26 سبتمبر 2018
الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا
تعاني دول المنظومة الأوروبية على مدار الساعة من تبعات الهجرة غير الشرعية فوق أراضيها، بعد ارتفاع وتائر الهجرة، نتيجة الأزمة المتفاقمة في دول الشرق الأوسط، ومع أنّ كلّ دولة أوروبية تقرّر، بشكل مستقلّ، تجريم الهجرة غير الشرعية، إلا أنّ المحكمة الأوروبية، ووفقًا للقرار رقم (115/2008)، تقدّم الأولوية لإعادة مواطني دول العالم الثالث إلى أوطانهم، والمضيّ في الإجراءات المعنية من دون اللجوء لقانون عقوبات، وإجراءات تجريم هجرتهم، ما يترتب عليه سجن اللاجئين وتغريمهم، الأمر الذي يتناقض مع الواقع، ويرفع من شدّة التوتّر، من دون إيجاد حلول منطقية للأزمة.
يرى حقوقيون وجوب التفريق بين اللاجئ غير الشرعي والباحث عن المأوى في نظام العدل الأوروبي. بهذا، لا يمكن اعتبار المواطن الأجنبي الذي تقدّم للحصول على حماية ومأوى لاجئًا غير شرعي، خلافًا للمواطنين الأجانب الذين يعبرون حدود المنظومة الأوروبية، من دون تصاريح أو تأشيرات دخول، ومن دون التقدّم بطلب حماية، أو حال رفض مثل هذه الطلبات لعدم استحقاقها المتطلبات القانونية. بهذا، يعتبر المعنيون لاجئين غير شرعيين.
ويُذكر أنّ بعض دول المنظومة الأوروبية تجرّم دخول أراضيها من دون تصاريح مسبقة، كألمانيا وإيطاليا التي تعاني كثيرًا من أزمة اللجوء غير الشرعي، لإنّ شواطئها مطلّة على البحر الأبيض المتوسط، وكذا اليونان التي تعاني الأمرّين في الوقت الراهن، ومهدّدة بإفلاس رسمي، وبلغاريا غير القادرة على تقديم الحدّ الأدنى لمعيشة آلاف من اللاجئين وإقامتهم فوق أراضيها. ويفرّق القانون الأوروبي بين الهجرة، وتشمل كل المواطنين الموجودين فوق الأراضي الأوروبية من دون وثائق قانونية، وتنطبق عليهم القوانين ذات الصلة، وتشمل إعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، وعادةً، لا تعاني هذه الدول من قلاقل، كالجزائر وباكستان وغيرها، ومن جهة أخرى أصناف اللجوء الأخرى.
لا تأخذ إجراءات إعادة المهاجرين سمة إجرامية، بل تعتبر إجراءات إدارية بحتة، تضمن لهم حرية الوجود في مراكز إقامة، حتى تأمين عمليات السفر وعودتهم إلى مواطنهم الأصلية. أمّا بشأن وضع نظام لجوء أوروبي موحّد واعتماده، فهو أمرٌ ممكن. لكن، يصعب تحقيقه قبل انتهاء الصراع المسلّح والحروب الأهلية في مناطق النزاع المصدّرة للجوء، بصورة متواصلة، وحال خفض الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين دول المنظومة الأوروبية، وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، لأنّ الدول الأوروبية المجاورة لشمال أفريقيا والشرق الأوسط أفقر من الدول الأوروبية الغربية القادرة على تحمّل عبء اللجوء بصورة أفضل من دول أوروبا الشرقية والوسطى.
