السودان إلى أين؟
طوال الأيام الماضية، ظللت أفكر في سؤال طرحه عليّ صديق، كنت أتحدث إليه، وهو في الخرطوم. كان يقول: أنتم من تعيشون في الخارج تستطيعون رؤية حال البلد أفضل منا نحن في الداخل. ثم طرح السؤال: إلى أين نتجه؟ سؤال بسيط لكن مبررات طرحه كثيرة ومجسدات مبعثه خطيرة، ومن ذلك الفوضى السياسية العارمة، وحالة من الانهيار الاقتصادي وتردي الأحوال المعيشية للناس. وفوق ذلك كله تصميم حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) على إجراء الانتخابات الرئاسية في الثالث عشر من أبريل/نيسان المقبل. وهي انتخابات تزيد من مباعث القلق والخوف على المستقبل السياسي للسودان، وتبدو بعيدة عن تقديم إجابات لتلك المخاوف. فإذا كانت الأزمة السياسية الراهنة في السودان تعود، في جذورها، إلى لحظة الانقلاب العسكري الذي نظمته الجبهة الإسلامية عام 1989، فإن سنوات عمر البشير في الحكم لم تقدم جديدا يمكن وضعه في رصيد إيجابيات تحسب له، أو تشفع لفكرة إعادة انتخابه.
وأكثر ما يلفت في شأن الانتخابات المنتظرة حملات المرشحين المغمورين المفترض منافستهم الرئيس البشير، والذين يزيد وجودهم الهزيل من الحيرة بشأن مستقبل السودان. يكفي أن أحد المرشحين المستقلين، محمد عوض البارودي، وهو خارج من عباءة الحزب الحاكم، يتحدث صراحة عن "عدم اقتناع المواطنين بجدوى الانتخابات" التي يصفها بأنها "ميتة"، بل يبدي البارودي استياء من "عزوف المواطنين عن الانتخابات، ورفضهم لها، وعدم اقتناعهم بها، وتشكيكهم في أنها انتخابات حقيقية"، وفقا لتصريحاته للصحف السودانية. هذا التوصيف الدقيق لمرشح رئاسي مفترض لمزاج ونظرة المواطن السوداني للانتخابات، يعبر، حقيقة، عن المزاج العام في السودان. وينسجم تماماً مع رؤية القوى السياسية المعارضة التي لم ترفض فقط المشاركة في الانتخابات، بل أطلقت في مقابلها حملة "ارحل" التي تنادي برحيل الرئيس عمر البشير عن الحكم. وهي حملة تجد صدى لها في شارع سوداني، معروف بحسه السياسي العالي الذي يتجاوز، أحياناً كثيرة، في ردة فعله القوى السياسية المعارضة نفسها. بمعنى أن هناك إدراكاً عاماً بأنها عملية معدة ومرتبة، وبقياس رجل واحد هو عمر البشير.
وتعبر عن هذا الفهم الشعبي حركة "التغيير الآن" الشبابية، والتي ترى في التكلفة الكبيرة للانتخابات (86 مليون دولار)، وفقاً لمفوضية الانتخابات، "إهداراً غير مبرر للمال العام"، وأن هذا المبلغ يمكن أن يسد حاجة كبيرة للمدارس التي تفتقر للأساسيات "مبلغ يكفي لصناعة مليوني كرسي، و750 ألف تختة للطلاب، و300 ألف سبورة". ويبدو أن غياب الاهتمام الشعبي بالانتخابات يصيب قيادة الحزب الحاكم بحالة من الهياج والتوتر، ويتجلى ذلك في اللغة البائسة والرديئة التي لا تخلو من ازدراء للخصوم، وتهديد غير لائق لهم. ومن ذلك التهديد، الصريح الذي صدر عن مصطفى عثمان إسماعيل، رئيس القطاع السياسي لحزب البشير، الذي افتقد كثيراً للياقة وضبط كلماته المنفلتة. فقد تجاوز عثمان الهجوم الصريح على الصحافة التي انتقدت تصريحات ياسر يوسف ابكر، أمين الإعلام في الحزب الحاكم، الخشنة، والتي وصف فيها مقاطعي الانتخابات بأنهم "أراذل القوم"، إلى التهديد "بكسر كل يد" تمتد تجاه الحزب الحاكم.
ويعني هذا التهديد أمراً واحداً، هو أن القاموس الرديء وغير المسبوق لقادة الحركة الإسلامية في السودان باق بلا تغيير، وأن الانتخابات لن تغير شيئاً في نيات الحزب الحاكم تجاه العملية السياسية في السودان. لا تغيير ولا تهدئة، ولا قبول بالفكرة الأساسية من الانتخابات، أي السماح لقدر من الحرية، بدرجة تسمح بمرور مجرد نسمة حرية، ومجرد فكرة للتغيير الذي طالما تاق إليه كثيرا الشعب السوداني. ومن يدري، فربما قادت هذه اللغة المتعسفة والمتعالية والمزدرية للقيم السياسية المجربة في الحياة السياسية، إلى إفساح الطريق إلى تغيير باتت كل عوامل تحققه متاحة ومفتوحة أمام الاحتمالات كافة.