24 سبتمبر 2020
الشعوب العربية زعلانة
لم أجد تعبيراً يناسب ما يجري في عواصم ومدن عربية مختلفة، من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، غير هذا التعبير المتداول، وهو أن الناس في بلاد العرب "زعلانة".
الناس في البصرة، عاصمة جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية، يتظاهرون في الشوارع، ثم يتحولون إلى إقامة الخيام والمبيت في الشوارع، أي الاعتصام، احتجاجاً على فساد الحكومة، وهي حكومة حزب الدعوة وتحالفاته الشيعية، سواء رأسها نوري المالكي، أو من كان نائبه في الحزب، حيدر العبادي، أي أن المواطنين العراقيين الشيعة "زعلانين" من الحكومة العراقية الشيعية، بسبب زيادة معدلات الفساد، ونقص وقصور الخدمات العامة، وأهمها الكهرباء. نعم، الكهرباء في بلد بترولي، وفي البصرة بالتحديد أكبر مدن منتجة للنفط. ونقص المياه في بلد معروف بأنه بلد النهرين، دجلة والفرات. هذا كله بعد أكثر من 12عاماً من الغزو الأميركي للعراق، وإزاحة نظام صدام حسين، الفاشي والمستبد والديكتاتوري، وإطلاق الحريات. بالطبع، كانت هناك تظاهرات في بغداد وفي غيرها من المدن، ووصلت إلى كردستان، فالكرد، أيضاً، "زعلانين".
وكل هذا الزعل لا يتركز سوى فى الأمور الحياتية، كهرباء، مياه، خدمات صحة وتعليم، أسعار بطالة، إلخ. هذا كله في بلد مفترض أنه أغنى بلد عربي، بما يملك من مقدرات نفطية وزراعية وصناعية، وعمق ثقافي وحضاري، وتعداد بشري لا يتجاوز عشرين مليوناً. المهم أن الناس زعلانة من هذا فقط، في بلد لا أحد يعلم، على وجه اليقين، من يحكمه، ولا طبيعة نظام الحكم فيه. بلد يسيطر على ما يقرب من نصفه تنظيم داعش، أو ما يعرف بالدولة الإسلامية. بلد فيه إقليم كامل أصبح شبه مستقل، هو إقليم كردستان العراق. بلد تتعدد فيه المليشيات والجيوش المحلية والأجنبية، بلا ضابط ولا رابط. على الرغم من ذلك كله، الناس فقط "زعلانة".
نترك بلاد الرافدين، ونتجه إلى لبنان، البلد الجميل النظيف الذي كان يسمى سويسرا الشرق. فى العاصمة بيروت، خرج الناس ليس للسهر في شارع الحمرا، ولا للنزهة على كورنيش المزرعة، ولكن للتظاهر والاعتراض، والاعتصام أيضاً، رافعين فى مواجهة الحكومة شعاراً جديداً هو .. ( # طلعت - ريحتكم )، احتجاجاً على تراكم النفايات في شوارع بيروت من دون حل. ويوماً بعد يوم، تتصاعد التظاهرات التي تلقى مساندة وتأييداً من كل الطوائف، والزعامات المختلفة عادة على كل شيء.
اللبنانيات واللبنانيون "زعلانين" من سوء إدارة بلدهم التي مر عليها أكثر من عام، من دون رئيس جمهورية، وبرلمان انتهت مدته، وجدد لنفسه عامين، ورئيس حكومة هو من يطالب بوضع حد للأزمة السياسية، ويهدد بالاستقالة كل يوم.
نتجه إلى أرض الكنانة، مصر، ونترك جانباً كل القضايا السياسية المعقدة، وما يحيط بها من إشكاليات، اصطبغت، للأسف الشديد، بدماء غالية وعزيزة علينا جميعاً، بدءاً من 25 يناير 2011، وبعيداً، أيضاً، عن جدلية الثورة، والانقلاب، وثنائية الجيش والإخوان المسلمين.
