فتح وحماس تفوزان... والشعب يخسر
نجحت "كتلة الوفاء الإسلامية الطلابية" التابعة لحركة حماس في تحقيق مفاجأة كبيرة في انتخابات جامعة بيرزيت، 22 أبريل/نيسان الجاري، وتمكنت وحدها من حصد أكثر من نصف مقاعد مجلس طلبة الجامعة. وكانت المفاجأة أولاً في أن استطلاعات للرأي أجريت قبل الانتخابات أظهرت أن كتلة "فتح" ستحقق الفوز، على غرار العام الماضي. وثانياً لأن كتلة "حماس" حظيت بأصوات 3400 طالب، بينما لم تحز في الانتخابات السابقة إلّا على 2047 صوتاً. ومع الأخذ بالاعتبار زيادة عدد المقترعين عمّا كانت عليه في الانتخابات الماضية، يكون عدد المصوتين لكتلة حماس زادوا بنسة 73% خلال عام، وزادت نسبة تمثيلها طلاب الجامعة من 36.5% إلى 50.1%.
قبل ذلك بنحو أسبوعين؛ فازت حركة فتح بجميع مقاعد نقابة المحامين في غزة، والتي أجريت، للمرة الأولى منذ سيطرة حركة حماس على القطاع، متفوقة على كتلة تحالف انتخابي بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وبلغت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات 97% من أصحاب حق الاقتراع، وهي نسبة قياسية، تعكس، في جانب من جوانبها، توق أبناء غزة للمشاركة في العملية الديمقراطية، بعد توقفها على المستويات النقابية والطلابية كافة في القطاع منذ أكثر من سبع سنوات.
احتفت حماس بفوز كتلتها الطلّابية في الضفة، كما احتفت فتح بفوز كتلتها النقابية في غزة، وكان "خطاب النصر" متشابهاً لدى الحركتين، ولم تغب عنه تلك الفقرة التي تقول بأن هذا "الانتصار" جاء على الرغم من القمع والتنكيل والاعتقال الذي يتعرض له نشطاء الحركة (فتح أو حماس) في غزة أو الضفة، مع أن القمع والتنكيل والاعتقالات السياسية ربما كانت هي تحديداً سبباً رئيسياً في فوزهما.
ولطالما كانت نتائج الانتخابات النقابية والاتحادية تشكل معياراً لسبر توجهات الرأي العام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، خصوصاً جامعة بيرزيت التي كانت انتخابات مجلس طلبتها، وما زالت، تحظى باهتمام فصائلي وشعبي كبيرين. ما اختلف، في السنوات الأخيرة، أن انتخابات جامعة بيرزيت، أو أي انتخابات تجري على مستوى الجامعات والنقابات في الضفة، ما عادت تُعبر إلا عن اتجاهات الرأي العام في الضفة الغربية فقط، وكذلك هو الحال بالنسبة لأي انتخابات على المستوى نفسه يُمكن أن تجري في غزة.
فالواقع اليوم أنه لم يعد هناك رأي عام فلسطيني موحد، حتى على مستوى الوطن المحتل. هذا الأمر، وإن عززه الانقسام الداخلي الفلسطيني؛ فإنه بدأ منذ انخراط قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في مشروع التسوية، وتوقيعها اتفاق أوسلو المشؤوم، حيث أهملت القيادة، المهووسة بمشروع الكيان/الدولة على أراضي 67، الشتات الفلسطيني، وأَضعَفت منظمة التحرير، بما تمثله من عنوان جامع لكل شعب فلسطين، لحساب سلطتها ذات الحكم الذاتي المحدود في غزة والضفة. في تلك المرحلة، ونتيجة لتلك السياسة؛ أصبح هناك مجتمع فلسطيني في الداخل ومجتمعات فلسطينية في مناطق الشتات وداخل أراضي 48.
