06 نوفمبر 2024
الكاتب بين الخطأ والخطيئة
أُوقف فريد زكريا، مرّة، عن عمله في مجلة التايم، على خلفية نقله فقرات من مقالة منشورة في مجلة النيويوركر، من دون ذكر المصدر، لكنه عاود الكتابة بعد حين، وذكرت "التايم" أن خطأه كان غير متعمد، ووصفته بأنه "صوت مميز ومهم". وفي الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة "المصري اليوم" مقالة نسبتها إلى مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة، واتضح أنها لكاتب آخر، واعتذرت الصحيفة عن الخطأ غير المقصود.
مثل هذا حدث معي أيضا، إذ نشر موقع الناقد العراقي مقالة لي عرضت فيها لرواية "الوصمة البشرية" للروائي الأميركي فيليب روث، ولكن باسم كاتب آخر، ثم تم تصحيح الخطأ. والطريف أن أحداث الرواية نفسها عن أخطاء صغيرة قد ترتكب عن غير عمد، لكنها قد تتحول خطايا تستوجب المساءلة والعقاب، بفعل ظروف وأحوال ليست في الحسبان. بطل الرواية كولمن سيلك أستاذ جامعي مرموق، ارتكب خطأً بدا بسيطاً أول الأمر، لكنه تضخم وكبر، ليصبح مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت، فقد أطلق عفوياً على اثنين من طلبته كانا يغيبان عن محاضراته دائماً وصف "SPOOKS"، وكان يقصد أن الطالبين مجرد شبحين، وهو المعنى الذي تعطيه الكلمة، لكن المعنى الآخر في اللغة المحكية السائدة، آنذاك، كان يعبر عن نوع من الازدراء لذوي البشرة السوداء، وقد مثل وصفه جرحاً في كرامة الطالبين اللذين كانا من الأصل الزنجي، واعتبر هذا التصرف حالة تمييز عرقي لا تليق بشخصية جامعية محترمة، وتحول الخطأ البسيط إلى خطيئة، لم ينل عليها الغفران، مع أنه أكد لكل من يعرفه حسن نيته، وأنه قصد أن الطالبين مجرد شبحين، إذ لم يشاهدهما مرة في الصف، لكن الضجة التي رافقت الحادثة قامت ولم تقعد، وأدت إلى خسارته وظيفته، ليصبح قعيد المنزل.
هكذا تبدو مزالق الأساتذة الجامعيين والكتاب والفنانين، ومن يضعه عمله على صلة مباشرة بالرأي العام، على الحد بين الخطأ الذي يقبل التصويب والخطيئة التي تفرض العقوبة، تماماً مثل خطأ الأستاذ الجامعي الذي روى حكايته فيليب روث في "الوصمة البشرية"، ومثل خطأ فريد زكريا "غير المتعمد" الذي تحول إلى كرة ثلج كبرت عندما تدحرجت.
كما أن خطأ عامل طباعة قد يصير خطيئة تمتزج فيها الطرافة والإثارة غير المقصودة وقد تعرّضه للحساب. ومن ذلك ما حدث في صحيفة عراقية في عهد لم تكن فيه التكنولوجيا الحديثة قد حضرت، وكانت الصحيفة تتعامل، في طباعتها، بطريقة صف الحروف البدائية التي عادة ما يقوم بها عمال مطابع مهرة. ورد إلى الصحيفة خبر وفاة شخصية اجتماعية مهمة في الساعة الأخيرة قبل إكمال الطبع، واحتوى الخبر في نهايته عبارة "جعل الله مسكنه في الجنة"، وأرسل المحرر الخبر إلى الطباع على عجل، بعد أن كتب عليه "إن كان له مكان"، قاصداً نشر الخبر في حالة وجود متسع في الصحيفة التي توشك صفحاتها أن تغلق، لكن الطبّاع أضاف ملاحظة المحرر إلى متن الخبر، وظهرت الصحيفة في اليوم التالي تحمل خبر وفاة الشخصية الاجتماعية المهمة، وفي آخره "جعل الله مسكنه في الجنة إن كان له مكان"، والبقية معروفة.
في وسعي أن أضع مقالتي "إنها طبول الحرب" المنشورة في "العربي الجديد"، (2 /12 /2015) في خانة الخطأ غير المقصود، والذي يستوجب التصويب، إذ استندت إلى مصادر ثانوية في نقل فقراتٍ من مقابلة مزعومة مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، ولم أكلف نفسي عناء البحث عن المصدر الأصلي والعودة إليه. ثم اتضح لي، لاحقاً، أن موقعاً إلكترونياً ساخراً اختلق المقابلة التي لم تُجر أصلاً. إنه خطأ مني أعترف به وأقر، معتذراً للقارئ وللصحيفة، ومعتذراً أيضاً للسيد كيسنجر، وإن كنت أرى أن المقاطع التي نسبت إليه تعبر بالفعل عن وجهة نظره، وإن لم ينطق بها لسانه، فهو أحد أساطين السياسات الأميركية المعادية للعرب، والممالئة لإسرائيل، ومواقفه معروفة من قضايانا، وخصوصاً من القضية الفلسطينية، وكان من داعمي غزو العراق، وصنف دولاً عربية على أنها هجينة، رسمت خرائطها على عجل، لتحقيق أهداف معينة، داعيا إلى تفكيكها وإعادة رسم خرائطها، ملمحا إلى أن الحروب الأهلية قد تفتح الطريق لإنشاء نظام عالمي جديد، ترعاه الولايات المتحدة.