خرج مصريون من العاملين المدنيين فى الدولة، فى بعض مصالحها الحكومية، في تظاهرات ووقفات حاشدة في منطقة وسط المدينة، رافعين شعارات تعترض على قانون الخدمة المدنية وتطالب بتعديله. مصريون "زعلانين" من أمور حياتية، وقوانين تؤثر على معيشتهم سلبياً من وجهة نظرهم. وبعدها بأيام، تتظاهر طائفة أمناء الشرطة، وتحاصر مقر إحدى مديريات أمن الدلتا، بل وتمنع مساعد وزير الداخلية ومدير الأمن من الدخول، ويتعاطف معهم أمناء شرطة في محافظات أخرى. ومن المهم أن نعرف أن رجال الشرطة ينتمون إلى هيئة مدنية، أي أنهم مدنيون، حتى لا يتصور أحد أنهم عسكريون متمردون. أيضاً، هؤلاء المواطنون المصريون "زعلانين"، لأنهم يريدون رفع مرتباتهم، والحصول على حوافز قناة السويس التي تصرف لأفراد القوات المسلحة، على حد قولهم، وتحسين أحوالهم. أي "زعلانين"، لأسباب حياتية.
تلك نماذج لزعل أبناء الشعب العربي، وبالطبع، سيتم احتواء هذا الزعل، بوسائل وأساليب عديدة، تمزج بين الذهب والسيف في أقطار، وتمزج ما بين العصا والجزرة في أقطار أخرى.
ولو امتدت جولتنا في باقى أرجاء وطننا العربي، سنجد مشاهد أشد قسوة، وظروفاً لا تسمح للناس حتى بالزعل، لأن الموت أسرع كثيراً من مجرد التأمل في الأحوال. المشهد في سورية ما بين براميل بشار المتلاحقة وضربات التحالف الخاطئة، وجماعات ومنظمات وجيوش الإسلام، والتحرير، والنصرة، وحزب الله، وحرس إيران الثوري. الأمور لدى السوريين البسطاء تجاوزت الزعل بمراحل، ولو تركنا سورية والشام كله، واتجهنا إلى اليمن الذي كان يسمى سعيداً، وأيضاً من دون التعرض للسياسة ودروبها، ما بين المشروع الفارسي الموجه ضد دول الخليج العربية، وفي مقدمتها السعودية، وبين تحرك السعودية بتحالفها وإطلاق عمليتها العسكرية الكبرى "عاصفة الحزم". بالطبع، في إطار ما يجري على أرض اليمن من تحالف مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح للسيطرة على الأرض، وقتال ضارب من أطراف قبلية لا تقبل ذلك. بعيداً عن ذلك كله، أهلنا في اليمن المبتلى بالتأكيد "زعلانين"، بل تجاوزوا مرحلة الزعل في مواجهة حوالي 13 ألف طلعة طائرة مقاتلة، طبقاً لتصريح خبير سعودي مخول بالحديث. وهذا بالطبع إضافة إلى قصف مليشيات الحوثي وجيش صالح، والمقاتلين الآخرين.
لا داعي للاستمرار في استعراض باقي أحوال العرب، بالتأكيد، سنجد الناس "زعلانة". السؤال الأهم: هل انتهى حلم الثورة لدى الشعوب العربية؟ ذلك الحلم الرائع الذي بعث في النفوس أملاً غالياً، يعيش فى وجدانهم جيلاً بعد جيل، وهو انتقالهم من مرحلة الرعايا، عبيد إحسانات أصحاب السعادة، وأصحاب السيادة، إلى مستوى المواطنين مصدر كل السلطات. هل انكسر ذلك الحلم على صخرة الثورات المضادة، وخيانات النخب والمثقفين، ووهن الجماهير وضعفها عبر استنزافهم سنين وسنين؟
هل لم يبق للمواطن العربي حق في شيء سوى أن يزعل؟ يخطئ الحكام كثيراً، لو اعتقدوا ذلك، فالشعوب العربية زعلانة، وتعبر عن زعلها بتظاهرات واعتصامات تحمل، في ظاهرها، مطالب حياتية أو فئوية، تتمكن السلطة القسرية عادة من احتوائها، لكن ذلك الزعل، في حقيقة الأمر، تعبير عن غضبة كبرى، تتزايد يوماً بعد يوم، نتجت عن شعور بالمرارة، بعد الإحباط أمام النجاح "المؤقت" للثورات المضادة. وطالما بقي الزعل، ووصل، يوماً بعد يوم، إلى الإنسان العربي، بعد إدراك كل ما يحيط به من قهر وظلم ودماء مهدرة فقط من السلطة. عندما يأتي ذلك اليوم، سينفجر غضب ذلك الإنسان البسيط، ليحقق ثورة حقيقية.
