المرأة والبناء السياسي السعودي
تظلّ قضايا المرأة في الوطن العربي موضوعاً للبحث، وللصراع الناتج من تنوّع البنى الاقتصادية والاجتماعية، واختلاف المصالح، كما تهتم قوى المجتمع بتوضيح رؤيتها لقضايا المرأة، بغض النظر إن كانت تلك الرؤية محافظة أو إصلاحية. أضف إلى ذلك أنه كلما ازدادت التفاعلات داخل المجال العام، كانت قضايا النساء محل اهتمام وتوظيف سياسي. لذا، شكلت قضايا المرأة العربية أحد المرتكزات في تشكيل البنية الفكرية للحراك السياسي النخبوي الذي بدأ يتصاعد في الوطن العربي ما قبل الثورات العربية.
لم يقتصر الاهتمام في السعودية بقضايا النساء على الحركات السياسية بتنوعها فحسب، بل تجاوز الفعل السياسي إلى مكونات المجال العام عموماً، فانتقلت قضية حقوق النساء ومطالبهم من (الحرملك) المجال الخاص إلى فضاء مجتمعي أوسع. ويفيد الواقع بأن تصاعد موجة الاهتمام بقضايا المرأة السعودية يرتبط بعدة أسباب، لعلّ أهمها زيادة فاعليات وأنشطة الحركة الحقوقية المدافعة عن النساء، ممثلة في المؤسسات الحقوقية السعودية والتيارات السياسية. كذلك ساهم التطور الحادث في وسائل الاتصال بطرح قضايا المرأة في وسائط تفاعلية، تجاوزت الصحف المطبوعة، إلى أفق أرحب يتصف بالتنوع واتساع الجمهور، ومكّن هذا الانفتاح أن تصبح قضايا النساء متجاوزة مجموعات النخب التقليدية، محدودة العدد، إلى مجموعات شبابية ونسائية أكبر عدداً وأكثر نفوذاً، وتخطت قضايا المرأة حدود الدولة القطرية عبر ثورة الاتصالات التي أنهت قطرية قضية ما، فأصبحت قضايا النساء محل بحث وتسليط للضوء والاهتمام الإعلامي والحقوقي الدولي. كما أضافت الضغوط الدولية على النظام مساحة جديدة للتأثير في السياسة السعودية، بما فيها قضايا المرأة، وخصوصاً أن هناك إعادة تشكل لخريطة الصراع السياسي الدولي، بما فيها منطقة الشرق الأوسط.
في المؤسسات الرسمية
كما هو معلوم، تجتمع كل السلطات في يد الملك، وينتقل الحكم في المملكة عبر التوريث، وقد أراد النظام السعودي إضفاء شكل من توسيع المشاركة في اختيار مَن يحكم، فأصدر، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2006، أمراً ملكياً بإنشاء "هيئة البيعة"، لتتولى اختيار الملك وولي العهد الجديد، وهي هيئة تتكون من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود وأحفاده. وتقتصر عضوية الهيئة على الأبناء الذكور، الأمر الذي جعل مقعدي الأميرين، حمود بن عبد العزيز وفواز بن عبد العزيز، خاليين (ليس لهما أبناء من الذكور)، ما يعني أن هذا التمثيل والتوسيع الشكلي في اختيار الملك وولي العهد تحرم منه أميرات آل سعود.
ويتضح، هنا، أثر علاقات السلطة (Power Relations) في المجتمع على تشكل أبنية السلطة السياسة وتوزيع الأدوار فيها، وهو الأمر المرتبط بطبيعة الدور الاجتماعي الذي تلعبه النساء، أو الذي يُفصّل للنساء داخل مجتمع ما، هذا الدور الذي يعكس نفسه في أنساق المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مجلس الوزراء وغياب المرأة عن السلطة التنفيذية: أنشئ مجلس الوزراء في عام 1953، وهو مجلس يعينه الملك، ويعد تنفيذياً واستشارياً، حيث تنص المادة 29 من نظامه على أن "الملك رئيس مجلِس الوزراء هو الذي يُوجّه السياسة العامة للدولة، ويكفل التوجيه والتنسيق والتعاون بين مختلف الأجهزة الحكومية، وله الإشراف على مجلِس الوزراء". ومنذ نشأة مجلس الوزراء، لم يضم أي عنصر نسائي، على الرغم من أن شروط العضوية، كما جاءت في المادة الثالثة، "أن يكون سعودي الجنسية بالأصل والمنشأ، ومشهود له بالصلاح والكفاية، وأن لا يكون محكوماً عليه بجريمة مُخِلّة بالدين والشرف".