هنغاريا ترفض القوانين الأوروبية
على الرغم من أنّ هنغاريا ليست ضمن دول التماس مع المناطق الساخنة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنّها تعاني من وجود أعداد كبيرة من اللاجئين القادمين من دول أوروبا الشرقية، وحسب تصريحات رئيس الوزراء الهنغاري، فكتور أوربان، فإنّ بلاده تحتاج إلى سنّ قوانين مستقلّة، بمعزل عن القانون الأوروبي، لوقف تدفق اللاجئين فوق أراضيها. وهو يرى أنّ المنظومة الأوروبية تتعامل بليبرالية فائضة مع اللاجئين غير الشرعيين، واشتكى أوربان من ارتفاع حصّة هنغاريا لاستيعاب اللاجئين حيث تتبوّأ هنغاريا المرتبة الثانية بعد السويد بشأن استقبال اللاجئين مقارنة بتعداد السكان، أضاف أنّ معظم اللاجئين إلى هنغاريا يرغبون بالمضي إلى ألمانيا والدول الأوروبية الغنية، لكنّ هذه الدول ستحول دون استمرار تدفق اللاجئين وسيضطر اللاجئون للبقاء في هنغاريا، لذا فإنّ بودابست مضطرة لسنّ قوانين قد تغضب بروكسل لوقف تدفّق اللاجئين.
طالب حزب السلطة الهنغاري (فيدس) في شهر فبراير/شباط الماضي بإغلاق الحدود مع الدول الأوروبية، لمنع الهجرة الاقتصادية لمواطني دول العالم الثالث، لأنّ ما استوعبته هنغاريا في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي يفوق تعداد ما استوعبته خلال العام الماضي 2014 بأكمله، ولن تتيح ألمانيا والنمسا المجال لدخول لاجئين من هنغاريا إلى أراضيهما، ما يعني بقاءهم فوق الأراضي الهنغارية. وأجرت الحكومة الهنغارية استفتاءً، وأرسلت ثمانية ملايين رسالة إلى مواطنيها، للوقوف على الإجراءات العملية لمنع موجات اللجوء. لكن، وحال اعتماد نتائج الاستفتاء، ستتضارب القوانين الجديدة مع القوانين الأوروبية. ويشمل الاستفتاء 12 سؤالاً، أهمها "هل توافقون على احتجاز اللاجئين في معسكرات خاصّة، وإبعادهم عن البلاد؟ هل ترون ضرورة إجبارهم على العمل، لتغطية جزء من نفقات معيشتهم وإقامتهم لصالح الدولة والمؤسسات المعنية؟ هل توافقون على أن يهدّد اللاجئون طريقة حياتكم وأعمالكم؟ هل توافقون على توظيف مقدّرات موازنة الدولة لصالح العائلات الهنغارية والأجنّة التي لم تلد بعد؟ هل ترون أنّ قوانين اللجوء الأوروبية غير المنظمة ستؤدّي إلى انتشار الإرهاب؟". هذه اللهجة المستخدمة من حزب السلطة موجّهة لتلقّي الدعم من الأحزاب اليمينية المتطرفة في هنغاريا، وأهمها حزب (يوبيك).
كذلك بدأت هنغاريا بناء حاجز تقني على حدود صربيا، الدولة الأوروبية غير العضو في المنظومة الأوروبية، ويمتدّ الحاجز المثير للجدل على طول 175 كلم، أسوة بالحاجز الذي رفعته اليونان وبلغاريا على الحدود التركية.
النمسا تقترح نظام الكوتا
تطالب النمسا بنظام كوتا، لتوزيع اللاجئين وفقًا لمعايير معيّنة، أهمّها النسبة السكانية لكلّ دولة أوروبية، لتحمّل أعباء اللجوء المتواصل على الشواطئ الجنوبية للاتحاد بشكل يوميّ. وأضاف المستشار النمساوي، فيرنير فايمان، أنّه من العبث والظلم أن تتحمّل الدول المطلة على الأقاليم الساخنة عبء دخول أراضيها لآلاف اللاجئين، من دون تحمّل باقي دول الاتحاد جزءًا من المسؤولية، ولا بدّ من إجراء تعديلات على اتفاقية دبلن الثانية التي تلزم الدول الحاضنة بعدم السماح بتوجّه اللاجئين إلى الدول الأوروبية الأخرى، وإجبارها على إعادتهم إلى أراضيها ثانية، والدول المعنية هي مالطا وإيطاليا واليونان المطلة على البحر المتوسط، وبلغاريا ذات الحدود البرية المشتركة مع تركيا. وأضاف المستشار أنّ النمسا تلقت 10200 طلب لجوء في الأشهر الأولى من العام الحالي من مواطنين أفغان وسوريين ومن جمهورية كوسوفو.
