثيون لن يراعي أي عرف أو ناموس، ومن الضروري، في جميع الأحوال، أن ينشأ مجلس نواب جديد، تكون الأكثرية فيه للحوثيين، ولمن تتم استمالتهم، وكما هو الحال في دول الممانعة من إيران إلى سورية. أما المجلس الرئاسي الذي يعتزم الانقلابيون تشكيله، فمن الأجدى عدم الاعتراف به، أو التعامل معه خليجياً وعربياً، إلى أن يقول الشعب اليمني كلمته.
أجل.. في مساندتها المعلنة للشرعية اليمنية، تحسن دول الخليج صنعاً، برفضها أية تغييرات تحدث في هذا البلد، ورفض التعامل معها. ومن المنطقي والمفيد النأي عن اعتماد أي موقف قد يستفيد منه الانقلابيون، لإسباغ شرعية على ما اقترفوه بحق اليمن واليمنيين، حيث استغل هؤلاء موجة الربيع العربي في بلدهم للانقضاض التدريجي على السلطة من وراء ظهر الشعب، ولكي تكون محصلة الربيع في خدمة المحور الإيراني الإقليمي، وطرح المصالح العليا الوطنية جانباً.
في جميع الأحوال، تمتلك دول الخليج أوراقاً دبلوماسية وسياسية للتعاطي مع الانقلاب في اليمن، وذلك قبل أن يبادر الانقلابيون أنفسهم بالعبث بأمن الخليج، سواء في البحرين، أو على الحدود السعودية اليمنية الطويلة، أو في بقية دول المنطقة، وذلك باستفادة هؤلاء من الشبكة الإقليمية التي يستظلون بها، وتنسيقهم معها من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، وذلك من أجل أن يدرك من لم يدرك أن الانقلاب الحوثي يشكّل وبالاً على اليمنيين، ويثير كل أنواع الفتن الداخلية، بلونه المذهبي الطاغي، ولجوئه إلى العنف، وبمنافسته تنظيم القاعدة في التسلط المسلح على اليمنيين، وبما يُهيَّأ له من هدر سيادة هذا البلد واستقلاله، وقطع روابطه مع محيطه الإقليمي والجغرافي الطبيعي، لمصلحة محور إقليمي مركزه طهران.