وقد كان لغلبة التكوين العائلي والعشائري للمجلس دوره في استبعاد تمثيل المرأة فيه، وخصوصاً أنه إلى جانب كونه جهازاً تنفيذياً، إلا أنه يلعب دوراً عملياً في تقاسم السلطة، وإتاحة الفرصة لتكوين جبهة موحدة للحكم، عبر توزيع المناصب بشكل عائلي وقبلي ومناطقي، ما يساهم في تماسك البنية السياسية الحاكمة، عبر تماسك البنية الاجتماعية. وهنا، يلعب هذا التقسيم دوره في تحلّق البنى الاجتماعية للقبائل والعشائر الأساسية، المكونة للمملكة، حول رأس السلطة، الأمر الذي يعني أن دخول النساء أو تمثيلها وزيرة يتنافى مع جزء من مهامه في حفظ النظام الاجتماعي والسياسي الذي ما زال يقوم على العشائرية وقيم القبيلة التي تتحفظ على مشاركة النساء في المجال العام.
مجلس الشورى
كان قرار إنشاء مجلس الشورى في عام 1993 تعبيراً عن الحراك السياسي، بعد حرب الخليج، حيث رفعت قوى عديدة، وفي مقدمتها قوى الصحوة، مطالبها في التغيير ورسم خريطة سياسية جديدة تتشارك فيها القوى الاجتماعية مع الأسرة الحاكمة في رسم السياسات العامة. تتلخّص مهام مجلس الشورى في اقتراح التشريعات، لتُرفع للملك الذي يعرضها على مجلس الوزراء، لتلقّي مقترحاته. وإذا وافق عليها المجلس، تعود مرة أخرى إلى الملك، لاتخاذ قرار بشأنها، بالموافقة أو الرفض، وذلك حسب ما نصت عليه المادة 17 من نظام المجلس.
مر تمثيل النساء في مجلس الشورى بمراحل، المرحلة الأولى في 2005، وتم فيها الاقتصار على تعيين ست نساء مستشارات، ثم زاد عددهن إلى اثنتي عشر مستشارة، لهن حق الحضور وإبداء الرأي من دون التصويت. المرحلة الثانية (2011)، هي دخول المرأة السعودية المجلس عضواً بالتعيين، حيث خصص 30 مقعداً للنساء، بنسبة 20% من إجمالي عضوية المجلس البالغة 150 عضواً. وفي العام نفسه (2011)، حصلت النساء على حق التصويت والترشح للمجالس البلدية، إلا أن هذا الحق تعطل عملياً مع تأجيل إجراء انتخابات المجالس البلدية.
الحراك وقضايا النساء
فتح الحراك العربي في 2011، وما مثّله من مدد، ودفعه المطالب التي رفعتها النساء بشأن مشاركتهن في العمل السياسي، المجال للمشاركة في عضوية مجلس الشورى. والمتأمل لقرارات مشاركة النساء في العملية السياسية، يجد أنها ارتبطت بالحراك السياسي والنسوي، كما كانت، أيضاً، تعبيراً عن رغبه المملكة في تحسين صورتها، وخصوصاً أن كلاً من قرار إنشاء مجلس الشورى، ثم قرار تعيين النساء مستشارات فيه ثم عضوات، ارتبط الأول بحرب الخليج (1991)، أما الثاني فارتبط بالضغوط الأميركية المطالبة بالإصلاح (2005)، أما الأخير فقد ارتبط بثورات الربيع العربي وانتفاضاته في 2011.
وقد شهدت الفترة من (1991-2014) في المملكة حراكاً تنوع ما بين التظاهر والاعتصام، وتقديم العرائض. فعلى سبيل المثال، ركزت عرائض الإصلاح طوال فترة التسعينيات (1990- 1998)، على رفض وجود القوات الأميركية في المنطقة، والمطالبة بتطبيق الشريعة والتصدي للفساد وتفعيل دولة القانون، وتقليص أعداد العمالة الوافدة. وقد عبّرت تلك المطالب عن رؤية الصحوة الإسلامية التي تلخّصت في رفض الفساد والعمالة الأجنبية، باعتبارهما سبب الأزمة الاقتصادية، إلا أنه لم تشمل تلك الفترة مطالب واضحة تخص النساء.