وطرح المستشار إمكانية بناء مراكز لجوء جديدة لاستقبال اللاجئين تحت رعاية المفوضية العليا للأمم المتحدة، والعمل على توزيعهم بصورة عادلة بين دول المنظومة الأوروبية فيما بعد، وأوضح كذلك أنّ دول شمال أفريقيا لا ترحّب بهذه المبادرة، ولا ترغب ببناء مراكز لجوء مؤقتة فوق أراضيها.
وقد تمكّنت الأجهزة الإيطالية الأمنية وحرس الحدود من إنقاذ حياة 3700 لاجئ، في مطلع شهر مايو/أيار الماضي، كانوا على وشك الغرق بالقرب من الشواطئ الإيطالية، واستغلّ مهرّبو البشر الأجواء الصافية لنقل الراغبين بالوصول إلى الشواطئ الإيطالية، وبأعداد كبيرة لا تقدر على تحمّلها المراكب والقوارب المخصصة لهذه الغاية. وتفيد البيانات بأنّ المهرّبين يحصلون على أرباح مالية كبيرة، تقدّر قيمتها بقرابة 80 ألف يورو لكلّ قارب، وتتوقع وزارة الداخلية الإيطالية عبور قرابة 200 ألف لاجئ، صيف العام الحالي، لتوقّع تحسّن الأحوال الجوية لمعظم أشهر الصيف، ما يزيد بمعدّل 30 ألف لاجئ مقارنة بالعام الماضي 2014. وشاركت في عمليات الإنقاذ قوارب ودوريات بحرية إيطالية وفرنسية.
خطّة أوروبية
تبنّى قادة الدول الأوروبية خطة عامّة في العام الماضي لمواجهة خطر استمرار تدفق اللاجئين إلى البلاد، أهمّها رفع المقدرات المالية لإنقاذ اللاجئين في مياه البحر الأبيض المتوسط، ومصادرة قوارب المهربين الذين يخاطرون بحياة اللاجئين القادمين من دول العالم الثالث. وسيتم توزيع اللاجئين على كل دول المنظومة الأوروبية، أخذًا بالاعتبار نسبة الدول الأوروبية ومعدل الدخل القومي للأفراد. وترفض بعض الدول الحاضنة، مثل بلغاريا وإيطاليا ومالطا، استقبال لاجئين جدد من دول أوروبية أخرى، لأنّ حدودها معرّضة للانتهاك طوال الوقت من الباحثين عن حياة أفضل، وكذا الهاربين من ويلات الحرب. لذا، فإنّ قادةً أوروبيين أخذوا بالاعتبار إمكانية استقبال دول أوروبية للاجئين بصورة تطوعية وغير إلزامية. وترى الخطة الأوروبية أنّ هناك ضرورة لبناء مراكز خاصة لاستقبال اللاجئين في إيطاليا واليونان المطلتين على مياه البحر المتوسط، ثمّ العمل على توزيعهم في باقي دول المنظومة، من دون تحديد الآلية الممكنة لتحقيق هذه الغاية.
وقد عبّر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، عن قلقه بشأن الأوضاع الأمنية في ليبيا، وعدم استقرار الدولة الأفريقية، مضيفًا أنّ استقرار الأوضاع في ليبيا سيساعد المنظومة الأوروبية كثيرًا في مجال الحدّ من اللاجئين القادمين من ليبيا، وعلى المجتمع الدولي الأخذ بالاعتبار هذا الأمر. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عن استعداد بلاده المشاركة بطائرات عمودية وقوارب حديثة للمشاركة في عمليات الإنقاذ وحماية شواطئ البحر المتوسط. وقد أعلنت هيئة الأمم المتحدة عن عدم رضاها عن الخطة الأوروبية، وطالبت بإيجاد وسائل وقنوات لهجرة آمنة تجاه دول المنظومة الأوروبية.