ألا تكفي كل هذه الخطايا التي ارتكبها السيد كيسنجر بحقنا لتغفر لكاتب مثلي خطأ صغيراً كالذي وقعت فيه؟
مثل هذا حدث معي أيضا، إذ نشر موقع الناقد العراقي مقالة لي عرضت فيها لرواية "الوصمة البشرية" للروائي الأميركي فيليب روث، ولكن باسم كاتب آخر، ثم تم تصحيح الخطأ. والطريف أن أحداث الرواية نفسها عن أخطاء صغيرة قد ترتكب عن غير عمد، لكنها قد تتحول خطايا تستوجب المساءلة والعقاب، بفعل ظروف وأحوال ليست في الحسبان. بطل الرواية كولمن سيلك أستاذ جامعي مرموق، ارتكب خطأً بدا بسيطاً أول الأمر، لكنه تضخم وكبر، ليصبح مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت، فقد أطلق عفوياً على اثنين من طلبته كانا يغيبان عن محاضراته دائماً وصف "SPOOKS"، وكان يقصد أن الطالبين مجرد شبحين، وهو المعنى الذي تعطيه الكلمة، لكن المعنى الآخر في اللغة المحكية السائدة، آنذاك، كان يعبر عن نوع من الازدراء لذوي البشرة السوداء، وقد مثل وصفه جرحاً في كرامة الطالبين اللذين كانا من الأصل الزنجي، واعتبر هذا التصرف حالة تمييز عرقي لا تليق بشخصية جامعية محترمة، وتحول الخطأ البسيط إلى خطيئة، لم ينل عليها الغفران، مع أنه أكد لكل من يعرفه حسن نيته، وأنه قصد أن الطالبين مجرد شبحين، إذ لم يشاهدهما مرة في الصف، لكن الضجة التي رافقت الحادثة قامت ولم تقعد، وأدت إلى خسارته وظيفته، ليصبح قعيد المنزل.
هكذا تبدو مزالق الأساتذة الجامعيين والكتاب والفنانين، ومن يضعه عمله على صلة مباشرة بالرأي العام، على الحد بين الخطأ الذي يقبل التصويب والخطيئة التي تفرض العقوبة، تماماً مثل خطأ الأستاذ الجامعي الذي روى حكايته فيليب روث في "الوصمة البشرية"، ومثل خطأ فريد زكريا "غير المتعمد" الذي تحول إلى كرة ثلج كبرت عندما تدحرجت.
كما أن خطأ عامل طباعة قد يصير خطيئة تمتزج فيها الطرافة والإثارة غير المقصودة وقد تعرّضه للحساب. ومن ذلك ما حدث في صحيفة عراقية في عهد لم تكن فيه التكنولوجيا الحديثة قد حضرت، وكانت الصحيفة تتعامل، في طباعتها، بطريقة صف الحروف البدائية التي عادة ما يقوم بها عمال مطابع مهرة. ورد إلى الصحيفة خبر وفاة شخصية اجتماعية مهمة في الساعة الأخيرة قبل إكمال الطبع، واحتوى الخبر في نهايته عبارة "جعل الله مسكنه في الجنة"، وأرسل المحرر الخبر إلى الطباع على عجل، بعد أن كتب عليه "إن كان له مكان"، قاصداً نشر الخبر في حالة وجود متسع في الصحيفة التي توشك صفحاتها أن تغلق، لكن الطبّاع أضاف ملاحظة المحرر إلى متن الخبر، وظهرت الصحيفة في اليوم التالي تحمل خبر وفاة الشخصية الاجتماعية المهمة، وفي آخره "جعل الله مسكنه في الجنة إن كان له مكان"، والبقية معروفة.
في وسعي أن أضع مقالتي "إنها طبول الحرب" المنشورة في "العربي الجديد"، (2 /12 /2015) في خانة الخطأ غير المقصود، والذي يستوجب التصويب، إذ استندت إلى مصادر ثانوية في نقل فقراتٍ من مقابلة مزعومة مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، ولم أكلف نفسي عناء البحث عن المصدر الأصلي والعودة إليه. ثم اتضح لي، لاحقاً، أن موقعاً إلكترونياً ساخراً اختلق المقابلة التي لم تُجر أصلاً. إنه خطأ مني أعترف به وأقر، معتذراً للقارئ وللصحيفة، ومعتذراً أيضاً للسيد كيسنجر، وإن كنت أرى أن المقاطع التي نسبت إليه تعبر بالفعل عن وجهة نظره، وإن لم ينطق بها لسانه، فهو أحد أساطين السياسات الأميركية المعادية للعرب، والممالئة لإسرائيل، ومواقفه معروفة من قضايانا، وخصوصاً من القضية الفلسطينية، وكان من داعمي غزو العراق، وصنف دولاً عربية على أنها هجينة، رسمت خرائطها على عجل، لتحقيق أهداف معينة، داعيا إلى تفكيكها وإعادة رسم خرائطها، ملمحا إلى أن الحروب الأهلية قد تفتح الطريق لإنشاء نظام عالمي جديد، ترعاه الولايات المتحدة.
ألا تكفي كل هذه الخطايا التي ارتكبها السيد كيسنجر بحقنا لتغفر لكاتب مثلي خطأ صغيراً كالذي وقعت فيه؟