08 نوفمبر 2024
إيران وحزب الله.. المصالح والطائفة أولاً
في أوائل التسعينيات، كتب الكاتب المغربي، عبد الإله بلقزيز، مقالاً خلص فيه إلى أن "السياسة هي درجة احتراق الإيديولوجيا"، بمعنى أن الأفكار والقيم والمُثل تتراجع وتضعف، بل وقد تنحرف وتنصهر وتتلاشى، متى ما دخلت بوتقة السياسة بواقعيتها وشراستها ولا أخلاقيتها. واليوم، تعود هذه الخلاصة لتثبت منطقيتها وصحتها، خصوصاً ونحن نتابع، منذ سنين، تلك التحولات الدراماتيكية في مواقف وخطاب حزب الله اللبناني، وزعيمه حسن نصر الله، مع ضرورة ملاحظة أن تغيرات وتقلبات حزب الله لا تعود إلى حسابات السياسة فحسب، بقدر ما أن اعتبارات "المذهب" حاضرة كذلك.
ففي مقابلة مع قناة المنار التلفزيونية، التابعة للحزب، الأسبوع الماضي، لم يدّخر نصر الله جهداً في تبرير "تعزيز" روسيا وجودها العسكري في سورية، دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد ولمنع سقوطه. وزعم نصر الله أن فشل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية هو الذي دفع روسيا إلى التدخل. وأضاف "نرحب بأي قوة تدخل وتساهم وتساند هذه الجبهة، لأنها من خلال مشاركتها سوف تساهم بإبعاد الأخطار الكبرى التي تهدد سورية والمنطقة. ونحن نعتبر أن دخول العامل الروسي هو عامل إيجابي، وتترتب عليه نتائج إيجابية." وقال نصر الله إن روسيا تطالب، منذ شهور، بتحالف جديد لقتال "الدولة الإسلامية"، على أن يتم ضم سورية والعراق وإيران للقتال إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها. واعتبر أن هَمَّ إيران الأول أن "لا تسقط سورية بيد الإرهاب"، وأن "تبقى في محور المقاومة"، وهي أسطوانة مشروخة لم يعد لها معنى أبداً، ذلك أن إسرائيل، اليوم، ليست في أعلى قائمة الأعداء إيرانياً، وحتى بالنسبة لحزب الله. ألم يقل نصر الله، نفسه، قبل أشهر، إن "طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني وحمص وحلب والسويداء والحسكة"!
ببضع كلمات، وبمنطق معوج، أصبح الوجود الاستعماري الروسي، عملياً، في سورية أمراً "مرحباً" به، و"عاملاً إيجابياً" في نظر "زعيم المقاومة"، في سياق ما يزعمه من تصدٍّ "للحرب الكونية على سورية"! بل إن نصر الله يذهب، في شطحاته، إلى أبعد من ذلك، وهو يزعم أن إسرائيل غير سعيدة بالدور الروسي الجديد في سورية، ذلك أن هذا يلغي طموحاتها بإسقاط نظام الأسد! طبعاً، فإن "زعيم المقاومة" الذي يتكلم بقناعات حاسمة، بناء على قراءة
للموقف الإسرائيلي، يدّعي دقتها، لا يشرح لنا ذلك الكَمَّ الكبير من التصريحات والمقالات والدراسات الإسرائيلية التي ترى في بقاء نظام الأسد مهلهلاً، ضعيفاً، ومعزولاً، مصلحة إسرائيلية عليا. فسورية، حسب المقاربة الإسرائيلية، مغناطيس جذب لأعداء إسرائيل من "متطرفي" السنة والشيعة، أين ينهكون أنفسهم ذاتياً، ويخرجون سورية الدولة من دائرة التوازنات في المنطقة. أيضاً، لا يشرح لنا نصر الله اتفاق كل من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في لقائهما في موسكو، قبل أسبوعين تقريباً، "على آلية لمنع حدوث سوء تفاهم" بين قوات البلدين، في تعبيرٍ ضمني عن القبول الروسي باستمرار طلعات الطيران الحربي الإسرائيلي فوق سورية، لمنع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله، وكذلك منع جبهة جديدة في الجولان، حسب تعبير نتنياهو.