وطالب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينتسي، بتأسيس معسكرات لجوء في السودان والنيجر، للسيطرة على الهجرة عبر شواطئ المتوسط، وقال إنّ بلاده هي الدولة الأوروبية المستهدفة من اللاجئين بشكل رئيسيّ. ودعا مجددًا إلى اعتماد خطة أوروبية شاملة للحدّ من موجات تدفق اللاجئين القادمين من ليبيا، الأمر الذي تحوّل تجارة رابحة تدرّ أموالاً كثيرة على مهرّبي البشر. وأضاف رينتسي إن إيطاليا تنقذ يوميًا مئات اللاجئين على متن القوارب غير الآمنة، ونظم حرس الحدود الإيطالي مهام خاصة لاستقبال القوارب المندفعة نحو شواطئها، للحيلولة دون حدوث مزيد من المآسي وغرق اللاجئين، لكن هذا النمط من المهمات أوقف لأسباب مالية، وبسبب انتقادات وجهتها بريطانيا وألمانيا، واتهام إيطاليا بتسهيل الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية. وأوضح رئيس الوزراء الإيطالي أنّ الخطوة الإنسانية التي تقوم بها بلاده بشكل منفصل غير كافية، وحثّ أوروبا على تحمّل مسؤوليتها بهذا الشأن.
عدا عن بناء معسكرات لجوء في أفريقيا، اقترح رينتسي كذلك رفع حجم الدوريات البحرية لرقابة جنوب ليبيا وحركة الملاحة في مياه البحر المتوسط، الأمر الذي أوصى به كذلك عدة وزراء خارجية لدول المنظومة الأوروبية.
مراكز اللجوء في بلغاريا ومقدونيا
أعلن رئيس وكالة اللجوء الرسمية البلغارية التابعة للمجلس الوزاري، نيكولا كازاكوف، عن انتهاء الأماكن الشاغرة في مراكز اللجوء في البلاد خلال شهر مايو/أيار الماضي، وحذّر من ارتفاع معدّلات اللجوء غير الشرعية عبر الحدود البلغارية التركية، خلال صيف العام الحالي، بعد انهيار وتضرّر الحاجز الفني على الحدود التركية في فصل الشتاء، وتسهيل حركة مرور اللاجئين عبر الجبال والتلال على الحدود المشتركة. عدا ذلك، لا تمتلك الحكومة البلغارية ما يكفي لسدّ حاجة اللاجئين، على الرغم من المساعدات الأوروبية، ويسعى غالبية اللاجئين الموجودين فوق الأراضي البلغارية، حال حصولهم على وثائق لجوء، إلى التوجّه مباشرة إلى دول أوروبا الغربية، وخصوصاً ألمانيا والنمسا والسويد.
أوضاع اللاجئين في مقدونيا أسوأ بكثير منه في بلغاريا، وقد لقي 14 لاجئًا من الصومال وأفغانستان حتفهم نتيجة حادث اصطدام قطار بالقرب من مدينة "فيليس" في مقدونيا في شهر أبريل/نيسان الماضي، وهم جزء من مجموعة يقدّر عددها بأربعين شخصًا، كانوا يسيرون على سكّة الحديد، حين دهمهم قطار متوجّه إلى بلغراد. وتنقل السلطات المقدونية اللاجئين بحافلات كبيرة، من مكان إلى آخر، حال قدوم مفتشين دوليين، لعدم التحقيق معهم ومعرفة مدى سوء أوضاعهم المعيشية في مراكز اللجوء. ويفقد آلاف اللاجئين حياتهم في أثناء رحلة الهروب من جحيم الحروب إلى أوروبا، مخاطرين بعبور مناطق جبلية شديدة البرودة، لا يقوى على عبورها سوى القليل وخوض غمار البحر. ويموت في هذه الرحلات الأطفال والنساء وكبار السنّ.