بينما كانت عرائض الإصلاح، منذ بداية الألفية الثانية، تربط بين مطالب الإصلاح السياسي الدستوري وقضايا الحريات وحقوق النساء والأقليات الدينية. وشهد العام 2003 خمس عرائض لقوى الإصلاح. ووجدت بعض الوثائق رواجاً واسعاً، مثل وثيقة "نحو دولة الحقوق والمؤسسات"، التي جمعت نحو 10 الآلف توقيع مطالبة بأن يكون مجلس الشورى بالانتخاب ولديه صلاحيات التشريع والرقابة على الأجهزة التنفيذية، وقد تصدّرت المطالب المتعلقة بأوضاع النساء اهتماماً كبيراً من الوثائق، خصوصاً في الفترة التي تلت العام 2005، حيث شملت بنوداً تتعلق بتوسيع مشاركة النساء، وضمان حقوقهن. كما تضمنت الوثائق مطالب تتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية، والتصدي لمشكلات البطالة والفقر وإتاحة حق التنظيم للعمال والمجتمع المدني، عبر إزالة القيود والشروط المتعلقة بالتأسيس ومباشرة النشاط.
مبادرات ومطالب
لعب المجتمع المدني السعودي أدواراً مهمة، سواء في ما يتعلق بالعمل الخيري، أو كونه مثل منابر للتعبير عن الآراء والبرامج المتعلقة بعملية الإصلاح، وتوسّع نشاطه بشكل ملحوظ في السنوات العشر الماضية، حيث برزت بعض المطالبات، وخصوصاً التي ارتبطت بنقطتين أساسيتين، قضايا الحريات وتوسيع هامش المشاركة السياسية عموماً، والثانية تحديث المجتمع وتحسين أوضاع النساء، ودمجهن في مختلف نشاطات الحياة.
تنوعت فاعليات المجتمع المدني في تنظيم الحملات المتعلقة بحقوق النساء، منها حملة الحصول على بطاقة ناخب للمرأة السعودية، والتي قامت بعدة تجمعات في 2011 من أجل "تحقيق المشاركة الفعالة والكاملة للمرأة السعودية، من خلال التوعية والتأهيل"، وقد سبقتها حملة نسائية في عامي 2004/2005، من أجل الحق في المشاركة السياسة للنساء. أضف إلى ذلك الحملات المتعددة التي نُظّمت من أجل الحق في قيادة النساء للسيارة، ورفع الحظر القائم عليها، والتي كانت تظاهرة قيادة السيارة في 1991 إحدى أبرز فاعلياتها، وتلت ذلك حملات أخرى، في السياق نفسه، كانت منها حملة يونيو/ حزيران 2011، وحملة 26 أكتوبر 2014.
وقام المجتمع المدني السعودي بتوصيل صوت المرأة السعودية ومطالبها، عبر تقديم تقارير إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف. وساهمت تقارير منظمات المجتمع المدني السعودي في إيصال صوت المرأة السعودية إلى العالم، وتوضيح مطالبها. ووجدت هذه المطالب ترحيباً من دوائر حقوقية وسياسية دولية، وضعت السعودية على أولويات اهتمامها.
ومن هذا الاستعراض، نجد أن التهميش الذي تعاني منه المرأة السعودية في العملية السياسية تتم مقاومته من أجل إنهائه، إضافة إلى أن الحراك المُطالب بحقوق النساء لا ينفصل عن الحراك المجتمعي عموماً، بل إن قضايا المرأة السعودية في أحيان كثيرة تمثل مرتكزاً أساسياً لهذا الحراك، كما لم تنفصل قضايا النساء عن صراعات القوى المحافظة والإصلاحية داخل المجتمع، أو الصراع الدولي القائم. ولعلّ ذلك يفتح الباب واسعاً للتنبؤ بتغيّرات كبيرة في هذا الشأن، إذا استطاعت النساء والقوى السياسية توحيد صفوفها لإنهاء هذه الأوضاع شديدة الإجحاف.