لا تقف تناقضات نصر الله وتخليطاته عند سورية. ففي اليمن، يدافع نصر الله عن انقلاب الحوثيين على الشرعية، ويعتبر أن المعركة هناك تشن على قاعدة الموقف من إسرائيل وأميركا. لن نسأل، هنا، عن تناقض موقف نصر الله مما يجري في كل من سورية واليمن، من حيث الموقف من "الشرعية" السياسية، فمرة أخرى، فإن للسياسة ضروراتها، حتى وإن كانت غير أخلاقية. ولكن، كيف تكون المعركة في اليمن على قاعدة الموقف من إسرائيل وأميركا، وولي نعمة الحوثيين وحزب الله، إيران، نفسها، تقدم، اليوم، أوراق اعتمادها أميركياً وغربياً، حليفاً في "الحرب على الإرهاب"؟ وليرجع من أراد المحاججة، هنا، إلى خطاب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأسبوع الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى خطابه الذي ألقاه في (22/9)، في طهران، قبل عرض عسكري كبير بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وقال فيه: "نقول للعالم إن القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب هي القوات المسلحة الإيرانية (...). هي وحدها قادرة على تدمير الإرهابيين". وأضاف "نحن مستعدون للمساعدة في القضاء على الإرهاب، وتمهيد الطريق للديمقراطية". بل إن حزب الله يقدم نفسه اليوم شريكاً في "الحرب على الإرهاب"، طبعاً، السنّي "التكفيري"، كما قال نصر الله غير مرة.
ولا ينسى نصر الله الحديث عن "الحراك الشعبي" في البحرين، معلناً تأييده "للمظلومية الشعبية" هناك، وثقته بانتصار "مطالب الشعب المحقة"، من دون أن يشرح لنا كيف تكون الأحداث في البحرين "حراكاً شعبياً" بـ"مطالب محقة"، في حين أنها في سورية "مؤامرة كونية" على "نظام الممانعة" و"محور المقاومة"؟
باختصار، تنطلق مواقف حزب الله ومرجعيته في إيران، من حسابات سياسية براغماتية بحتة، لا مكان للأخلاق فيها، مهما زعم غير ذلك. أيضاً، فإن اعتبارات الطائفة حاضرة في تلك الحسابات، في العراق وسورية واليمن ولبنان، وأي مزاعم غير ذلك كاذبة. ألم يقل نصر الله عام 2013 إن أحد أسباب وقوف حزبه وإيران مع نظام الأسد في سورية هو "منع سقوط مقام السيدة زينب، ومنع التكفيريين من هدم هذا المقام" في دمشق؟ ونحن، وإنْ كنا ضد أي تعدٍّ على مقاماتٍ مقدسة لأي طائفة أو مجموعة دينية، غير أن ذلك لا ينبغي أن ينسينا حرمة الإنسان وقداسته، اللتيْن تدوسهما إيران وأدواتها في المنطقة، وهي حرمة مقدمة على حرمة المقامات والأضرحة والمساجد، لكنها السياسة التي احترقت عندها الأيديولوجيا. قاتل الله سياسة كهذه.
ففي مقابلة مع قناة المنار التلفزيونية، التابعة للحزب، الأسبوع الماضي، لم يدّخر نصر الله جهداً في تبرير "تعزيز" روسيا وجودها العسكري في سورية، دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد ولمنع سقوطه. وزعم نصر الله أن فشل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية هو الذي دفع روسيا إلى التدخل. وأضاف "نرحب بأي قوة تدخل وتساهم وتساند هذه الجبهة، لأنها من خلال مشاركتها سوف تساهم بإبعاد الأخطار الكبرى التي تهدد سورية والمنطقة. ونحن نعتبر أن دخول العامل الروسي هو عامل إيجابي، وتترتب عليه نتائج إيجابية." وقال نصر الله إن روسيا تطالب، منذ شهور، بتحالف جديد لقتال "الدولة الإسلامية"، على أن يتم ضم سورية والعراق وإيران للقتال إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها. واعتبر أن هَمَّ إيران الأول أن "لا تسقط سورية بيد الإرهاب"، وأن "تبقى في محور المقاومة"، وهي أسطوانة مشروخة لم يعد لها معنى أبداً، ذلك أن إسرائيل، اليوم، ليست في أعلى قائمة الأعداء إيرانياً، وحتى بالنسبة لحزب الله. ألم يقل نصر الله، نفسه، قبل أشهر، إن "طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني وحمص وحلب والسويداء والحسكة"!