ستستمرّ معاناة آلاف اللاجئين، حتى تضع الحروب أوزارها، وتبدأ عملية بناء المجتمعات في الدول المنهكة من القتال والقلاقل، وكذا في دول عديدة في الشرق الأوسط وأماكن الصراع في العالم الثالث.
يرى حقوقيون وجوب التفريق بين اللاجئ غير الشرعي والباحث عن المأوى في نظام العدل الأوروبي. بهذا، لا يمكن اعتبار المواطن الأجنبي الذي تقدّم للحصول على حماية ومأوى لاجئًا غير شرعي، خلافًا للمواطنين الأجانب الذين يعبرون حدود المنظومة الأوروبية، من دون تصاريح أو تأشيرات دخول، ومن دون التقدّم بطلب حماية، أو حال رفض مثل هذه الطلبات لعدم استحقاقها المتطلبات القانونية. بهذا، يعتبر المعنيون لاجئين غير شرعيين.
ويُذكر أنّ بعض دول المنظومة الأوروبية تجرّم دخول أراضيها من دون تصاريح مسبقة، كألمانيا وإيطاليا التي تعاني كثيرًا من أزمة اللجوء غير الشرعي، لإنّ شواطئها مطلّة على البحر الأبيض المتوسط، وكذا اليونان التي تعاني الأمرّين في الوقت الراهن، ومهدّدة بإفلاس رسمي، وبلغاريا غير القادرة على تقديم الحدّ الأدنى لمعيشة آلاف من اللاجئين وإقامتهم فوق أراضيها. ويفرّق القانون الأوروبي بين الهجرة، وتشمل كل المواطنين الموجودين فوق الأراضي الأوروبية من دون وثائق قانونية، وتنطبق عليهم القوانين ذات الصلة، وتشمل إعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، وعادةً، لا تعاني هذه الدول من قلاقل، كالجزائر وباكستان وغيرها، ومن جهة أخرى أصناف اللجوء الأخرى.
لا تأخذ إجراءات إعادة المهاجرين سمة إجرامية، بل تعتبر إجراءات إدارية بحتة، تضمن لهم حرية الوجود في مراكز إقامة، حتى تأمين عمليات السفر وعودتهم إلى مواطنهم الأصلية. أمّا بشأن وضع نظام لجوء أوروبي موحّد واعتماده، فهو أمرٌ ممكن. لكن، يصعب تحقيقه قبل انتهاء الصراع المسلّح والحروب الأهلية في مناطق النزاع المصدّرة للجوء، بصورة متواصلة، وحال خفض الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين دول المنظومة الأوروبية، وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، لأنّ الدول الأوروبية المجاورة لشمال أفريقيا والشرق الأوسط أفقر من الدول الأوروبية الغربية القادرة على تحمّل عبء اللجوء بصورة أفضل من دول أوروبا الشرقية والوسطى.
هنغاريا ترفض القوانين الأوروبية
على الرغم من أنّ هنغاريا ليست ضمن دول التماس مع المناطق الساخنة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنّها تعاني من وجود أعداد كبيرة من اللاجئين القادمين من دول أوروبا الشرقية، وحسب تصريحات رئيس الوزراء الهنغاري، فكتور أوربان، فإنّ بلاده تحتاج إلى سنّ قوانين مستقلّة، بمعزل عن القانون الأوروبي، لوقف تدفق اللاجئين فوق أراضيها. وهو يرى أنّ المنظومة الأوروبية تتعامل بليبرالية فائضة مع اللاجئين غير الشرعيين، واشتكى أوربان من ارتفاع حصّة هنغاريا لاستيعاب اللاجئين حيث تتبوّأ هنغاريا المرتبة الثانية بعد السويد بشأن استقبال اللاجئين مقارنة بتعداد السكان، أضاف أنّ معظم اللاجئين إلى هنغاريا يرغبون بالمضي إلى ألمانيا والدول الأوروبية الغنية، لكنّ هذه الدول ستحول دون استمرار تدفق اللاجئين وسيضطر اللاجئون للبقاء في هنغاريا، لذا فإنّ بودابست مضطرة لسنّ قوانين قد تغضب بروكسل لوقف تدفّق اللاجئين.