الناس في البصرة، عاصمة جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية، يتظاهرون في الشوارع، ثم يتحولون إلى إقامة الخيام والمبيت في الشوارع، أي الاعتصام، احتجاجاً على فساد الحكومة، وهي حكومة حزب الدعوة وتحالفاته الشيعية، سواء رأسها نوري المالكي، أو من كان نائبه في الحزب، حيدر العبادي، أي أن المواطنين العراقيين الشيعة "زعلانين" من الحكومة العراقية الشيعية، بسبب زيادة معدلات الفساد، ونقص وقصور الخدمات العامة، وأهمها الكهرباء. نعم، الكهرباء في بلد بترولي، وفي البصرة بالتحديد أكبر مدن منتجة للنفط. ونقص المياه في بلد معروف بأنه بلد النهرين، دجلة والفرات. هذا كله بعد أكثر من 12عاماً من الغزو الأميركي للعراق، وإزاحة نظام صدام حسين، الفاشي والمستبد والديكتاتوري، وإطلاق الحريات. بالطبع، كانت هناك تظاهرات في بغداد وفي غيرها من المدن، ووصلت إلى كردستان، فالكرد، أيضاً، "زعلانين".
وكل هذا الزعل لا يتركز سوى فى الأمور الحياتية، كهرباء، مياه، خدمات صحة وتعليم، أسعار بطالة، إلخ. هذا كله في بلد مفترض أنه أغنى بلد عربي، بما يملك من مقدرات نفطية وزراعية وصناعية، وعمق ثقافي وحضاري، وتعداد بشري لا يتجاوز عشرين مليوناً. المهم أن الناس زعلانة من هذا فقط، في بلد لا أحد يعلم، على وجه اليقين، من يحكمه، ولا طبيعة نظام الحكم فيه. بلد يسيطر على ما يقرب من نصفه تنظيم داعش، أو ما يعرف بالدولة الإسلامية. بلد فيه إقليم كامل أصبح شبه مستقل، هو إقليم كردستان العراق. بلد تتعدد فيه المليشيات والجيوش المحلية والأجنبية، بلا ضابط ولا رابط. على الرغم من ذلك كله، الناس فقط "زعلانة".
نترك بلاد الرافدين، ونتجه إلى لبنان، البلد الجميل النظيف الذي كان يسمى سويسرا الشرق. فى العاصمة بيروت، خرج الناس ليس للسهر في شارع الحمرا، ولا للنزهة على كورنيش المزرعة، ولكن للتظاهر والاعتراض، والاعتصام أيضاً، رافعين فى مواجهة الحكومة شعاراً جديداً هو .. ( # طلعت - ريحتكم )، احتجاجاً على تراكم النفايات في شوارع بيروت من دون حل. ويوماً بعد يوم، تتصاعد التظاهرات التي تلقى مساندة وتأييداً من كل الطوائف، والزعامات المختلفة عادة على كل شيء.
اللبنانيات واللبنانيون "زعلانين" من سوء إدارة بلدهم التي مر عليها أكثر من عام، من دون رئيس جمهورية، وبرلمان انتهت مدته، وجدد لنفسه عامين، ورئيس حكومة هو من يطالب بوضع حد للأزمة السياسية، ويهدد بالاستقالة كل يوم.
نتجه إلى أرض الكنانة، مصر، ونترك جانباً كل القضايا السياسية المعقدة، وما يحيط بها من إشكاليات، اصطبغت، للأسف الشديد، بدماء غالية وعزيزة علينا جميعاً، بدءاً من 25 يناير 2011، وبعيداً، أيضاً، عن جدلية الثورة، والانقلاب، وثنائية الجيش والإخوان المسلمين.
