21 فبراير 2018
أردوغان يرفع رأسه
يُفتح باب النجاح لمن يدفعه بقوة وجرأة، مثل يصدق على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي عارض، منذ إعلان نتائج الانتخابات، الصيف الماضي، تشكيل حكومة ائتلافية، بعد فشل حزبه "العدالة والتنمية" في الحصول على الأغلبية المطلقة، وفضّل الرجوع إلى الشعب في انتخابات جديدة. لا يخفي ابن حارة قاسم باشا كرهه الحكومات الائتلافية، ولا طموحه في قيادة تركيا نحو رؤية 2023.
كيف نجح الحزب الإسلامي المحافظ في قلب المعادلة السياسية، واستعادة 4.5 ملايين صوت، كان قد خسرها، في يونيو/ حزيران الماضي؟ استفاد من أربعة متغيرات، أولها أن انشقاقاً حاداً وقع في حزب الحركة القومية، نتيجة تشدد زعيمه الذي رفض المشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب المصباح. ولمّا ووجه زعيم الحزب باحتجاجات ابن الزعيم المؤسس للحركة، توغرول توركيش، طرده رئيس الحزب، ما دفع الأخير إلى الانتقال مع مؤيديه إلى حزب العدالة والتنمية، والترشح على قوائم الحزب الإسلامي المحافظ، وهذا ما جعل حزب الحركة القومية يخسر نصف مقاعده في البرلمان بين شهري يونيو ونوفمبر (نزلت من 80 إلى41 مقعداً)، وكانت هذه ضربة قاسية للحزب القومي الذي يوصف زعيمه بالسيد لا.
المتغير الثاني الذي صب في مصلحة حزب داود أوغلو، هو تغيير قانون الولايتين البرلمانيتين، الذي كان يمنع نواب الحزب من التقدم للانتخابات لولايات أخرى، الأمر الذي أضر بشعبية الحزب، ودفع رموزاً كثيرة كانت معروفة في دوائرها إلى التقاعد البرلماني والسياسي قبل الأوان، والبحث عن وجوه شابة لا يعرفها الناخبون لترشيحها مكان (الشيوخ)، خصوصاً في البوادي والمدن الصغيرة، حيث يرتبط الناخبون بالأشخاص، أكثر من الأحزاب. ألغي هذا البند من لوائح الحزب الداخلية في هذه الانتخابات، وسمح لوجوه برلمانية كثيرة بمعاودة الترشح، ما عزز نفوذ الحزب في دوائر كثيرة، هيمن فيها (شيوخ الحزب) المعروفون لدى الناخب.
المتغير الثالث أن الحزب غيّر استراتيجيته الانتخابية، حيث أبعد، ولو مؤقتاً، مشروع تحويل النظام التركي من برلماني إلى رئاسي، كما أن رئيس الدولة، الزعيم أردوغان، أخذ مسافة محسوبة عن حملة حزبه الانتخابية، عكس ما حصل في يونيو/ حزيران الماضي، حيث لم يتقبل الناخب التركي أن تتحول الانتخابات البرلمانية إلى استفتاء على شكل النظام. صالح هذا الأمر الحزب مع جزء مهم من الناخبين الأتراك الذين رجعوا إلى التصويت على الحزب الذي يتوفر على حصيلة اقتصادية مهمة للغاية، بحيث نقل الحزب الإسلامي الليبرالي المحافظ تركيا إلى الدول الصاعدة.
المتغير الرابع الذي أفاد حزب أردوغان ميل الناخب إلى الاستقرار الذي يضمن الأمن في محيط إقليمي جد مضطرب، خصوصاً بعد عودة حزب العمال الكردستاني إلى حمل السلاح، وامتداد يد الاٍرهاب الداعشي إلى الداخل التركي، ودخول البلاد إلى شبه حرب مفتوحة مع الأكراد وتنظيم الدولة. هنا، اتجه الناخب إلى الحسم في الاستقرار، والوقوف خلف القيادة التي تحارب تحت تأثير شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
لم يرُق فوز حزب أردوغان بولاية حكومية رابعة لإسرائيل التي تنظر بعين السخط إلى سياسات أنقرة المساندة للحقوق الفلسطينية، كما النظام العسكري في القاهرة الذي يرى أن شعار رابعة مازال مرفوعاً في تركيا التي تستضيف قادة المعارضة، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون. الأمر نفسه يقال عن الاتحاد الأوروبي وأميركا، اللذين لا يريدان أن يروا دولة صاعدة وقوية عَلى علمها هلال أبيض يرمز للثقافة الإسلامية. لهذا سمعنا الاتحاد الأوروبي ينصح الأتراك بالعمل بروح وطنية، وكأن في الدولة حرباً أهلية.