طالب حزب السلطة الهنغاري (فيدس) في شهر فبراير/شباط الماضي بإغلاق الحدود مع الدول الأوروبية، لمنع الهجرة الاقتصادية لمواطني دول العالم الثالث، لأنّ ما استوعبته هنغاريا في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي يفوق تعداد ما استوعبته خلال العام الماضي 2014 بأكمله، ولن تتيح ألمانيا والنمسا المجال لدخول لاجئين من هنغاريا إلى أراضيهما، ما يعني بقاءهم فوق الأراضي الهنغارية. وأجرت الحكومة الهنغارية استفتاءً، وأرسلت ثمانية ملايين رسالة إلى مواطنيها، للوقوف على الإجراءات العملية لمنع موجات اللجوء. لكن، وحال اعتماد نتائج الاستفتاء، ستتضارب القوانين الجديدة مع القوانين الأوروبية. ويشمل الاستفتاء 12 سؤالاً، أهمها "هل توافقون على احتجاز اللاجئين في معسكرات خاصّة، وإبعادهم عن البلاد؟ هل ترون ضرورة إجبارهم على العمل، لتغطية جزء من نفقات معيشتهم وإقامتهم لصالح الدولة والمؤسسات المعنية؟ هل توافقون على أن يهدّد اللاجئون طريقة حياتكم وأعمالكم؟ هل توافقون على توظيف مقدّرات موازنة الدولة لصالح العائلات الهنغارية والأجنّة التي لم تلد بعد؟ هل ترون أنّ قوانين اللجوء الأوروبية غير المنظمة ستؤدّي إلى انتشار الإرهاب؟". هذه اللهجة المستخدمة من حزب السلطة موجّهة لتلقّي الدعم من الأحزاب اليمينية المتطرفة في هنغاريا، وأهمها حزب (يوبيك).
كذلك بدأت هنغاريا بناء حاجز تقني على حدود صربيا، الدولة الأوروبية غير العضو في المنظومة الأوروبية، ويمتدّ الحاجز المثير للجدل على طول 175 كلم، أسوة بالحاجز الذي رفعته اليونان وبلغاريا على الحدود التركية.
النمسا تقترح نظام الكوتا
تطالب النمسا بنظام كوتا، لتوزيع اللاجئين وفقًا لمعايير معيّنة، أهمّها النسبة السكانية لكلّ دولة أوروبية، لتحمّل أعباء اللجوء المتواصل على الشواطئ الجنوبية للاتحاد بشكل يوميّ. وأضاف المستشار النمساوي، فيرنير فايمان، أنّه من العبث والظلم أن تتحمّل الدول المطلة على الأقاليم الساخنة عبء دخول أراضيها لآلاف اللاجئين، من دون تحمّل باقي دول الاتحاد جزءًا من المسؤولية، ولا بدّ من إجراء تعديلات على اتفاقية دبلن الثانية التي تلزم الدول الحاضنة بعدم السماح بتوجّه اللاجئين إلى الدول الأوروبية الأخرى، وإجبارها على إعادتهم إلى أراضيها ثانية، والدول المعنية هي مالطا وإيطاليا واليونان المطلة على البحر المتوسط، وبلغاريا ذات الحدود البرية المشتركة مع تركيا. وأضاف المستشار أنّ النمسا تلقت 10200 طلب لجوء في الأشهر الأولى من العام الحالي من مواطنين أفغان وسوريين ومن جمهورية كوسوفو.