ببضع كلمات، وبمنطق معوج، أصبح الوجود الاستعماري الروسي، عملياً، في سورية أمراً "مرحباً" به، و"عاملاً إيجابياً" في نظر "زعيم المقاومة"، في سياق ما يزعمه من تصدٍّ "للحرب الكونية على سورية"! بل إن نصر الله يذهب، في شطحاته، إلى أبعد من ذلك، وهو يزعم أن إسرائيل غير سعيدة بالدور الروسي الجديد في سورية، ذلك أن هذا يلغي طموحاتها بإسقاط نظام الأسد! طبعاً، فإن "زعيم المقاومة" الذي يتكلم بقناعات حاسمة، بناء على قراءة
لا تقف تناقضات نصر الله وتخليطاته عند سورية. ففي اليمن، يدافع نصر الله عن انقلاب الحوثيين على الشرعية، ويعتبر أن المعركة هناك تشن على قاعدة الموقف من إسرائيل وأميركا. لن نسأل، هنا، عن تناقض موقف نصر الله مما يجري في كل من سورية واليمن، من حيث الموقف من "الشرعية" السياسية، فمرة أخرى، فإن للسياسة ضروراتها، حتى وإن كانت غير أخلاقية. ولكن، كيف تكون المعركة في اليمن على قاعدة الموقف من إسرائيل وأميركا، وولي نعمة الحوثيين وحزب الله، إيران، نفسها، تقدم، اليوم، أوراق اعتمادها أميركياً وغربياً، حليفاً في "الحرب على الإرهاب"؟ وليرجع من أراد المحاججة، هنا، إلى خطاب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأسبوع الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى خطابه الذي ألقاه في (22/9)، في طهران، قبل عرض عسكري كبير بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وقال فيه: "نقول للعالم إن القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب هي القوات المسلحة الإيرانية (...). هي وحدها قادرة على تدمير الإرهابيين". وأضاف "نحن مستعدون للمساعدة في القضاء على الإرهاب، وتمهيد الطريق للديمقراطية". بل إن حزب الله يقدم نفسه اليوم شريكاً في "الحرب على الإرهاب"، طبعاً، السنّي "التكفيري"، كما قال نصر الله غير مرة.
ولا ينسى نصر الله الحديث عن "الحراك الشعبي" في البحرين، معلناً تأييده "للمظلومية الشعبية" هناك، وثقته بانتصار "مطالب الشعب المحقة"، من دون أن يشرح لنا كيف تكون الأحداث في البحرين "حراكاً شعبياً" بـ"مطالب محقة"، في حين أنها في سورية "مؤامرة كونية" على "نظام الممانعة" و"محور المقاومة"؟
باختصار، تنطلق مواقف حزب الله ومرجعيته في إيران، من حسابات سياسية براغماتية بحتة، لا مكان للأخلاق فيها، مهما زعم غير ذلك. أيضاً، فإن اعتبارات الطائفة حاضرة في تلك الحسابات، في العراق وسورية واليمن ولبنان، وأي مزاعم غير ذلك كاذبة. ألم يقل نصر الله عام 2013 إن أحد أسباب وقوف حزبه وإيران مع نظام الأسد في سورية هو "منع سقوط مقام السيدة زينب، ومنع التكفيريين من هدم هذا المقام" في دمشق؟ ونحن، وإنْ كنا ضد أي تعدٍّ على مقاماتٍ مقدسة لأي طائفة أو مجموعة دينية، غير أن ذلك لا ينبغي أن ينسينا حرمة الإنسان وقداسته، اللتيْن تدوسهما إيران وأدواتها في المنطقة، وهي حرمة مقدمة على حرمة المقامات والأضرحة والمساجد، لكنها السياسة التي احترقت عندها الأيديولوجيا. قاتل الله سياسة كهذه.