خرج مصريون من العاملين المدنيين فى الدولة، فى بعض مصالحها الحكومية، في تظاهرات ووقفات حاشدة في منطقة وسط المدينة، رافعين شعارات تعترض على قانون الخدمة المدنية وتطالب بتعديله. مصريون "زعلانين" من أمور حياتية، وقوانين تؤثر على معيشتهم سلبياً من وجهة نظرهم. وبعدها بأيام، تتظاهر طائفة أمناء الشرطة، وتحاصر مقر إحدى مديريات أمن الدلتا، بل وتمنع مساعد وزير الداخلية ومدير الأمن من الدخول، ويتعاطف معهم أمناء شرطة في محافظات أخرى. ومن المهم أن نعرف أن رجال الشرطة ينتمون إلى هيئة مدنية، أي أنهم مدنيون، حتى لا يتصور أحد أنهم عسكريون متمردون. أيضاً، هؤلاء المواطنون المصريون "زعلانين"، لأنهم يريدون رفع مرتباتهم، والحصول على حوافز قناة السويس التي تصرف لأفراد القوات المسلحة، على حد قولهم، وتحسين أحوالهم. أي "زعلانين"، لأسباب حياتية.
تلك نماذج لزعل أبناء الشعب العربي، وبالطبع، سيتم احتواء هذا الزعل، بوسائل وأساليب عديدة، تمزج بين الذهب والسيف في أقطار، وتمزج ما بين العصا والجزرة في أقطار أخرى.
ولو امتدت جولتنا في باقى أرجاء وطننا العربي، سنجد مشاهد أشد قسوة، وظروفاً لا تسمح للناس حتى بالزعل، لأن الموت أسرع كثيراً من مجرد التأمل في الأحوال. المشهد في سورية ما بين براميل بشار المتلاحقة وضربات التحالف الخاطئة، وجماعات ومنظمات وجيوش الإسلام، والتحرير، والنصرة، وحزب الله، وحرس إيران الثوري. الأمور لدى السوريين البسطاء تجاوزت الزعل بمراحل، ولو تركنا سورية والشام كله، واتجهنا إلى اليمن الذي كان يسمى سعيداً، وأيضاً من دون التعرض للسياسة ودروبها، ما بين المشروع الفارسي الموجه ضد دول الخليج العربية، وفي مقدمتها السعودية، وبين تحرك السعودية بتحالفها وإطلاق عمليتها العسكرية الكبرى "عاصفة الحزم". بالطبع، في إطار ما يجري على أرض اليمن من تحالف مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح للسيطرة على الأرض، وقتال ضارب من أطراف قبلية لا تقبل ذلك. بعيداً عن ذلك كله، أهلنا في اليمن المبتلى بالتأكيد "زعلانين"، بل تجاوزوا مرحلة الزعل في مواجهة حوالي 13 ألف طلعة طائرة مقاتلة، طبقاً لتصريح خبير سعودي مخول بالحديث. وهذا بالطبع إضافة إلى قصف مليشيات الحوثي وجيش صالح، والمقاتلين الآخرين.
لا داعي للاستمرار في استعراض باقي أحوال العرب، بالتأكيد، سنجد الناس "زعلانة". السؤال الأهم: هل انتهى حلم الثورة لدى الشعوب العربية؟ ذلك الحلم الرائع الذي بعث في النفوس أملاً غالياً، يعيش فى وجدانهم جيلاً بعد جيل، وهو انتقالهم من مرحلة الرعايا، عبيد إحسانات أصحاب السعادة، وأصحاب السيادة، إلى مستوى المواطنين مصدر كل السلطات. هل انكسر ذلك الحلم على صخرة الثورات المضادة، وخيانات النخب والمثقفين، ووهن الجماهير وضعفها عبر استنزافهم سنين وسنين؟
هل لم يبق للمواطن العربي حق في شيء سوى أن يزعل؟ يخطئ الحكام كثيراً، لو اعتقدوا ذلك، فالشعوب العربية زعلانة، وتعبر عن زعلها بتظاهرات واعتصامات تحمل، في ظاهرها، مطالب حياتية أو فئوية، تتمكن السلطة القسرية عادة من احتوائها، لكن ذلك الزعل، في حقيقة الأمر، تعبير عن غضبة كبرى، تتزايد يوماً بعد يوم، نتجت عن شعور بالمرارة، بعد الإحباط أمام النجاح "المؤقت" للثورات المضادة. وطالما بقي الزعل، ووصل، يوماً بعد يوم، إلى الإنسان العربي، بعد إدراك كل ما يحيط به من قهر وظلم ودماء مهدرة فقط من السلطة. عندما يأتي ذلك اليوم، سينفجر غضب ذلك الإنسان البسيط، ليحقق ثورة حقيقية.