وطرح المستشار إمكانية بناء مراكز لجوء جديدة لاستقبال اللاجئين تحت رعاية المفوضية العليا للأمم المتحدة، والعمل على توزيعهم بصورة عادلة بين دول المنظومة الأوروبية فيما بعد، وأوضح كذلك أنّ دول شمال أفريقيا لا ترحّب بهذه المبادرة، ولا ترغب ببناء مراكز لجوء مؤقتة فوق أراضيها.
وقد تمكّنت الأجهزة الإيطالية الأمنية وحرس الحدود من إنقاذ حياة 3700 لاجئ، في مطلع شهر مايو/أيار الماضي، كانوا على وشك الغرق بالقرب من الشواطئ الإيطالية، واستغلّ مهرّبو البشر الأجواء الصافية لنقل الراغبين بالوصول إلى الشواطئ الإيطالية، وبأعداد كبيرة لا تقدر على تحمّلها المراكب والقوارب المخصصة لهذه الغاية. وتفيد البيانات بأنّ المهرّبين يحصلون على أرباح مالية كبيرة، تقدّر قيمتها بقرابة 80 ألف يورو لكلّ قارب، وتتوقع وزارة الداخلية الإيطالية عبور قرابة 200 ألف لاجئ، صيف العام الحالي، لتوقّع تحسّن الأحوال الجوية لمعظم أشهر الصيف، ما يزيد بمعدّل 30 ألف لاجئ مقارنة بالعام الماضي 2014. وشاركت في عمليات الإنقاذ قوارب ودوريات بحرية إيطالية وفرنسية.
خطّة أوروبية
تبنّى قادة الدول الأوروبية خطة عامّة في العام الماضي لمواجهة خطر استمرار تدفق اللاجئين إلى البلاد، أهمّها رفع المقدرات المالية لإنقاذ اللاجئين في مياه البحر الأبيض المتوسط، ومصادرة قوارب المهربين الذين يخاطرون بحياة اللاجئين القادمين من دول العالم الثالث. وسيتم توزيع اللاجئين على كل دول المنظومة الأوروبية، أخذًا بالاعتبار نسبة الدول الأوروبية ومعدل الدخل القومي للأفراد. وترفض بعض الدول الحاضنة، مثل بلغاريا وإيطاليا ومالطا، استقبال لاجئين جدد من دول أوروبية أخرى، لأنّ حدودها معرّضة للانتهاك طوال الوقت من الباحثين عن حياة أفضل، وكذا الهاربين من ويلات الحرب. لذا، فإنّ قادةً أوروبيين أخذوا بالاعتبار إمكانية استقبال دول أوروبية للاجئين بصورة تطوعية وغير إلزامية. وترى الخطة الأوروبية أنّ هناك ضرورة لبناء مراكز خاصة لاستقبال اللاجئين في إيطاليا واليونان المطلتين على مياه البحر المتوسط، ثمّ العمل على توزيعهم في باقي دول المنظومة، من دون تحديد الآلية الممكنة لتحقيق هذه الغاية.
وقد عبّر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، عن قلقه بشأن الأوضاع الأمنية في ليبيا، وعدم استقرار الدولة الأفريقية، مضيفًا أنّ استقرار الأوضاع في ليبيا سيساعد المنظومة الأوروبية كثيرًا في مجال الحدّ من اللاجئين القادمين من ليبيا، وعلى المجتمع الدولي الأخذ بالاعتبار هذا الأمر. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عن استعداد بلاده المشاركة بطائرات عمودية وقوارب حديثة للمشاركة في عمليات الإنقاذ وحماية شواطئ البحر المتوسط. وقد أعلنت هيئة الأمم المتحدة عن عدم رضاها عن الخطة الأوروبية، وطالبت بإيجاد وسائل وقنوات لهجرة آمنة تجاه دول المنظومة الأوروبية.
