08 نوفمبر 2024
كيف الزنزانة يا إسماعيل
لا أدعي أن الباحث المصري والمدون والصحافي، إسماعيل الإسكندراني، صديق شخصي. لكنه بالتأكيد ليس شخصاً غريباً تقرأ اسمه عابراً كما تقرأ أسماء معتقلين آخرين في سجون النظام المصري، وتحسبهم مجرد أرقام، لأنه لم يكن لك علاقة مباشرة معهم. لكن، مع تلمّس تجربة سجن شخص تعرفه وتتابعه، وكان لك تواصل مباشر معه، تشعر بمدى فظاعة ما تعيشه الساحة المصرية من عودة صريحة إلى الدكتاتورية بغطاء ديمقراطي وتطبيل إعلامي، لم يسبق له مثيل، حتى في عهد حسني مبارك.
لم يكن من الممكن تصديق خبر اعتقال إسماعيل الإسكندراني لدى عودته إلى مطار الغردقة. لم يكن من الممكن تخيل أن هذا النظام وصل إلى هذا الحد من البلطجة الرسمية، والتي من المؤكد أنه سيتمادى فيها، من دون حسيب أو رقيب. منذ اللحظة الأولى، تابعنا خبر التوقيف، وكان الأمل يحدو الجميع بأن الأمر لن يعدو استجواباً سريعاً، وبعده إطلاق سراح الشاب العائد من رحلته الدراسية لزيارة أمه المريضة. لكن الأمور تطورت، لاحقاً، إلى تحويله إلى النيابة العامة، ومن ثم توقيفه 15 يوماً على ذمة التحقيق، ما يعني أن هذا النظام يجد في شاب مثقف وواعٍ سياسياً خطراً لا بد من تداركه بسرعة، فلا مجال لمثل هذه العقليات في عهد عبد الفتاح السيسي. على الجميع أن يكونوا مسبحين بحمد النظام بكرة وأصيلا، وأي صوت خارج عن القطيع، سواء داخل مصر أو خارجها، سيجد بانتظاره آلاف التهم المعلبة، والتي تناسب كل زمان ومكان، وفي مقدمتها "الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين".
هذا بالضبط ما حدث مع إسماعيل. لائحة التهم طويلة ومتنوعة ومفصلة كي لا يخرج منها سليماً. هكذا أصبح الإسكندراني الذي كان يصف الإخوان بأنهم "جماعة زومبي"، ويسمي "تحالف دعم الشرعية" بأنه "تحالف الرز بالشعيرية"، منتمياً إلى الإخوان المسلمين. التهمة حاضرة لكل من يعارض نظام السيسي، ويفضح انتهاكاته، خصوصاً في شبه جزيرة سيناء، وهو مجال اختصاص إسماعيل الذي سعى إلى إيصال صوت أهالي المنطقة إلى الإعلام، ونفي ما تحاول السلطات المصرية أن تروّجه حول الوضع في قرى سيناء.
كانت هذه القضية الشغل الشاغل لإسماعيل الإسكندراني، وربما كانت أشد ما أثار استياء السلطات، غير أن للشاب الباحث نشاطات أخرى، سياسية واجتماعية، كانت كلها تصب في فكرة إصلاح ما يمكن إصلاحه في مصر قبل فوات الأوان، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا ثورة 25 يناير. آمال من المؤكد أن كثيرين يشاركونه فيها، ويحلمون أن ما تعيشه البلاد من كابوس عسكري استبدادي ستكون له نهاية.
العمل مع إسماعيل، ولو لفترة وجيزة، ولقاؤه ولو مرة واحدة، ممكن أن يكون كافياً ليعطيك الانطباع بأنك أمام شخص ذكي وواع ومدرك ما يريد إيصاله بوسائل مختلفة، ولو بأسلوب ساخر أحياناً، وبأنه، بوجود مثل هذه الشخصيات في مصر، لا يمكن فقدان الأمل. لكن، من الواضح أن ما هو مطلوب من النظام هو موت الأمل، وقتل كل حلم ممكن أن يرى فرصة للخروج إلى النور. المطلوب هو العيش في وهم القوة العظمى والاستقرار والأمن و"الرئيس الإله". ومن هنا، جاءت التهمة الأخرى لإسماعيل، أي "تشويه صورة مصر"، بعدما حاول الشاب تفنيد كل ما يسعى الإعلام المصري إلى ترويجه من كذب ومغالطات.
