هل ستتغير الأشياء في السعودية؟
يصنف تاريخ السعودية الحديث إلى عهودٍ، تسمى بأسماء الملوك، فيقال عهد الملك عبد العزيز وعهد الملك فيصل وعهد الملك خالد وعهد الملك فهد، للدلالة على حقب زمنية، تولى فيها هؤلاء العرش. ولكن، ظل النظام يراوح مكانه، ولم تكن لتلك العهود آثار سياسية كبرى خاصة على المستوى الداخلي. الاستمرارية البطيئة هي السمة البارزة: عوامل سن من تداولوا على العرش، واتساع النخب من داخل العائلة وهندسة إرضاء مختلف الفاعلين، وهم، في الأصل، كثيرون، كانت شاقة ومعيقة في الوقت نفسه.
ما يمكن ملاحظته أن المملكة العربية السعودية تشهد، من حين إلى آخر، تلوينات في المواقف من القوى والقضايا الدولية والإقليمية على غرار القضية الفلسطينية والولايات المتحدة الأميركية وإيران والكيان الإسرائيلي، وأخيرا الثورات العربية. السياسة الخارجية للعربية السعودية هي المؤشر المهم، وربما الوحيد الذي يلون تلك العهود ويشد الانتباه. أما على المستوى الداخلي، فإن المؤشرات تظل ضعيفة. تخريج النظام السياسي، أي تحويل جل اهتماماته إلى الخارج، وصناعة مؤشراته وفق هذا المعطى الوحيد، هو ما حدث منذ سنوات. في نظم ملكية كثيرة، تحولت تدريجياً، كان الشأن الداخلي جزءاً مهماً في ما يحدث، واعتبر ذلك مؤشرا حقيقيا على مستوى تحول النظام، فضلا عن درجة فاعليته. على المستوى الداخلي، ظل الأمر في حالة السعودية محتشماً، وكانت كل المبادرات باهتة، عجزت عن اختراق ذلك التكلس الذي صاغ قشرة سميكة عطلت الجسد عن تحسس طلبات المحيط الداخلي، حتى ولو كانت من قبيل الهمس والإرهاص.
بادر الملك الجديد، سلمان بن عبد العزيز، إلى تغيير عدة مواقف، ربما بدأنا نلمس آثارها حالياً، ولو باحتشام على غرار تليين الموقف من حركة حماس، ولعب دور كفت عن لعبه السعودية منذ سنين، أي المصالحة والوسيط الإيجابي بين الأشقاء/ الفرقاء الفلسطينيين، والتعاطي مع ملف التوسع الإيراني بشكل مختلف. ولكن، لن تكون لتلك المواقف، مهما كانت بوصلتها، تداعيات على الداخل وعلى النظام السياسي نفسه الذي يتهدده الجمود.
هناك حالة بيداغوجية تشكل لنا درسا بليغاً في فهم النظام السياسي السعودي، إنها حالة النظام الملكي المغربي، فهي أفضل الحالات، وأقربها منهجياً إلى حالة السعودية، مع حفظ الفوارق التاريخية والأنتروبولوجية، فعمر النظام المغربي الطويل يمنحه شرعية تاريخية عميقة، في حين تتسم الشرعية التاريخية للسعوديين بالحداثة الزمنية، ولكن، للنظامين شرعية روحية كثيفة، فهما يحوزان تباعا على شرعية "أمير المؤمنين" وخادم الحرمين الشريفين.
استطاع النظام الملكي في المغرب أن يلتقط صوت محيطه الداخلي، ويتعلم من أزماته، وهي أزمات حادة، بفعل حيوية النخب المغربية وإرثها المصاغ في تجربة اللقاء مع الاستعمار الفرنسي، وتشكيل الدولة الوطنية، على رأي المفكر المغربي، علي أومليل. واستطاع النظام المرور من ملك إلى ملك، وأن يشكل بالفعل حقباً، لأنه أذن بتحولات عميقة في علاقته بالداخل، وخصوصا الطلب الاجتماعي على المشاركة. ومن ينظر إلى السنوات الأخيرة، يدرك، بقطع النظر، عن تقييمنا لنجاح المحاولات، أو فشلها، أن شيئاً ما يتغير، وأن المبادرات تجاه الداخل متعددة: مدونة الأسرة 2010، دستور 2011 إلخ كلها صيغ للتلاؤم مع حاجات أجيال ونخب جديدة، وهي مبادرات قد تضع المزيد من الشرعية، فضلا عن البحث عن التجديد والتنويع. وهناك الاستمرارية في نهج التعيينات والتسميات، وإنه مهما كان ملتزما بمعايير الجدارة والكفاءة، سينتهي، عاجلا أو آجلا، إلى حبس الاستمرارية في دائرتها، ما يحكم انغلاق النسق بعد مدة زمنية ما. كيف يستطيع النسق أن يجدد داخله، ويلتقط الطلب الاجتماعي على الحاجات الحقيقية، لأجيال تواكب الربيع العربي، وتستعمل مختلف تقنيات الاتصال، تلك هي بداية الأسئلة الحقيقية.
ابتكار أشكال من التمثيلية، إعطاء المزيد من الصلاحيات للهيئات المحلية، فضلا عن استحداث أشكال جديدة من توسيع المشاركة المواطنية والسياسية هي ما سيعطي الملك الجديد إمكانات كسر حلقة الاستمرارية المغلقة.