وطالب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينتسي، بتأسيس معسكرات لجوء في السودان والنيجر، للسيطرة على الهجرة عبر شواطئ المتوسط، وقال إنّ بلاده هي الدولة الأوروبية المستهدفة من اللاجئين بشكل رئيسيّ. ودعا مجددًا إلى اعتماد خطة أوروبية شاملة للحدّ من موجات تدفق اللاجئين القادمين من ليبيا، الأمر الذي تحوّل تجارة رابحة تدرّ أموالاً كثيرة على مهرّبي البشر. وأضاف رينتسي إن إيطاليا تنقذ يوميًا مئات اللاجئين على متن القوارب غير الآمنة، ونظم حرس الحدود الإيطالي مهام خاصة لاستقبال القوارب المندفعة نحو شواطئها، للحيلولة دون حدوث مزيد من المآسي وغرق اللاجئين، لكن هذا النمط من المهمات أوقف لأسباب مالية، وبسبب انتقادات وجهتها بريطانيا وألمانيا، واتهام إيطاليا بتسهيل الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية. وأوضح رئيس الوزراء الإيطالي أنّ الخطوة الإنسانية التي تقوم بها بلاده بشكل منفصل غير كافية، وحثّ أوروبا على تحمّل مسؤوليتها بهذا الشأن.
عدا عن بناء معسكرات لجوء في أفريقيا، اقترح رينتسي كذلك رفع حجم الدوريات البحرية لرقابة جنوب ليبيا وحركة الملاحة في مياه البحر المتوسط، الأمر الذي أوصى به كذلك عدة وزراء خارجية لدول المنظومة الأوروبية.
مراكز اللجوء في بلغاريا ومقدونيا
أعلن رئيس وكالة اللجوء الرسمية البلغارية التابعة للمجلس الوزاري، نيكولا كازاكوف، عن انتهاء الأماكن الشاغرة في مراكز اللجوء في البلاد خلال شهر مايو/أيار الماضي، وحذّر من ارتفاع معدّلات اللجوء غير الشرعية عبر الحدود البلغارية التركية، خلال صيف العام الحالي، بعد انهيار وتضرّر الحاجز الفني على الحدود التركية في فصل الشتاء، وتسهيل حركة مرور اللاجئين عبر الجبال والتلال على الحدود المشتركة. عدا ذلك، لا تمتلك الحكومة البلغارية ما يكفي لسدّ حاجة اللاجئين، على الرغم من المساعدات الأوروبية، ويسعى غالبية اللاجئين الموجودين فوق الأراضي البلغارية، حال حصولهم على وثائق لجوء، إلى التوجّه مباشرة إلى دول أوروبا الغربية، وخصوصاً ألمانيا والنمسا والسويد.
أوضاع اللاجئين في مقدونيا أسوأ بكثير منه في بلغاريا، وقد لقي 14 لاجئًا من الصومال وأفغانستان حتفهم نتيجة حادث اصطدام قطار بالقرب من مدينة "فيليس" في مقدونيا في شهر أبريل/نيسان الماضي، وهم جزء من مجموعة يقدّر عددها بأربعين شخصًا، كانوا يسيرون على سكّة الحديد، حين دهمهم قطار متوجّه إلى بلغراد. وتنقل السلطات المقدونية اللاجئين بحافلات كبيرة، من مكان إلى آخر، حال قدوم مفتشين دوليين، لعدم التحقيق معهم ومعرفة مدى سوء أوضاعهم المعيشية في مراكز اللجوء. ويفقد آلاف اللاجئين حياتهم في أثناء رحلة الهروب من جحيم الحروب إلى أوروبا، مخاطرين بعبور مناطق جبلية شديدة البرودة، لا يقوى على عبورها سوى القليل وخوض غمار البحر. ويموت في هذه الرحلات الأطفال والنساء وكبار السنّ.
ستستمرّ معاناة آلاف اللاجئين، حتى تضع الحروب أوزارها، وتبدأ عملية بناء المجتمعات في الدول المنهكة من القتال والقلاقل، وكذا في دول عديدة في الشرق الأوسط وأماكن الصراع في العالم الثالث.