ما يزعج الاستبداد العربي في التجربة التركية أنها ديمقراطية، وما يزعج الغرب فيها أنها شكلت حلاً وسطاً بين الإسلام والديمقراطية، وما يزعج العلمانيين المتطرفين فيها أنها تشكل نموذجاً ملهماً للإسلاميين العرب الذين لم يوفّقوا في ابتكار نموذج ناجح في الحكم، مثلما اخترعوا أسلحة فتاكة للمعارضة.
كيف نجح الحزب الإسلامي المحافظ في قلب المعادلة السياسية، واستعادة 4.5 ملايين صوت، كان قد خسرها، في يونيو/ حزيران الماضي؟ استفاد من أربعة متغيرات، أولها أن انشقاقاً حاداً وقع في حزب الحركة القومية، نتيجة تشدد زعيمه الذي رفض المشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب المصباح. ولمّا ووجه زعيم الحزب باحتجاجات ابن الزعيم المؤسس للحركة، توغرول توركيش، طرده رئيس الحزب، ما دفع الأخير إلى الانتقال مع مؤيديه إلى حزب العدالة والتنمية، والترشح على قوائم الحزب الإسلامي المحافظ، وهذا ما جعل حزب الحركة القومية يخسر نصف مقاعده في البرلمان بين شهري يونيو ونوفمبر (نزلت من 80 إلى41 مقعداً)، وكانت هذه ضربة قاسية للحزب القومي الذي يوصف زعيمه بالسيد لا.
المتغير الثاني الذي صب في مصلحة حزب داود أوغلو، هو تغيير قانون الولايتين البرلمانيتين، الذي كان يمنع نواب الحزب من التقدم للانتخابات لولايات أخرى، الأمر الذي أضر بشعبية الحزب، ودفع رموزاً كثيرة كانت معروفة في دوائرها إلى التقاعد البرلماني والسياسي قبل الأوان، والبحث عن وجوه شابة لا يعرفها الناخبون لترشيحها مكان (الشيوخ)، خصوصاً في البوادي والمدن الصغيرة، حيث يرتبط الناخبون بالأشخاص، أكثر من الأحزاب. ألغي هذا البند من لوائح الحزب الداخلية في هذه الانتخابات، وسمح لوجوه برلمانية كثيرة بمعاودة الترشح، ما عزز نفوذ الحزب في دوائر كثيرة، هيمن فيها (شيوخ الحزب) المعروفون لدى الناخب.
المتغير الثالث أن الحزب غيّر استراتيجيته الانتخابية، حيث أبعد، ولو مؤقتاً، مشروع تحويل النظام التركي من برلماني إلى رئاسي، كما أن رئيس الدولة، الزعيم أردوغان، أخذ مسافة محسوبة عن حملة حزبه الانتخابية، عكس ما حصل في يونيو/ حزيران الماضي، حيث لم يتقبل الناخب التركي أن تتحول الانتخابات البرلمانية إلى استفتاء على شكل النظام. صالح هذا الأمر الحزب مع جزء مهم من الناخبين الأتراك الذين رجعوا إلى التصويت على الحزب الذي يتوفر على حصيلة اقتصادية مهمة للغاية، بحيث نقل الحزب الإسلامي الليبرالي المحافظ تركيا إلى الدول الصاعدة.
المتغير الرابع الذي أفاد حزب أردوغان ميل الناخب إلى الاستقرار الذي يضمن الأمن في محيط إقليمي جد مضطرب، خصوصاً بعد عودة حزب العمال الكردستاني إلى حمل السلاح، وامتداد يد الاٍرهاب الداعشي إلى الداخل التركي، ودخول البلاد إلى شبه حرب مفتوحة مع الأكراد وتنظيم الدولة. هنا، اتجه الناخب إلى الحسم في الاستقرار، والوقوف خلف القيادة التي تحارب تحت تأثير شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
لم يرُق فوز حزب أردوغان بولاية حكومية رابعة لإسرائيل التي تنظر بعين السخط إلى سياسات أنقرة المساندة للحقوق الفلسطينية، كما النظام العسكري في القاهرة الذي يرى أن شعار رابعة مازال مرفوعاً في تركيا التي تستضيف قادة المعارضة، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون. الأمر نفسه يقال عن الاتحاد الأوروبي وأميركا، اللذين لا يريدان أن يروا دولة صاعدة وقوية عَلى علمها هلال أبيض يرمز للثقافة الإسلامية. لهذا سمعنا الاتحاد الأوروبي ينصح الأتراك بالعمل بروح وطنية، وكأن في الدولة حرباً أهلية.
ما يزعج الاستبداد العربي في التجربة التركية أنها ديمقراطية، وما يزعج الغرب فيها أنها شكلت حلاً وسطاً بين الإسلام والديمقراطية، وما يزعج العلمانيين المتطرفين فيها أنها تشكل نموذجاً ملهماً للإسلاميين العرب الذين لم يوفّقوا في ابتكار نموذج ناجح في الحكم، مثلما اخترعوا أسلحة فتاكة للمعارضة.