وحتى ما قبل وقوع الانقسام السياسي، منتصف عام 2007، كان يمكن القول، إن هناك رأياً عاماً واحداً في غزة والضفة، ويمكن التدليل على ذلك بنتائج انتخابات المجلس التشريعي مطلع 2006، حيث حازت الكُتل الكبرى الفائزة في انتخابات القوائم التي جرت على أساس مبدأ التمثيل النسبي، على النتائج نفسها تقريباً في الضفة والقطاع. فحصلت كتلة حماس في الضفة على 41.9% من أصوات الناخبين، بينما حصلت في غزة على 43.8%، وحازت قائمة فتح على 40% من أصوات الناخبين في الضفة، وعلى 43.6% في غزة.
اليوم، وبعد مضي قرابة ثماني سنوات من الانقسام، يعلم أي متابع منصف، وعلى دراية بالأوضاع على الأرض؛ أنه لو أُجريت انتخابات تشريعية، سيكون هناك تباين كبير في نتائج كل حركة من الحركتين الفلسطينيتين بين غزة والضفة، وليس مستبعداً، لا بل من المرجح، أن يفوز كل منهما على ملعب الخصم، حماس في الضفة وفتح في غزة، ما يظهر في نتائج استطلاعات للرأي كثيرة نُفّذت أخيراً، حتى أن قياديين في كلا التنظيمين أقروا بذلك.
يمكننا القول، اليوم، وبكل أسف، أنه لم يعد هناك رأي عام فلسطيني، لأنه ببساطة لم يعد هناك مجتمع فلسطيني واحد. صحيح أن الشعب الفلسطيني ما زال مُجْمِعاً على حقوقه الثابتة، على الرغم من تنازل القيادة المتنفذة عن جزء كبير منها؛ إلا أن توجهاته حول القضايا الراهنة والمتغيرة أصبحت متباينةً تبعاً لجغرافيا انتشاره. وما عادت القضايا الملحة، وذات الأولوية بالنسبة لتجمع من تجمعاته في الوطن، أو الشتات، تحظى باهتمام تجمعاته الأخرى أو اكتراثها.
شكلت منظمة التحرير (على علاتها) منذ انتزعت اعتراف العرب والعالم بشرعية تمثيلها الشعب الفلسطيني؛ عنواناً لتوحد الفلسطينيين سياسياً، بعد شتاتهم الديموغرافي على امتداد جغرافيا العالم. وهنا، تحديداً تكمن أهمية المنظمة، ولهذا السبب، حرصت فصائل معارضة أساسية على البقاء داخل المنظمة، على الرغم من خلافاتها الحادة مع قيادة المنظمة، وعلى رأسها ياسر عرفات. كان الكبير جورج حبش يُصِر على الوحدة الوطنية، حتى حين وصل خلافه مع عرفات بعد "أوسلو" إلى اتهامه الأخير بأنه أصبح خارجاً على الصف الوطني الفلسطيني. لم تكن تلك الدعوة من باب الرومانسية الثورية، بل جاءت من إدراك عميق لأهمية المحافظة على مرجعية سياسية جامعة للشعب الفلسطيني، تحفظ هويته السياسية الواحدة، في ظل ظروف التشتيت والعزل التي واجهها حتى داخل الوطن المُحتل.
إن كل يوم يمر على الانقسام الفلسطيني جريمة تُرتكب في حق شعب فلسطين وقضيته، فكلما طال أمد الانقسام السياسي، تعمق الانقسام المجتمعي داخل المجتمع الفلسطيني نفسه. ومن نافلة القول، إن تجاوز حالة الانقسام لا يكون بتقاسم مناصب سلطة حكم ذاتي لأرض محتلة، بل بالتأكيد على مرجعية منظمة التحرير ووحدانية تمثيلها، عبر تنفيذ كل بنود اتفاق القاهرة لعام 2005 ذات الشأن، بإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية، بحيث تتسع لكل أطياف اللون السياسي الفلسطيني، من دون إقصاء لأحد.