إسماعيل الإسكندراني من هذا المنطلق أصبح يشوه صورة النظام، على الرغم من أنه، وغيره كثيرون أيضاً، هم ما بقي من صورة ناصعة لأم الدنيا وسط ثلة من الجهلة والمصفقين للنظام. الإسكندراني وغيره في الزنزانة لأنهم أرادوا للبلد أن "تنظف"، لكن توفيق عكاشة ومرتضى منصور، على سبيل المثال لا الحصر، هما الصورة المشرفة لمصر، أو الصورة التي يريدها النظام لأرض الكنانة.
لم يكن من الممكن تصديق خبر اعتقال إسماعيل الإسكندراني لدى عودته إلى مطار الغردقة. لم يكن من الممكن تخيل أن هذا النظام وصل إلى هذا الحد من البلطجة الرسمية، والتي من المؤكد أنه سيتمادى فيها، من دون حسيب أو رقيب. منذ اللحظة الأولى، تابعنا خبر التوقيف، وكان الأمل يحدو الجميع بأن الأمر لن يعدو استجواباً سريعاً، وبعده إطلاق سراح الشاب العائد من رحلته الدراسية لزيارة أمه المريضة. لكن الأمور تطورت، لاحقاً، إلى تحويله إلى النيابة العامة، ومن ثم توقيفه 15 يوماً على ذمة التحقيق، ما يعني أن هذا النظام يجد في شاب مثقف وواعٍ سياسياً خطراً لا بد من تداركه بسرعة، فلا مجال لمثل هذه العقليات في عهد عبد الفتاح السيسي. على الجميع أن يكونوا مسبحين بحمد النظام بكرة وأصيلا، وأي صوت خارج عن القطيع، سواء داخل مصر أو خارجها، سيجد بانتظاره آلاف التهم المعلبة، والتي تناسب كل زمان ومكان، وفي مقدمتها "الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين".
هذا بالضبط ما حدث مع إسماعيل. لائحة التهم طويلة ومتنوعة ومفصلة كي لا يخرج منها سليماً. هكذا أصبح الإسكندراني الذي كان يصف الإخوان بأنهم "جماعة زومبي"، ويسمي "تحالف دعم الشرعية" بأنه "تحالف الرز بالشعيرية"، منتمياً إلى الإخوان المسلمين. التهمة حاضرة لكل من يعارض نظام السيسي، ويفضح انتهاكاته، خصوصاً في شبه جزيرة سيناء، وهو مجال اختصاص إسماعيل الذي سعى إلى إيصال صوت أهالي المنطقة إلى الإعلام، ونفي ما تحاول السلطات المصرية أن تروّجه حول الوضع في قرى سيناء.
كانت هذه القضية الشغل الشاغل لإسماعيل الإسكندراني، وربما كانت أشد ما أثار استياء السلطات، غير أن للشاب الباحث نشاطات أخرى، سياسية واجتماعية، كانت كلها تصب في فكرة إصلاح ما يمكن إصلاحه في مصر قبل فوات الأوان، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا ثورة 25 يناير. آمال من المؤكد أن كثيرين يشاركونه فيها، ويحلمون أن ما تعيشه البلاد من كابوس عسكري استبدادي ستكون له نهاية.
العمل مع إسماعيل، ولو لفترة وجيزة، ولقاؤه ولو مرة واحدة، ممكن أن يكون كافياً ليعطيك الانطباع بأنك أمام شخص ذكي وواع ومدرك ما يريد إيصاله بوسائل مختلفة، ولو بأسلوب ساخر أحياناً، وبأنه، بوجود مثل هذه الشخصيات في مصر، لا يمكن فقدان الأمل. لكن، من الواضح أن ما هو مطلوب من النظام هو موت الأمل، وقتل كل حلم ممكن أن يرى فرصة للخروج إلى النور. المطلوب هو العيش في وهم القوة العظمى والاستقرار والأمن و"الرئيس الإله". ومن هنا، جاءت التهمة الأخرى لإسماعيل، أي "تشويه صورة مصر"، بعدما حاول الشاب تفنيد كل ما يسعى الإعلام المصري إلى ترويجه من كذب ومغالطات.
إسماعيل الإسكندراني من هذا المنطلق أصبح يشوه صورة النظام، على الرغم من أنه، وغيره كثيرون أيضاً، هم ما بقي من صورة ناصعة لأم الدنيا وسط ثلة من الجهلة والمصفقين للنظام. الإسكندراني وغيره في الزنزانة لأنهم أرادوا للبلد أن "تنظف"، لكن توفيق عكاشة ومرتضى منصور، على سبيل المثال لا الحصر، هما الصورة المشرفة لمصر، أو الصورة التي يريدها النظام لأرض الكنانة.